ربّما ما كان لخبرٍ من سطرين، في الجريدة الرسمية المصرية، أن يحمل أية دلالات، لو لم يكن لوالد الشابة السورية الحاصلة على الجنسية المصرية، ذاك الموقف الشائك من المشهد السوري.
فـ باسل سماقية، رجل الأعمال المُجنّس مصرياً، قبل عامٍ فقط، كان قبل سنوات قليلة رأس حربة ثلة من رجال الأعمال السوريين الناشطين في مصر، الذين “تغزلوا” بنظام الأسد، وبادلهم الأخير “الغَزَل”، في وصلة “جس نبض”، آلت إلى انقطاعٍ ملفت، يحمل الدلالات المشار إليها أعلاه.
يوم الإثنين، أعلنت الجريدة الرسمية المصرية أنّ ابنة باسل سماقية، فلك، باتت هي الأخرى مصريّة الجنسية. وبذلك يحقق والدها حلمه القديم الذي سبق أن عبّر عنه لوسائل إعلام مصرية، بأن يحمل جنسية البلد التي يعمل فيها منذ الثمانينات، والتي وُلد وتربى جميع أولاده فيها.
سماقية، “مصريّ الهوى والهوية”، كما تصفه وسيلة إعلام مصرية، تعامل بانتهازية –تاجر- مشهود لها، حينما تقرّب من النظام، بعد أن زال الخطر الوجودي عن هذا الأخير بعيد العام 2017، ربما على أمل أن يكون له نصيب في كعكة إعمار سوريا، ومصانعها المدمرة، خاصة في مدينة حلب، التي ينحدر منها، سماقية، والتي هي عاصمة صناعة النسيج السورية، التي خبِرها سماقية، فقاد شركته قطونيل، لتكون أكبر شركة صناعة ملابس داخلية في مصر.
حَبْلُ “الغَزَل” بين سماقية ونظام الأسد لم ينقطع بعد، فيما يبدو؛ فخلال مسرحية “انتخابات الرئاسة”، في أيار/مايو المنصرم، شارك الرجل فيما وصفه بـ “العُرف الانتخابي”، عبر السفارة بالقاهرة. ودعا السوريين في مصر للمشاركة في “الانتخابات”. وقد قدّمه الإعلام المصري بوصفه “رئيس الجالية السورية” في مصر، دون أن يتضح كيف احتلّ موقعاً كهذا!
أكثر ما يلفت الانتباه في حديث سماقية أثناء “الانتخابات” أنه وجدها فرصة مناسبة لتأكيد ما يحرص على تأكيده دوماً، حتى لو لم تكن هناك مناسبة، إذ قال: “تحية لمصر، وأنا أصلاً مصري قبل ما أكون سوري، وعايش في مصر بقالي 34 سنة”.
لكن، ماذا عن الاستثمارات التي وعد سماقية بنقلها إلى سوريا، أكثر من مرة، خلال السنوات القليلة الفائتة، أثناء وصلات الغَزَل بينه وبين النظام؟
من بين سطور ما نقلته وسائل إعلام مصرية، حول سيرة الرجل، أثناء تناقلها خبر نيل ابنته الجنسية المصرية، كان لافتاً الإشارة إلى أنه ليس لـِسماقية، أية استثمارات في سوريا، وأنه يركز كل استثماراته في مصر.
سماقية نموذج لاحق لنموذج سابق، هو خلدون الموقّع؛ رجل الأعمال السوري الناشط في مصر، والذي قاد تكتل رجال الأعمال الرمادي أو الموالي في مصر، خلال سنوات ما بعد العام 2012. وانغمس بصورة أكبر في حوارات وزيارات إلى سوريا، وروّج له الإعلام الموالي، قبل أن ينقلب الرجل، ويدعو لإنشاء مدينة صناعية سوريّة في مصر، بدلاً من إقناع رجال الأعمال السوريين بإعادة استثماراتهم المهاجرة إلى أرض الوطن، كما كان يُنتظر منه في دمشق. الموقّع، وعبر الإعلام الموالي نفسه، أوضح سبب انقلابه –بصورة غير مباشرة- حينما عبّر في حديث مع موقع “هاشتاغ سوريا” في مطلع العام الجاري عن إحباطه من طريقة تعاطي “صناع القرار” في سوريا، مع متطلبات إقناع رأس المال السوري المهاجر إلى مصر، بالعودة.
باختصار، انتهت وصلة “جس النبض” بين مستثمرين سوريين مهاجرين إلى مصر، ونظام الأسد الذي أمِل بإعادة بعض رؤوس الأموال الفارة بعد العام 2012. فقد تريث هؤلاء، خلال السنوات التي تلت العام 2017، وأخذوا يراقبون المشهد السوري، ليتضح لهم سريعاً مصيرهم المنتظر، إن عادوا بأموالهم إلى الديار. أحكام حجز احتياطي، وابتزاز “قانوني”، للحصول على حصّة من تلك الأموال. فحالهم لن تكون أحسن من أولئك الذين بقوا على الأرض السورية، في أحلك الظروف، وخسروا الملايين وهم يراهنون على أنّ بقاءَهم إلى جانب النظام سيتيح لهم حصد “الغلّة” في نهاية “الحرب” على سوريا، فكان أن تربص النظام بأرباحهم، وحاصصهم فيها، وضغط لإقصاء بعضهم، لصالح آخرين. دروس سرعان ما استوعبها نظراء هؤلاء في الخارج، وأقربهم في مصر. ولا يعني استمرار وصلات “الغزل” بين رجل أعمال من عَينة، باسل سماقية، وبين النظام، أن أحدهما سيقدم على تنازلٍ نوعي لصالح الآخر. فالأول، سيبقى على رهانه الأول، وربما الوحيد في مصر. فيما الثاني، سيبقى مصرّاً على ممارسة عقلية البلطجة، على رؤوس الأموال، الموالية منها قبل الرمادية، ما دامت القوة الصلبة العارية من أية نفوذ ناعم، كافية وحدها لبقائه على كرسي الحكم، أيَّاً كانت الأثمان بالنسبة للاقتصاد السوري المنهار.
إياد الجعفري _ الطريق