قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خلال افتتاح الاجتماع في واشنطن مع نظرائه في التحالف المناهض لتنظيم “داعش” إنه “يجب على أعضاء التحالف إعادة الآلاف من المقاتلين الإرهابيين الأجانب المحتجزين حاليا، ومحاكمتهم على الفظائع التي ارتكبوها” , وجددت الإدارة الأميركية دعوتها كل الدول المعنية إلى استعادة آلاف المعتقلين في سجون تديرها ميليشيات حزب العمال الكردستاني في شمال شرق سورية , لكن الانقسامات ظهرت مرة أخرى بين الولايات المتحدة والأوروبيين , ويأتي اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في التحالف الدولي ضد “داعش” في واشنطن لمناقشة الخطوة المقبلة في مواجهة التنظيم المتشدد الذي قُتل زعيمه أبو بكر البغدادي الشهر الماضي في غارة أمريكية في شمال غرب سورية
ومارست الولايات المتحدة , ضغوطا على الدول المشاركة في التحالف للموافقة على استقبال مواطنيها المرحلين من مقاتلي التنظيم لكن رغم الإجماع على خطورة المشكلة فلا تزال هناك خلافات بشأن الأمر , ويأتي اجتماع واشنطن بعد يوم من استقبال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظيره التركي رجب طيب إردوغان في البيت الأبيض , ووعده بالضغط على الدول الاوربية من اجل استعادة مواطنيها المنتمين لتنظيم “داعش” المعتقلين في تركيا , ويصطدم الطلب الأميركي برفض دول عدّة بينها فرنسا استعادة المتطرّفين من مواطنيها الذين نفدوا هجمات مروعة ضد أهداف مدنية , وأصر وزير الخارجيّة الفرنسي جان إيف لودريان , على “الإبقاء على مقاتلي داعش معتقلين بشكل آمن ومتواصل”. وتريد فرنسا أن يحاكَم عناصر “داعش” الفرنسيون على مقربة من المكان الذي ارتكبوا فيه جرائمهم ، وتحاول التفاوض مع بغداد من أجل أن يتكفل القضاء العراقي بهذا الشأن
وفي بيان سبق اجتماع واشنطن، أفادت وزارة الخارجية الفرنسية أن باريس ترغب بالتأكيد في أن “لا تترك مجالا للشك وأن تتم معاقبتهم على الجرائم التي ارتكبوها في العراق وسورية” , وأقر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ متحدثًا إلى جانب بومبيو بوجود “خلافات” بين أعضاء الحلف بشأن سورية ، حيث قال إن الوضع “لا يزال هشًا وصعبًا” , وقال “لكن في الوقت ذاته ، نحن متفقون على الحاجة للمحافظة على المكاسب التي تم تحقيقها ضد عدونا المشترك تنظيم الدولة الإسلامية” , وتريد الولايات المتحدة عودة المقاتلين المتشددين لدولهم للمثول للمحاكمة أو إعادة التأهيل لكن أوروبا لا تريد أن تحاكم مواطنيها الأعضاء بـ”داعش” على أراضيها بسبب صعوبات جمع الأدلة التي تدينهم وخشيتها من خطر شنهم هجمات على أراضيها
وفي كلمة خلال الاجتماع حث وزير الخارجية الأميركي , الدول الأعضاء في التحالف على تعزيز التمويل للمساعدة في إعادة بناء البنية التحتية في العراق وسورية التي تضررت بشدة بسبب الصراع , وتعهّد بومبيو الخميس مواصلة المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وناقش كبار المسؤولين من أكثر من 30 دولة الحملة ضد المقاتلين المتطرفين، خلال هذا الاجتماع الذي عقِد في واشنطن بناء على اقتراح فرنسا التي تشعر بالقلق حيال قرار ترامب الشهر الماضي سحب قوات بلاده من سورية , ولم يتطرق بومبيو كثيراً إلى قرار ترامب ، لكنه قال إن القوات الأميركية لا تزال متمركزة “لضمان عدم ظهور تنظيم داعش مجدداً” , وأفاد بومبيو لدى افتتاحه المحادثات أنّ “الولايات المتحدة ستواصل قيادة التحالف والعالم في هذا التحرّك الأمني الضروري”.
وفي ردّه على الانتقادات لخطوة ترامب ، ذكر بومبيو بالعمليّة التي نفذتها القوات الأميركيّة في 26 تشرين الأول/ أكتوبر وأسفرت عن مقتل زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي إضافة إلى عملية أخرى قتل فيها الشخص الذي كان سيخلفه , وقال بومبيو “اسألوا هؤلاء إن كان هناك عجز في القيادة الأميركية في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية” , ودعا بومبيو حلفاء بلاده الأوروبيين إلى تقديم مزيد من الالتزامات لتمويل برامج إحلال الاستقرار في سورية وإعادة مواطنيهم الذين انضموا إلى صفوف تنظيم “داعش” وقال بومبيو إنّ “على أعضاء التحالف احتجاز آلاف المقاتلين الإرهابيين الأجانب ومحاسبتهم على الفظاعات التي ارتكبوها” , وقال في إشارة إلى شركاء واشنطن في التحالف “سنخضعهم إلى المساءلة”.
وخسر تنظيم “داعش” معظم الأراضي تقريبا التي سيطر عليها في سورية والعراق لكنه ما زال يشكل تهديدا أمنيا في سورية وخارجها. وما زال نحو عشرة آلاف من أعضاء التنظيم وعشرات الألوف من أفراد أسرهم محتجزين في مخيمات في شمال شرق سورية تحرسها “قوات سورية الديموقراطية” التي تشكل ميليشيات “الكردستاني” عمودها الفقري والمتحالفة مع الولايات المتحدة , لكن مسؤولين أميركيين يشيرون إلى أن عشرات المتطرفين لا يزالون في عداد المفقودين ، في أعقاب قرار ترامب الانسحاب من شمال سورية , وحذر نايثان سيلز المنسق الأمريكي لمكافحة الإرهاب في إفادة صحفية في وزارة الخارجية الأمريكية , الدول من سيولة الوضع في سورية بما يعني احتمال فرار مقاتلي “داعش” الذين تحتجزهم قوات سورية الديمقراطية وقال “إنها سورية. كلنا نعلم أن الأمور هناك قد تتغير في طرفة عين”
وقال سيلز “نعتقد أنّه يجب أن يكون هناك شعور بضرورة إعادتهم إلى اوطانهم الآن ، طالما أنه لا يزال هناك وقت” , وردّ ناثان سيلز بالقول إنه “سيكون من غير المسؤول من جانب دولةٍ أن تنتظر من العراق أن يحلّ هذه المشكلة بدلاً منها” , وأضاف ان “مطالبة دول المنطقة باستقدام مقاتلين أجانب من دولةٍ أخرى، ومحاكمتهم وحبسهم هناك ، ليس خيارًا قابلاً للتطبيق .. يجب ألا يتوقع أحد أن تحل الولايات المتحدة أو أي طرف آخر تلك المشكلة نيابة عنهم… لدينا جميعا مسؤولية مشتركة لضمان عدم تمكن مقاتلي داعش من العودة لميدان المعركة ولمنع داعش من إلهام جيل تال من الإرهابيين أو دفعهم نحو التطرف” , وقال الممثل الأمريكي الخاص لسورية جيم جيفري في مؤتمر صحفي على هامش الاجتماع “يوجد خلاف في الرأي بشأن ما إذا كان ينبغي تسليمهم أم ستبحث تلك الدول أمرا ما وتدرسه بمزيد من التفصيل. لكن جرى الإقرار بأن هذه مشكلة كبرى”
