كثرت التكهنات بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، أن الجهة المقبلة للانسحاب سوف تكون سورية. وكثرت المقارنات بين الحالتين، ولا سيما أن الرئيس السابق، ترامب، كان قد اتخذ قرار الانسحاب من كل من أفغانستان عبر التوقيع على اتفاقية مع حركة طالبان تنص على الانسحاب الأميركي الكامل مع بداية شهر مايو/ أيار الماضي، لكن بايدن عدّل الاتفاق حتى ضمان الانسحاب الكامل حتى نهاية الشهر الماضي (أغسطس/ آب)، وهو ما التزمت به الولايات المتحدة بشكل كامل، أقول التزمت لأن القناعة كانت مشتركة بين الحزبين الرئيسيين، الجمهوري والديمقراطي، بضرورة الانسحاب من أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة. ولكن الوضع في سورية مختلف كليا، حيث لا اتفاقية بين أميركا وبشار الأسد، كما أن القوة الأميركية في سورية ليست تحت تهديد يومي كما كان الوضع في أفغانستان.
لذلك يُستبعد تماما أن تنسحب هذه القوة بشكل كامل من سورية تحت إدارة الرئيس بايدن قريبا، فهو شيء يريد التمايز فيه عن الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي فاجأ وزارة الدفاع حينها، وحتى وزارة الخارجية، عبر الإعلان، في مهرجان خطابي قبل ثلاث سنوات، عن نيته سحب ألفي جندي أميركي، والذين يقدمون الدعم لما تسمى قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، من أجل محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). حينها تعرّضت هذه الخطوة الأميركية إلى انتقاد عنيف من الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، وتراجع حينها ترامب، وغيّر خططه من أجل الإبقاء على القوات هناك، للسيطرة على النفط، ومنع “داعش” من الحصول على عائدات النفط. ولذلك لا يزال حوالي 900 جندي أميركي متمركزين في منطقة واسعة من شمال شرق سورية تقع خارج سيطرة حكومة الأسد.
وقد أكد وزير الخارجية الأميركي، بلينكن، أكثر من مرة على بقاء القوات الأميركية هناك، وربطها بالانتقال السياسي في سورية. وقد زار أكثر من مسؤول أميركي من إدارة بايدن المنطقة، منهم أخيرا الجنرال كينيث ماكنزي، الذي يرأس القيادة المركزية الأميركية، والقائم بأعمال مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جوي هود ، وأكدوا أكثر من مرة أن القوة الأميركية لن تغادر في أي وقت قريب.تدرك الولايات المتحدة أن تنظيم الدولة الإسلامية لا يزال يشكل أيضًا تهديدًا، خصوصا في منطقة ريف حمص والبادية السورية، حيث قام تنظيم داعش بهجمات على قوات النظام السوري.
وفي الوقت نفسه، ما زالت قوات سورية الديمقراطية تشرف على مخيم الهول الذي يحتفظ بأسرى مقاتلي تنظيم الدولة الأجانب وعائلاتهم، فضلا عن احتفاظها بأكثر من 11 ألف مقاتل من مقاتلي التنظيم في السجن الذي تشرف عليه هذه القوات. وتعرف الولايات المتحدة جيدا أنه بانسحاب قواتها ستتبخّر “قسد” كليا، وهذه لا تحتفظ بأي دعم شعبي في سورية.
لا تشكّل سورية أي أولوية بالنسبة لبايدن، ولا يجد حاجة لمزيد من الاستثمار السياسي أو الدبلوماسي فيهالذلك يمكن القول إن المقارنة بين أفغانستان وسورية تبدو مشروعة، إلا أن حجم الاختلافات تقود إلى أن الإدارة الأميركية لن تتخذ قرارا بالانسحاب قريبأ. ولعل أفضل ما يدعم هذا الرأي الفشل الكبير الذي أعقب الانسحاب الأميركي من أفغانستان، حيث سيطرت “طالبان” على السلطة هناك خلال 11 يوما فقط. وبالتالي، لا يستطيع بايدن تحمّل فشل آخر لانسحاب القوات الأميركية من سورية، حيث سينتهي وجود ما يسمى قوات سورية الديمقراطية بمجرّد انسحاب القوات الأميركية.
التحدّي الرئيسي الذي ينتظر الرئيس بايدن هو غياب سورية تماما من استراتيجيته الخارجية. لم يذكر سورية مطلقا في أي من مؤتمراته الصحافية أو خطاباته. ولعل البيان الوحيد الذي صدر من البيت الأبيض بعد صدور قرار مجلس الأمن 2585 الذي ينص على السماح باستمرار المساعدات الإنسانية من معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية، وتمكّنت الولايات المتحدة من منع روسيا من استخدام الفيتو، وصدر القرار بإجماع أعضاء مجلس الأمن.
ولذلك لا تشكل سورية أي أولوية بالنسبة لبايدن، ولا يجد حاجة لمزيد من الاستثمار السياسي أو الدبلوماسي فيها، بل بالعكس ربما ما زال يحمل قناعة أوباما في سنواته الأخيرة أن كثيرا من صداع الرأس يأتي من سورية. ولذلك من الأفضل الابتعاد عن ذلك المستنقع الآسن، كما سماه أوباما مرّة.
رضوان زيادة _ العربي الجديد