للإجابة على هذا السؤال نحتاج كما هائلا من الدراسات والأبحاث العلمية لنتبصّر ولو قليلا بكيفية حماية أنفسنا من تسلط الأخبار المضللة والتي تأتينا يوميا وتقتحم أدمغتنا بألف لبوس ولبوس، وجميعنا عاش هذه التجربة يوما ما استشعر وربما أوصله خبر أو معلومة كاذبة لاتخاذ قرارات خاطئة.
هل تركيبة الدماغ مسؤولة عن عدم قدرتنا على التمييز بين الحقيقة والكذب؟ وهل فعلا مواقع التواصل الاجتماعي هي السبب في تيهنا وتوهاننا ؟ في الحقيقة ذهبت الأبحاث لدراسة كل ما من شأنه معرفة من يقف وراء هذا الزيف الخطير وماهي أهداف الجماعات والأفراد المراد تحقيقها ,ولكن سنتوقف هنا على الأسباب الشخصية والذاتية والفيزيولوجية للمستهدفين الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بكل أنواعها .
الإنتشار الهائل للمعلومات المرتبطة بالثقافة الرقمية أدخل عنصر الحالة النفسية للأفراد التي تعتمد على المعلومات ودور أدمغتنا في تلقيها دون محاكمة …أو إخضاعها للتحليل عند بعضنا أو مقاربتها في أذهاننا أحيانا.
أجرت مجلة علمية صادرة في بريطانيا (ناتيور) على متطوعين خضعوا لتصوير أدمغتهم وتحليل صور الأشعة للمخ وخلصوا الى نتائج منها، أن مخالفة المعتقدات الشخصية لشخص ما تحفز مناطق في المخ مسؤولة عن الهوية الذاتية ,والاستجابة العاطفية للتهديد ,أو استحضار خبرات ومعلومات سابقة من ماضيه وتداعياتها على حاضره ومستقبله ,وخلصوا الى أن الدماغ البشري قاصر عن تحليل ما يردك من معلومات لأن جزء من مهمته إبقاءك على ما خبرته واستقيته من تجارب لتعزيز قناعات سابقة لديك ,يؤكد هذه النظرية البروفيسور “مارك وايتمور” أستاذ بجامعة “كينث” الأميركية حيث يدلل بنظرية(انحياز التصديق ) وتعني ميل الناس لتصديق المعلومات التي تؤكد قناعاتهم المسبقة, وتجاهلهم للمعلومات التي تتعارض مع معتقداتهم ورغباتهم ,وتسبب لهم صراعا وتختبر قناعاتهم وتضعها على المحك.
الأخبار الكاذبة تجرك للحزن
يحتاج الدماغ لتلقي معلومات تنسجم مع قناعات موجودة مسبقا لدى الأفراد , ومخزنة بإحكام لذلك يصدقون مع ما يرونه و يسمعونه(فالشحن العاطفي) القائم على الترهيب والتجارب الماضية .. تحفز الفضول للبحث عما يشغلهم بحماس ,والتي يدرك أصحاب الأجندات السياسية أو الحزبية هذه الحقيقة لذلك يلجؤون لإثارة الذعر من خطر اتباع الجمهور للخصوم ليبقوا المجتمع تحت تأثير أوهام وحماس مصطنع ويعي أصحاب هذه الأجندات هذه المعلومات ويشتغلون على مشاعر الناس وعواطفهم بعيدا عن الموضوعية والصدق ,لذلك يضخون أخبارا ملفقة , فالأخبار الصادقة والصريحة تحرك مكامن الحزن والقلق ويلجأ كثيرون لتجنبها.
القيل والقال قاعدة بشرية
تعلم الإنسان مهارة القراءة منذ خمسة آلاف عام بعكس اللغة الشفهية المتداولة منذ مئات آلاف السنين ,فالقيل والقال والحكايا والمرويات كانت طريقا لتداول الأحداث …فالقيل والقال نحبها جميعا ,لأنها تمنحنا فرصة لمعرفة مايفعله الآخرون وبما يفكرون وماذا يخططون لنبني عليها ما نشتهي أو نتمنى.
لنعترف أن الحقيقة تضيع في خضم الأخبارالملفقة ,وعندما تظهرروايات متعددة ومتناقضة حول حقيقة واحدة كثيرون يختارون الرواية المتفقة مع تصوراتهم بغض النظر عن تطابقها مع الواقع.
قليل من الناس تسأل : هل هذا الخبر أو الفيديو حقيقي أم كاذب ..لتبدأ عمليات البحث عن المعلومة والبحث من مصادر مختلفة وبالطبع هي عملية مرهقة في أكداس من الادعاءات و الادعاءات المضادة .
لكن الغالبية المطلقة تلجأ لوسائل أبسط ومنها الإسترشاد بما يعتقدونه حقيقة من وسائل تواصل عشوائية تغذي مخاوفهم أو لأن قابليتهم للبحث يحكمها الغريزة ورد الفعل العاطفي لأدمغتهم التي تعثرعلى العقل محاكمتها كسلا أو تقاعسا أو استسلاما .
نحن في عصر مابعد الحقيقة ..في زمن الجميع يحاول تخديركم .. فهل أنتم جاهزون لتداعيات الصحوة من البنج ؟
هند بوظو – (تجمع نساء حياة)