التصعيد العسكري يطل برأسه في سوريا وحولها من أكثر من جبهة. في الشمال تحضر تركيا لعملية عسكرية جديدة. وفي الجنوب تشتعل حرب المخدرات على حدود الأردن الذي بدأ يبحث خياراته لضبط الحدود، بما فيها إعادة تفعيل دور فصائل المعارضة للإمساك بالحدود بدل قوات النظام. وبينما تصعد إسرائيل ضرباتها في سوريا حتى وصلت إلى تحييد مطار دمشق وإخراجه من الخدمة، يهدد “محور المقاومة” بالرد. كما يهدد حسن نصر الله إسرائيل بالحرب في حال واصلت مشروعها لاستخراج النفط والغاز من المياه المتنازع عليها في البحر المتوسط.
إذن، سوريا مقبلة على صيف ساخن، ليزيد من سخونة حرارة الجو المقترنة بغياب الكهرباء وتقنين المياه، مع التهاب الأسعار أيضا.
في ظلّ عدم قدرة أو رغبة روسيا في معالجة التهديدات التي تستهدف الحدود الأردنية، فإن الأردن قد يتجه إلى بحث خيارات بديلة لحماية أمنه القومي
الأردن الذي يعلن كل بضعة أيام عن ضبط شحنة مخدرات قادمة من سوريا، بات يضيق ذرعا من “عجز” النظام عن ضبط الحدود، وهو عجز مقصود، لأن تجارة المخدرات باتت سياسة رسمية لبعض أجنحة النظام بالتحالف مع التاجر الرئيسي، حزب الله، وهي تجارة تنخرط فيها العديد من الرؤوس الكبيرة في النظام، وعلى رأسهم مسؤول الأمن العسكري في الجنوب العميد لؤي العلي الذي حرك ميليشياته قبل أيام لتصفية قائد “قوة مكافحة الإرهاب” سامر الحكيم حيث كان لمجموعته دور في إعاقة عمليات تهريب المخدرات، لكون قرية خازمة بريف السويداء التي كانت تتمركز فيها، تقع على طريق التهريب باتجاه الأردن. كما أسهمت المجموعة في إلقاء القبض على بعض تجار المخدرات، وسلمت أحدهم قبل فترة، وهو مقرب من حزب الله، إلى قاعدة التنف الأميركية.
ووفق تقرير أحد المراكز البحثية صدر قبل أيام، فإنه في ظلّ عدم قدرة أو رغبة روسيا في معالجة التهديدات التي تستهدف الحدود الأردنية، فإن الأردن قد يتجه إلى بحث خيارات بديلة لحماية أمنه القومي، مثل طلب الدعم من التحالف الدولي لحماية الحدود الأردنية أو التنسيق الاستخباري وتبادل المعلومات مع إسرائيل، بهدف توجيه ضربات صاروخية وجوية ضد مواقع الميليشيات الإيرانية، واستعادة قنوات الاتصال مع قيادات المعارضة السورية المسلّحة والمقاتلين السابقين في الجبهة الجنوبية، من أجل تنسيق عمليات أمنية تستهدف قادة الميليشيات الإيرانية وزعماء عصابات تهريب المخدرات، التي تحظى بغطاء من قوات النظام السوري. ومن تلك الخيارات أيضا السعي لإقناع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا بإقامة مناطق عازلة على الشريط الحدودي بعمق معين داخل الأراضي السورية، لضمان إبعاد الميليشيات الإيرانية عن المناطق الحدودية، إضافة إلى تعزيز الاتصال والتنسيق مع الفصائل المحلية في السويداء، بهدف العمل المشترك على مواجهة الميليشيات الإيرانية التي تعمل بشكل حثيث على زيادة مساحة انتشارها في المحافظة.
ومع كل هذه الخيارات، يبدو خيار التصعيد حاضرا، لأن أجهزة الأمن التابعة للنظام ومعها الفرقة الرابعة، وحزب الله سيدافعون ولا شك بشراسة عن مصدر رزقهم شبه الوحيد المتبقي والذي يدر ملايين الدولارات شهريا.
أما في الشمال السوري، فإن سيناريوهات العملية العسكرية التركية الوشيكة غير معروفة حتى الآن، فقد تكون (إن تمت) محدودة ضمن تفاهمات مع روسيا وربما مع الولايات المتحدة أيضا وتشمل بشكل أساسي مدينتي تل رفعت ومنبج، برغم وجود ضغط روسي خفي لتشمل عين العرب (كوباني) حيث للمدينة رمزية لدى الولايات المتحدة والغرب بسبب انخراط التحالف الدولية في استعادتها عام 2015. أو تكون موسعة، وهذا يعني المزيد من النازحين الذين يغص بهم أصلا الشمال السوري، بل تغص بهم المناطق المستهدفة بالعملية، فيحدث نزوحٌ على نزوح.
كما أن هذه العملية إن لم تكن “منضبطة” بتفاهمات بين القوى الفاعلة في الشأن السوري، قد تتدحرج معها الأوضاع الميدانية كلها في الشمال السوري، باتجاه فتح الجبهات في إدلب وريف حلب الغربي، حيث من المحتمل أن لدى النظام وفصائل المعارضة خططا متشابهة لاستغلال الفوضى ومهاجمة الطرف الآخر.
الصيف الساخن الذي يلوح في الأفق، مجمل معاركه لا تخص السوريين مباشرة، بل نتاج صراعات وتصفية حسابات إقليمية ودولية، لكن لن يدفع ثمنها سوى السوريين أنفسهم
وتأتي الضربات الإسرائيلية المتصاعدة في الداخل السوري، وخاصة محيط دمشق، لتزيد من تعقيد الوضع، ولا سيما بعد استهداف مطار دمشق الدولي، وإخراجه من الخدمة. وينظر “محور المقاومة” أو محور إيران بالأصح، إلى هذا التطور بعين الخطورة، لأنه يمثل قطعا لأحد أبرز شرايين هذا المحور، ما يرتب عليه إعادة حساباته، إما بمزيد من التكيف مع هذه الضربات، أو البحث عن صيغة للرد تحفظ ماء الوجه، من دون التورط في مواجهة أوسع مع إسرائيل. لكن الأخيرة، حتى لو لم يكن هناك أي رد، تعلن بوضوح أنها ماضية في ضرباتها، بل وتصعيد هذه الضربات، بما يحشر ذلك المحور في زوايا صعبة، خاصة مع التهديدات التي أطلقها أخيرا حسن نصر الله بفتح جبهة جديدة مع إسرائيل في البحر المتوسط على خلفية التنقيب عن النفط والغاز هناك.
الصيف الساخن الذي يلوح في الأفق، مجمل معاركه لا تخص السوريين مباشرة، بل نتاج صراعات وتصفية حسابات إقليمية ودولية، لكن لن يدفع ثمنها سوى السوريين أنفسهم، طالما بقي جاثما على صدورهم نظام سلّم بلادهم للقوى الأجنبية، وهمّه الوحيد يتلخص في الحفاظ على كرسي الحكم، ونهب الثروات وتكديسها في جيوب سدنة هذا النظام.
عدنان علي _ تلفزيون سوريا