اتجهت منظمات وفرق إنسانية عديدة لإغاثة ساكني الخيام، بعد العاصفة الثلجية التي اجتاحت الشمال السوري، من خلال فتح مستودعاتها الإغاثية، أو عبر إطلاق حملات مناشدة لجمع مبالغ مالية تساهم في تأمين احتياجات الأهالي هناك؛ لمواجهة المنخفض الجوي الذي لم يضرب المنطقةَ مثيلٌ له منذ نحو 54 عاماً.
وفي خضم المأساة الإنسانية الأخيرة، لم يتوقف الكثيرون عن التشكيك بعمل تلك المنظمات والفرق الإغاثية، مطالبينها بالشفافية -وهذا حق لهم- في ظل العبث بالعمل الإغاثي والتنموي في سوريا، وغياب المصداقية في كثير من الأحيان، لكن الأمر أصبح فوق الوصف، فمع كل حراك إنساني لإغاثة المنكوبين، تقابله حملة تشكيك وجدل واسعين يتصدران مواقع التواصل الاجتماعي، دون أي أدلة أو إثبات لحالات الفساد التي يتم تناول معظمها.
أليس حرياً بالمرتابين قبل إطلاق أحكامهم وصفارات إنذاراتهم، أن ينتظروا نهاية المنخفض الجوي الذي تأثر خلاله 100 ألف شخص جراء الثلوج الكثيفة، و150 ألف بسبب الأمطار، ثم يقومون بمحاكمة العاملين في المجال الإنساني؟، الذين لم يوفروا جهداً لإنقاذ الناس من هذه الكارثة الطبيعية، حيث رأينا صوراً لفرق الدفاع المدني (الخوذ البيضاء)، يأكلون وجباتهم أثناء عملهم على فتح الطرق، حتى تتمكن المنظمات والفرق الإغاثية من إيصال المساعدات للناس أو إسعاف من يعانون من أمراضٍ مزمنة.
الأمم المتحدة تشير إلى أن احتياجات فصل الشتاء تتطلب 84 مليون دولار، لم يتم استلام سوى 45 مليون منها حتى الآن، بعجز يقدر بـ 39 مليون دولار؛ الأمر الذي يستلزم جهود كل السوريين؛ من كيانات سياسية ومنظمات مدنية وفرق إغاثية، بالإضافة إلى خطة إعلامية مُحكمة لتأمين العجز المالي، في ظل اضمحلال فرص الحل السياسي، الذي من شأنه أن يهيئ عودة النازحين إلى بيوتهم ومدنهم.
وبالفعل، لم تنتظر الجمعيات والفرق الإغاثية أي إشارة من أحد للتحرك والإعلان عن “حملات جمع تبرعات عاجلة” لإغاثة المنكوبين، وكان أهمها لفتاً للأنظار هي حملة “فريق ملهم التطوعي” التي أعلن عنها من داخل مخيمات الشمال السوري، تحت مسمى “حتى آخر خيمة” لنقل العوائل المهجرة من خيمهم إلى وحدات سكنية وإنهاء معاناتهم.
وإلى جانب السوريين، ورغم الظروف الصعبة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، إلا أنه بذل كل ما في وسعه، مما يدلّ على تفاعل الشعوب العربية، وهو ما أثبتته أيضاً حملة اليوتيوبر الكويتي “أبو فلة”.
وحتى لا يفوتني، فقد بادر الشيف التركي “بوراك” بعبور الحدود السورية نحو مخيماتها لتقديم الوجبات الغذائية للعوائل المتضررة وألعاب للأطفال، لتخفيف المعاناة والمحنة الناجمة عن المنخفض الجوي الذي وصل لدرجة ناقص 7 تحت الصفر.
ما سبق لا يعني الترويج للأعمال الخيرية أو غيرها؛ لأنَّ الواجب الإنساني والطبيعي يقتضي ويفرض أن يمدَّ كلٌّ منَّا يد العون للمنكوبين. وبالمقابل؛ من المفترض أن يكون المتطوعون والمبادرون الذين يجمعون الأموال لتسليمها إلى سكان المخيمات أكثر شفافية، حيث يصعُب إقناع الرأي العام بالنتائج مهما عظُمت، سوى بالأرقام الموثقة وألية صرفها، وإذا ما أعطيت لمستحقيها، بعيداً عن المعارف والوساطات التي كانت أحد أسباب الثورة السورية على نظام المحسوبيات والفساد البعثي.
اليوم، السوريون بحاجة للتعاضد والتكافل الاجتماعي أكثر من أي وقت مضى، حيث أصبحت قضيتهم على رفوف المنظمات والهيئات الدولية، وبالتالي قد تطول معاناتهم في ظل الأجواء السياسية المتعارضة في الإقليم والتغيُّر الذي يصيب النظام العالمي، ومن هنا لا بد من ابتكار أدوات جديدة، تكون بمثابة حافز لهم لمجابهة العوامل الطبيعية والتناقضات الدولية، حيث بات الملف الإنساني عرضة للابتزاز من قبل الحكومة الروسية، باستخدامها حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضدَّ تدفق المساعدات عبر الحدود إلى الشمال السوري، أو من خلال مقايضة “خطوة بخطوة” مع الأمريكيين.
درويش خليفة _ الطريق