syria press_ أنباء سوريا
نعيش اليوم بدون قصد تضخم لحالة من الشائعات والخرافات اليومية، التي تملأ جدران حساباتنا على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يعتمدها الكثير كمرجع ويصدقها، دون بحث أو تحقق، خصوصاً إذا ما كان له الأمر، على علاقة بمعتقداتنا الدينية أو توجهاتنا السياسية، أو ورد فيها مصطلحات كدراسة بريطانية أو أمريكية أو مركز أبحاث ما، أو بضع كلمات أجنبية، وكانت تتوافق مع ما نعتقده.
وربما كانت موجة فيروس كورونا ملعباً واسعاً لهكذا ظاهرة، وانتشار الكثير من الأخبار والتفصيلات والشطحات، ضمن قالب طبي أو ديني، وتجاوزته أيضاً لإسقاطات نظرية المؤامرة، وما تعدت في حقيقتها الخرافات.
مفهوم الانحياز التأكيدي
يعود السبب الرئيس لتناقل هكذا شائعات وشطحات وخصوصاً المرتبطة بالدين إلى مفهوم الانحياز التأكيدي، وهو ما يُعرّف بالميل للبحث عن معلومات وتفسيرها وتذكرها بطريقة تتوافق مع معتقداتنا واقتراحاتنا، بينما لا نولي انتباهاً مماثلاً للمعلومات المناقضة لها.
فإذا ما سمعنا خبراً عن شخص عزيز أو أمر مهم لنا، نقول عنه شائعة وإذا ما كان هذا الأمر نفسه بحق شخص نكرهه نميل فوراً لتصديقه.
فنحن نصدق ما يقال إذا كان يتوافق مع معتقداتنا، ويطابق هوى أنفسنا، ولعل الدافع الرئيس لذلك هو عدم الظهور بمظهر المخطئ في هذه القناعات، فليس منا من يحب أن يعترف بأن ما يعتقده ويؤمن به كان خطأً.
وهو ما يظهر بشدة في الموضوعات التي نختار أن نقرأها عبر الأنترنت أو العناوين التي نتجاوزها، أو كثير من المنشورات التي لا نستطيع أن نكمل قراءتها، والسبب الدفين في ذلك الانحياز التأكيدي، وعدم تقبلنا إلا لما يوافق هوانا ومعتقداتنا.
والأمر سابق لعصر الانترنت منذ أن كنا نتابع جريدة معينة وإذاعة معينة، أو قناة تلفزيونية معينة واتهام غيرها بالانحياز أو نظرية المؤامرة.
تصديق ما لا يُصدق
تصاعدت هذه الحالة مع انتشار الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وكذلك الاصطفاف السياسي والثورات في المنطقة، حتى وصلت لدرجة تصديق ما لا يُصدق والاقتناع به والدفاع عنه، بطريقة تُصدّع الأعصاب والمنطق.
نحن اليوم بتنا نتداول ونقرأ الكثير من المنشورات التي أشبه ما تكون بخرافات الجدّات وحكايات الجنيات، ويميل الكثير لتصديقها واعتمادها كدليل وبرهان تحت تأثير الانحياز التأكيدي، وتأكيد وجهات نظره ومعتقداته، وأكثرها تقع داخل الإطار السياسي أو الاجتماعي والديني والتي يجب أن أنشرها أيضاً لأنال رضا الله.
تعزيز الانغلاق
حتى خوارزميات الأنترنت اعتمدت نظام الانحياز التأكيدي، في سياستها من خلال طرحها فقط لما يوافق هوى المستخدم ومعتقداته، فهي لا تقدم لنا في اقتراحاتها أو نتائج بحثها ما يعارض هوانا، فإذا ما كتب مثلاً ثلاث أشخاص مختلفو التوجهات نفس كلمة البحث عبر الانترنت، وجدنا نتائج مختلفة ظهرت لكل شخص منهم تبعاً لاهتمامات وتوجهات الشخص وآرائه.
فيبقى الشخص منعزلاً تماماً عن كل ما يخالف رأيه، أو ما يمكن أن يبدل هذا الرأي، أو يصحح له معلوماته، فعزز لديه الانحياز التأكيدي، وصارت حتى الشائعة مقدسة إذا ما وافقت هواه ومعتقده.
خالد المحمد _ الأيام السورية