سيريا برس _ أنباء سوريا
لا بد بعد خمس عقود من حكم الأسد في سوريا من إعادة تعريف مفاهيم قد يجدها البعض بديهة ولا تُعرّف في حين أنها، في دولة الكذب، باتت قشوراً مذهّبة فارغة تملأها مخلفات رديئة وقميئة تراكم عليها عفن السلطة الشمولية وأصبحت بمجملها أدوات تلاعب تملاًها دماء وجثامين وخراب لا يُقاس ولا يقدر.
لا بد من نزع قناع السلطة والتلاعب عن كل مفهوم بما فيها مفهوم المتحف مهما بدا ذلك أمراً مُستغرباً، فالمتحف بالاختصار، هو ما يحفظ ذاكرة جماعية، ثقافة مشتركة، تفاعل انساني مرتبط بالمكان والافراد، هو مكان يستحضر الماضي ويُفسر من خلال شواهد مادية أو معنوية، للإضاءة على سردية مجموعة إنسانية في بيئتها. هذا التعريف الذي يفسر لنا قيمة وجود متاحف لأفراد تركوا أثراً في تاريخ مجتمعاتهم وتاريخ الإنسانية، فالعالم مليء بمتاحف لكُتاب أو فنانين أو سياسيين أو قادة عسكريين أو علماء أو غيرهم ممن تركوا أثراً يستحق الحفظ في الذاكرة الجماعية، المحلية كانت أو العالمية.
نعود بعد هذا التعريف لحدث افتتاح ما سُمي زوراً ب (متحف) لاحد أفراد عائلة الأسد، العائلة التي استلبت وهيمنت على الحكم في سوريا منذ نصف قرن مضى، فبعد خمسة وعشرين عاماً من موته بحادث سير، وبعد سيل من الألقاب التي أُسبغت عليه حياً وميتاً يُفرض باسل الأسد فرضاً على السوريين من جديد عبر مُنشأة تتمحور حول تمثاله في بهو كبير وتحيط به أشياء تخص هذا الفرد، أشياء التي لا تحمل، من وجهة نظر علمية اجتماعية أو تاريخية أو إنسانية، أي قيمة أو أهمية، فما أهمية فرد من عائلة حكم قمعي استلب مواقع رياضية وعسكرية في الدولة بسياسة التشبيح والبلطجة، فالفروسية وهي رياضة ترتبط بالأساس بثقافة شعبية في مناطق تربية الخيول واستخداماتها في الحياة اليومية، وترتبط بالعالم برياضة شعبية رسمية، في حين ارتبطت في دولة الأسد بقائمة المقربين من السلطة وبنوادي مُغلقة نتائجها مُبرمجة لصالح باسل الأسد ليحصد كافة الألقاب والمواقع ويحصد معها حرية من يمكن أن ينافسه، ليصبح جزءاً من الديكور المُزيف لدولة الكذب، فارس، قائد وطيار ومظلي وبطل رياضي وغير ذلك مما يجسد حالة تأليه الاصنام بلا منازع.
هذه الحالة التي استمرت بعد موته بعقدين ونصف من الزمن وستستمر طالما دولة الأسد قائمة وطالما قطيع من التابعين باقِ، توضح الهدف المقصود من هذه المنشأة كمنشأة وثنية سياسية بفرضها على الذاكرة الجمعية لأهالي المنطقة كجزء من تاريخ يصلح للتفاخر والاعتزاز، في حين أن مسار العقود السابقة وواقع الحال يدعو كل انسان عاقل ومواطن سوري مخلص للتبرؤ من هذا الاجرام الممنهج، الهدف المقصود من هذه المنشأة محاولة بائسة للنظام لفرض انتصار معنوي يطأ بحذاء الفروسية على حالة تهجير نصف الشعب السوري وتموضع نصفه الآخر تحت خط الفقر والجوع والاذلال.
ففي حين يدعي في خطابه للسوريين أن عقوبات قيصر، والتي يخضع لها بسبب انتهاكات إنسانية ارتكبها تجاه الشعب السوري، هي من تتسبب بتراجع الاقتصاد السوري، ثم يغير أقواله متهماً السوريين ممن حولوا أموالهم للبنان بالتسبب بهذه الأزمة الخانقة اقتصادياً، يتبين للشعب السوري يومياً أن لا وجود للأزمة الاقتصادية التي خلقها الاسد الا فيما يتعلق بخبزهم ووقود تدفئتهم وتنقلهم أما بناء قصور ومعابد وثنية لعائلة الأسد فمستمر ولا يتأثر مطلقاً بالتدهور الاقتصادي.
ثلاث عبر نستمدها من افتتاح منشأة باسل الأسد، الأولى بكونه حدث يرتبط بالوثنية السياسية، وليس للثقافة هنا مكان أو أثر، فالنظام أسس لمعبد سلطة جديد يرسخ عبره تزييف التاريخ ومحاولة الهيمنة على المستقبل، الثانية هي أن فقر الناس مرده حكم الأسد الفاسد والناهب لموارد سوريا والمتعمد لإفقار شعبها واذلاله، أما العبرة الثالثة فهي أن الحرية والكرامة هي مسار المجموع وان اختار بعضهم البقاء تحت نير العبودية والتضليل فسيبقون مهما حاولنا النهوض بهم.
وأخيراً تستحق هذه المنشأة سيناريو بديل هي أيضاً حين يمتلك السوريون قرارهم، في أن تتحول لمبنى لرعاية الأيتام، أبناء شهداء سوريا ممن قُتلت عائلاتهم دفاعاً عن كرسي الأسد مع من قتلت عائلاتهم لمناهضة ظلم الأسد، أيتام يتعلمون الفروسية ويكبرون على قيم الإنسانية ويكتبون على جدران هذه المُنشأة أسماء مليون شهيد ومئات ألوف المختفين والغائبين، ليكبروا ويقودوا بلاداً كانت يوماً منارة تحضر لن يطفأ نورها لا تزوير ولا همجية.
الكاتبة : د. سميرة مبيض _ نواة سوريا