لم ترسل موسكو مبعوث فلاديمير بوتين إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف إلى الرياض، لو أنها لم تلمس تجاوباً هادفاً من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال زيارته الأخيرة لموسكو، يراعي هواجس السعودية إزاء تمدد الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الحليفة، لكن الأهم بالنسبة لموسكو هو عودة النظام السوري إلى الحاضنة العربية، وبأي وسيلة، حتى وإن اضطرت لتقديم تنازلات في مواضع محددة.
بيان الخارجية السعودية، قال إن الزيارة تتعلق بالشأن السوري بشكل خاص، وهو ما يمكن تأكيده بعد وصول لافرنتييف دمشق ولقائه رئيسَ النظام وعدداً من قياداته.
ما يمكن قراءته من تنقل المبعوث الروسي بين الرياض ودمشق، هو اعتماد استراتيجية جديدة للتعاطي مع الملف السوري، وتقوم الخطة الجديدة ــ التي كثيراً ما تكرَّر عنوانها في مناسبات عديدة، وكان آخرها على لسان المبعوث الأممي لسوريا غير بيدرسون، وكذلك بعد التطرق لها في المؤتمر الصحفي الذي أعقب القمة التي جمعت الرئيسين الروسي والأمريكي منتصف العام الماضي في جنيف ــ على أن يقدّم كلُّ طرفٍ خطوةً باتجاه الطرف الآخر.
إلّا أنّ موقف السعودية واضح تجاه النظام في دمشق، وقد عبّر عنه مندوبُها لدى الأمم المتحدة في الجلسة المخصصة لمناقشة حقوق الإنسان في بعض دول العالم ومن بينها سوريا، بقوله: ” لا تصدقوهم، فالحرب لم تنتهِ بالنسبة لـِ 2000 شهيد أضيفوا هذا العام لقائمة الشهداء، الذين يفوق عددهم أكثر من 350 ألف شهيد، لا تصدقوهم إن وقف زعيمهم فوق هرم من جماجم الأبرياء مدعياً النصر العظيم، فكيف يمكن لنصر أن يُعلن بين أشلاء الأبرياء وأنقاض المساكن، وأي نصر هذا الذي يكون لقائدٍ على رفاة شعبه ومواطنيه”.
وهو ما يجعل مهمة المبعوث الروسي والخبير المرافق له، في إقناع المملكة السعودية، غاية في الصعوبة، سوى في حالة واحدة؛ وهي رحيل رأس النظام عن السلطة وتطبيق كامل للقرار الدولي 2254 ومرجعيته جنيف.
الموقف السعودي تجاه النظام السوري، أكده أيضاً وزير خارجيتها الأمير “فيصل بن فرحان”، في حديثه بنهاية شهر تشرين الأول الماضي لقناة “CNBC” الأمريكية، عندما قال “لا وجود لنية للتعامل مع بشار الأسد، وإنَّ هناك حاجة لعملية سياسية في سوريا، وأضاف: “يجب أن نفهم أيضاً أنَّ الوضع الحالي (بقاء الأسد في السلطة) ليس مستداماً، لذلك أعتقد أنَّ بعض الدول تبنت نهجاً مختلفاً على أمل المضي بالعملية السياسية”.
فبعد كل هذه الصلابة بالموقف السعودي، هل يستطيع مبعوث بوتين إقناع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بالتخلي عن فكرة رحيل رأس النظام؟، والسعوديون على بيّنة ويقين من أنَّ بقاء الأسد في الحكم يعني ترسيخ لمواظبة إيران الخصم التقليدي للمملكة السعودية، في تخطيها حدود الدول العربية.
وبدوره أكد لافرنتييف من دمشق بعد لقائه الأسد أنَّ بلاده “تولي أهميةً خاصةً لتطوير العلاقة مع سوريا بشكل مستمر وتعزيز التعاون بين المؤسسات من كلا الطرفين، ودعم الشعب السوري في كل ما يساعده على تجاوز آثار الحرب”.
تُظهِر زيارة لافرنتييف أنَّ بوتين واثق من خياراته وقدراته على التواصل مع الجميع، وأن يكون صديقاً لكل المتخاصمين في الإقليم، من إيران إلى السعودية ومصر وإسرائيل وتركيا.
عملياً، في الشرق الأوسط، لن تكون دروب روسيا معبَّدة كما يظن قادتها، فالمشكلات هناك فاقت انفراد الروس بالحلول، خاصة بعد قتلها مئات الآلاف من السوريين، ومشاركتها مع النظام والإيرانيين في تهجير نصف الشعب السوري من ديارهم ومدنهم.
من جانب آخر، علينا ألا نُغفل أنَّ القيادة الروسية مهتمة بما يسمَّى بـ “مؤتمر الدوحة” الذي سيعقد في الشهر المقبل بمشاركة مراكز بحثية وشخصيات معارضة سورية، بهدف إعادة النظر في مسار المعارضة على مدى السنوات الماضية، وما يمكن تحقيقه في القادمات من الأيام، في ظل تراجع الاهتمام الدولي بالقضية السورية، وفشل اللجنة الدستورية بالخروج بمنتج جديد، يكون بادئ ذي بدء في العملية السياسية وفق القرارات المنصوص عليها في مجلس الأمن الدولي وفي مقدمتها القرار رقم 2254.
أخيراً، من باب أولى أن تبني موسكو موقفها من لقاء المعارضة السورية في الدوحة، انطلاقاً من فهم أوسع للموقف السعودي؛ ولأنَّ الرياض أضحت عاصمة القرار العربي وليس الخليجي فحسب.
درويش خليفة _ الطريق