من المرجح أن طريف الأخرس، رجل الأعمال المُقرّب سابقاً من رأس النظام وزوجته، سيؤدي الإتاوة المطلوبة منه، وستنتهي الملاحقات القانونية المرتقبة ضده، خلال بضعة أشهر، كما حدث في العام 2019.
لكن هذه المرة، سيترافق خروج امبراطورية الأخرس التجارية في سوريا، من أزمتها الجديدة، مع تحول نوعي، سيفقد معه الأخرس حصته في سوق السكر في سوريا. وقد يفقد حصصه في قطاعات تجارية أخرى أيضاً، وذلك لصالح “حوتٍ جديد”، في زمنٍ سوريّ جديد، أصبح معه “حوت السكر” السابق، من مخلفات الماضي، كما أصبح “رامي مخلوف”، تماماً. فالرجل صعد مع صعود مخلوف، وزواج قريبته، أسماء، من بشار الأسد، وتحوّل خلال العقد الأول من القرن الحالي، إلى أحد أقوى حيتان الأعمال بسوريا، بحيث بات معظم السوريين على قناعة بأن الرجل، عمّ مباشر لـ “سيدتهم الأولى”، التي هي بدورها، لم تبذل أي جهد لنفي هذه الشائعة.
فابن العم، كالعم، ما دامت المصالح متطابقة. وكما مخلوف، وإن بمرتبة أدنى، عقد الأخرس تحالفات داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية لنظام الأسد، وداخل مؤسسات الدولة الزاخرة بالفساد، بصورة أتاحت له انتهاز فرص ما كانت لتتاح لسواه، حينها، فحولته من رجل أعمال متواضع في حمص، قبل العام 2000، إلى “حوت سكر”، و”بارون” لتجارة المواد الغذائية على مستوى سوريا، وصولاً إلى العراق، قبل العام 2011.لكن معادلات المصالح التي ربطت رموز قطاع الأعمال السوري، برجال السلطة، تغيرت بصورة نوعية، في السنوات الثماني الماضية. وبرز إلى السطح أمراء حرب وأثرياء، وجد فيهم رأس النظام، وقرينته، فرصة لإعادة هيكلة عالم الأعمال السوري، بصورة تسمح للأسد، باستعادة نفوذه المتهالك.
لذلك جاء تسريب كتابَي وزارة التجارة الداخلية، اللذين يتهمان شركة “عبر الشرق”، المملوكة لـ طريف الأخرس، بسرقة واختلاس كميات كبيرة من السكر والرز كانت مخصصة لصالح “السورية للتجارة”، بعد أيامٍ فقط من إعلان الوزارة ذاتها، أن شركة “مينا للسكر”، المملوكة لـ سامر فوز، ستتولى تزويد “السورية للتجارة” بـ 1000 طن يومياً، من السكر. أي بـ 30 ألف طن شهرياً. فالتسريب، كان إشعاراً لـ طريف الأخرس، من جانب رأس هرم النظام وقرينته، وعبر قنوات رسمية –وزارة التجارة الداخلية-، بأنه أُزيح من سوق السكر لصالح سامر فوز، الذي لا يمكن فهم صعوده “الصاروخي”، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، في عالم الأعمال السوري، إلا بوصفه تعبيراً عن مصالح الأسد.
مصالح تبدلت مع تبدل اللاعبين الفاعلين في الميدان السوري، بين عامي 2012 و2016، وتحديداً، داخل أجهزة القسر الرسمية للنظام –الجيش والمخابرات-، والتي تبدلت داخلها الكثير من موازين القوى، وصعدت أسماء جديدة، لمعت مع الحرب، وأثرت جراء اقتصادها، المستند إلى ثلاثية التعفيش والمعابر والتهريب.
تلك الثلاثية التي كانت تتطلب شركاء يديرون الجانب التجاري من ذلك الاقتصاد، فظهرت أسماء، مثل حسام قاطرجي، و”أبو علي خضور”، وأيضاً، سامر فوز. وقبِل الأسد بالمعادلات الجديدة وتفاعل معها، ما دامت تنتهي عنده، وتتكيف مع مصالحه. وهكذا، فقَد رامي مخلوف الكثير من نفوذه، قبل أن يفقد حظوته لدى الأسد. وما ينطبق على حوت الاقتصاد السوري برمته، رامي مخلوف، ينطبق على طريف الأخرس، الذي كان حوتاً من حجم أصغر.
ولم تشفع القرابة من أسماء، لطريف الأخرس، كما لم تشفع القرابة من بشار، لـرامي مخلوف. فالأسد الذي فتح الدفاتر القديمة، ووجد مبرراً للنيل من ابن خاله، بذريعة وجود مليارات الدولارات المُهربة لصالحه، خارج البلاد، في وقتٍ لا يجد ما يسد به، رمق الروس، كما أُشيع قبل سنتين، لن يصعب عليه إيجاد الأدلة على التاريخ الطويل من التهرب الضريبي الذي تميزت به نشاطات طريف الأخرس التجارية والاستثمارية.
وفي ذلك يذكر مركز جسور للدراسات، في ورقة تقدير موقف نشرها بعيد إزالة اسم الأخرس من قائمة العقوبات البريطانية، قبل أسبوعين، أن شركات الأخرس خاسرة أو رابحة بصورة طفيفة، وفق السجلات المقدمة للجهات الحكومية الرسمية. فـ “حوت السكر” السابق في سوريا، لم يكن مستعداً يوماً لدفع المستحقات المتوجبة عليه للدولة السورية. وهو تعوّد قبل الـ 2011، على أن يحظى بغطاء يسمح له، بالإمعان في هذه السياسة.
وبخلاف رامي مخلوف، الذي أثار الكثير من الضجيج بعيد قرار إزاحته من قطاع الأعمال السوري، من غير المتوقع أن يثير طريف الأخرس أي ضجيج. فالرجل الذي تعوّد العمل بهدوء، بعيداً عن الأضواء، قدر المستطاع، لعقدين تقريباً، سينسحب بهدوء أيضاً، من عالم الأعمال السوري، لصالح “الحوت البديل”، سامر فوز.
وستنتهي، على الأغلب، أسطورة “حوت السكر”، طريف الأخرس، التي لطالما تهامس السوريون بخصوصها، في جلساتهم العائلية، قبل الـ 2011، كلما كانوا يعانون من ضائقة في توفير هذه السلعة الأساسية، أو كلما ارتفعت أسعارها في السوق. وفيما يصعد “حوت السكر” الجديد، قد يترحم الكثيرون من السوريين على أيام سلفه.
فـ المافيا التي كانت تحكم الاقتصاد السوري قبل الـ 2011، بشيء من الحذر، حينها، استُبدلت بأخرى، وحشية، لا تخشى غضبة السوريين، بعد أن جرّعهم الأسد مرارة معارضته، بدعمٍ من موازين قوى إقليمية ودولية، لا ترحم. وفيما تحوّل وزير التجارة الداخلية، عمرو سالم، إلى “نمرٍ” حينما أشهر سيف إمضائه على كتابَي النيل من طريف الأخرس، قبل أيام، فإن أحداً لن يُفاجأ إن تحوّل الرجل إلى “قطٍ”، حينما تقفز أسعار السكر في السوق، بعد أسابيع أو ربما أشهر.
فحينها، سيكون عمرو سالم، أمام حوتٍ يحظى بغطائه في القصر. ولن يكون أمام الوزير حينها، إلا التذرع، بـ “الحصار” و”العقوبات الظالمة”، للتغطية على حقيقة أن “حوت السكر” الجديد، يمارس نهب السوريين، في احتكارٍ ممنوحٍ له، من الأسد.
إياد الجعفري _ المدن