سيريا برس _ أنباء سوريا
في كل حدث سياسي عالمي ننبري نحن السوريين للإدلاء بآرائنا، وتسجيل موقفنا من كل حدثٍ، حدثَ حول الكوكب. ولا نكتفي بالطبع بإبداء الرأي، بل نصطف بين مؤيد للحدث ومعارض له، ونغرق بالتحليل والمواجهات لإثبات وجهة نظرنا بمعارك فيسبوكية… واتسابية تويترية… ولينكد إينية … تنتهي غالباً بإلغاء صداقة، أو بلوك أو قطيعة نهائية بيننا ليس فقط إلكترونية بل على أرض الواقع أيضاً، وهذا ما يحدث اليوم في معركة الانتخابات الأمريكية.
يظن السوريون أن آراءهم هي الفصل في كل شيء حول العالم، وأن سياسات الدول الكبرى يجب أن تكون مفصلة على مقاس المصالح السورية، ناسين أن السياسيين هم من تقع عليهم المسؤولية بتغيير مسار الدول تجاه العلاقات الخارجية ودعم القضايا التي يراها سياسيو أي دولة بأنها تخدم مصالح دولهم ومواطنيهم.
هذه المسؤولية بالذات ما فقدناها فيمن تولى الواجهة السياسية للثورة السورية، والذين لم ينجحوا حتى اليوم وخلال عشر سنوات مضت من توجيه دفتهم السياسية بما يخدم ثورتهم ومصالحها، إن كان آنياً أو على المدى البعيد، ولن آتي بجديد إن قلت إن جميع من ظهر في واجهة العمل السياسي في المعارضة الرسمية السورية لم يرسم ولم يحاول رسم أي سياسة استراتيجية ترقى لمستوى خريطة عمل أو نهج سياسي لكسب تأييد الدول والجهات الدولية في خدمة الثورة، وبالتالي الوصول إلى انتقال سياسي حقيقي إكراماً لما بذله السوريون من تضحيات ودماء، وإنما كانوا دائماً منفذين لأجندة الدول المشغلة لهم، والغارقة حتى الثمالة في خدمة مصالحها الشخصية في استخدام الثورة السورية، والمعارضة والمهاجرين والنازحين واللاجئين كأوراق ضغط في يدها لا أكثر.
عادة ينحصر عمل رجال السياسة في الثورات، بالنضال من أجل استمالة سياسيي الدول الفاعلة، في صف قضيتهم التي يناضلون من أجلها، في حين كانت مهمة تنفيذ ما يرسمه لهم أجهزة المخابرات العالمية، ما سمي بأصدقاء سوريا وانحصر دورهم بأن يكونوا واجهة لا أكثر… وفي ذات الوقت انشغل جلهم باستغلال ما وصلوا إليه وما وصل إلى أيديهم، باستنساخ يكاد يكون طبق الأصل لحال مسؤولي النظام بالعمل من أجل مصالحهم الشخصية، والعيش في حالة من البذخ المتناقض مع ما يعيشه السوريون تحت وطأة الحرب واللجوء والنزوح، وأعتقد شبه جازمة أننا لو حظينا بقيادة سياسية معارضة تشبه ولو قليلاً روح الثورة السورية، التي انطلقت من أجل الحرية والكرامة والعدل والمساواة، لما استمرينا على هذه الحال عشر سنوات حتى الآن.
وبالعودة إلى حرب السوريين اليوم في تبنيهم لمواقف وآراء متعصبة أحياناً تجاه سياسات الدول الكبرى، نجدهم غارقين في المواقف والتمترس خلفها وكأنهم أسلاف هذه الدول وحصلوا على الجنسية السورية بمحض الصدفة. وما يصل إليه البعض بالتعصب لترامب أو بايدن أو ماكرون أو ترودو أو أردوغان أو أي سياسي عالمي إنما أراه لا يعبر إلا عن حالة الفراغ السياسي التي يعيشها السوري في وضع لم يستطع فيه التأثير على مجريات السياسة في بلاده، لا في طرف النظام ولا المعارضة، فيجنح إلى التطرف بمتابعة الانتخابات الرئاسية الأمريكية على سبيل المثال، وكأن أمريكا ستغير مجرى الأحداث في سوريا، أو أن هذا إحدى مهامها..متناسين أن حراكنا السياسي ومواقفنا المتوترة والمتشنجة أحياناً والفاعلة -كما يجب أن تكون – من الأجدى أن تتجه نحو الساسة السوريين الذين يروجون أنفسهم كمناضلين في قضيتنا السورية، في حين هم في برج عاجي بعيدين كل البعد عن شعبهم الذي يدّعون تمثيله، بعيدين كل البعد عن العمل السياسي الحقيقي الذي من شأنه تغيير المعادلة وقلب الطاولة السياسية على النظام، لخدمة ثورة كانت الأجمل والأنقى والأعدل في العصر الحديث، لكننا ومع الأسف نجعل أنفسنا قيمين على الآخرين ونحن ندرك تماماً أن لا وزن لنا ولا تأثير على الخارطة السياسية السورية التي استنسخت ديمقراطية النظام في تمثيل ديمقراطية المعارضة، فبات تبديل الطرابيش سمة العمل السياسي السوري في المعارضة الرسمية، والزعيم الأوحد ميزة الأحزاب التقليدية والحديثة على حد سواء. متى ندرك نحن السوريين أن بلادنا أحق بجهودنا وبأصواتنا وعملنا؟
الكاتبة : مزن مرشد _ زمان الوصل