لـ “دريد بن الصمة” شعر شهير يقول فيه:
و ما أنا إلا من (غزية) إن غزت غزوت وإن ترشد غزية أرشدِ.
هل سأل أحدنا نفسه، إن كان يشبه (دريداً) في هذه الحرب السورية الظالمة؟ أي إن كان يدافع عن طائفته، وعشيرته مهما كان سلوكها، غازية وراشدة؟
في علم النفس، من المهم الانتباه لعنصر (الارتكاس)، و(الارتكاس) هو ذاك العامل الناشئ في داخل الإنسان، نتيجة الشعور بالخطر، الأمر الذي يجعله يغير سلم الأولويات، ويقدم أشياء مؤخراً أخرى. وظاهرة (الارتكاس) تعبير طبي أيضاً وليس يقتصر على علم النفس والاجتماع.
يحكى أن أميراً صالحاً حكيماً وصلته تقارير عماله في المدينة، بأن الفتنة وشيكة الوقوع فيها، فـأسعفه عقله، أن يجمع الناس ويخطب فيهم قائلاً: أيها الناس استعدوا للدفاع عن مدينتكم، عن أطفالكم ونسائكم وشيابكم، فثمة وحش كاسر قادم إلينا، وما علينا إلا حفر خندق كبير، يحيط بكل المدينة.
وبالفعل قام الناس متعاونين بالحفر أياماً متتالية، وما ظهر الوحش (الوهم) أبداً، وعندما سئل الأمير: أين هذا الوحش المزعوم؟ أجاب على الفور: إنه فيكم ! الوحش فيكم. لقد كنت متأكداً أنكم ستقتتلون بين بعضكم البعض خلال أيام، وعندما أشعرتكم بالخطر المشترك، نسيتم فتنتكم.
إذن لقد خلق هذا الأمير الحكيم (ارتكاساً) واعياً، مفيداً يوحد الناس. فما بالكم بمن يخلق العكس؟! نعم يخلق العكس.
ففي الجنوب السوري، يعاني هذا القسم الجريح من البلاد مثل سورية كلها في هذه الأيام من شياطين تريد الإبقاء على نار الفتنة، بين درعا والسويداء، وتريد جعل الكل ينشد مع دريد بن الصمة انتماءه لغزية، فإن تغزو غزا وإن ترشد رشد! ..وذلك عبر نقل العقل الوطني المحلي في كلا المدينتين العزيزتين ومحيطهما، من قاعدة التفكير الوطني الواحد، إلى قاعدة الصراع المذهبي المقيت، خصوصاً وأن الفاعلين يعرفون، أن تنسيقاً وطنياً محترماً، يجري بين السوريين الوطنيين في المحافظتين، على قاعدة النضال، من أجل وطن حر، ديموقراطي، تداولي لجميع أبنائه، حيث يدرك وطنيو الجنوب الكرام أن وحدة الشعب السوري، هي القاعدة الذهبية، وهي منال الحكماء، والكرماء، والعقلاء، وتقسيم الشعب السوري هو منال الشياطين !
فلا يظنن أحد أن الحوادث الأمنية التي جرت وتجري في الجنوب، تجري بدون تخطيط، وتتم كردود أفعال عادية. إن المرسوم للجنوب السوري، قد يحمل في طياته مخاطر جمة، تتمثل في التقسيم والاحتلال، عبر جعل الناس تطلب الأمن، وأدنى متطلبات الاستمرار بأي ثمن، أي عبر خلق (ارتكاس) مريض. حيث نبع المعضلات كلها في دمشق، حيث لا تأبه السلطة لما يحاك ولا لما حدث ويحدث، لابل ولا نراها إلا شريكة فيه، من أجل البقاء بأي ثمن، حتى لو قسمت البلاد، واحتلت وماتت العباد وظلمت.
تتبدى الصورة السورية الآن في نظرة شاملة، في (مركز) لا يقدم على أية حركة باتجاه تغيير نمط الحكم الاستبدادي. الأمر الذي أدى لخسارة البلاد (للأطراف) تدريجياً، وسنكون أمام (أمر واقع)، فيه مجموعة (إدارات) سورية، في أطراف مختلفة، شمال شرق، شمال غرب، وجنوباً! ومن غير المؤكد، هل سنكون في الجنوب أمام إدارة واحدة، أم عدة إدارات ذاتية مستقلة عن السلطة، التي تكفر وتكفر بالفهم، والضمير، والأخلاق، والقانون، والدستور…وتصيح (لقد انتصرت) ! يا للفاجعة….
الكاتب : د. محمد الأحمد _ زمان الوصل