تتخبط النساء اللواتي يعشن في مخيمات إدلب، الواقعة في الشمال السوري، في مشاكل غياب الخصوصية التي تقيّد مجريات حياتهن اليومية، والتكيف مع المياه القليلة المتوافرة التي ينقلنها من خزانات، وأنواع أخرى من المصاعب تشمل تأمين مستلزمات الطهي والتدفئة ومتطلبات أخرى.
تروي مريم العبود (30 عاماً) المهجرة من معرة النعمان إلى مخيم قرية كفريحمول بريف إدلب الشمالي، وهي أم لخمسة أطفال، لـ “العربي الجديد” أن “المخيم مظلم بالكامل في الليل، وتسرح فيه كلاب ضالة وحيوانات أخرى، لذا يعتبر اصطحابي أحد أطفالي إلى دورة المياه من أكبر المشاكل التي أواجهها في حياتي اليومية، إلى جانب استباحة خصوصية النساء عموماً، فكل الأحاديث والثرثرات والخلافات العائلية يمكن التنصت عليها وتناقلها، حتى تلك الشخصية. وأحياناً أنسى نفسي ويعلو صوتي لتوبيخ أحد أولادي، ثم أتذكر أنني أسكن في خيمة ولا يوجد جدران تعزل الصوت، وأن الخيم ملتصقة”. تضيف: “أنا ممنوعة من التمدد والراحة، وأضطر إلى الجلوس بوضعية الاستعداد طوال اليوم، وأحرم من الحرية في اللباس داخل خيمتي المشرّعة لدخول أي طفل في أي لحظة، لذا أشعر دائماً بأنني مراقبة من الآخرين، ولا أملك الحد الأدنى من الاستقلالية والحرية الشخصية”.
ولا تختلف معاناة سلمى عبد الحميد (40 عاماً) المهجرة من مدينة سراقب إلى مخيم في بلدة كللي، فهي تغسل ملابس أطفالها على مرأى الجميع أمام باب خيمتها، وتقول لـ “العربي الجديد”: “أغسل ملابس أولادي الثلاثة يدوياً يومياً لعدم توفر الكهرباء والغسالة، وأجلس دائماً أمام باب الخيمة أكان الطقس حارّاً أم بارداً، لأنني لا أملك سوى خيمة واحدة للاستحمام والجلوس والطهي”. وتشير إلى أنها تجد صعوبة في تأمين احتياجات التنظيف بسبب قلة المياه ومواد العناية الشخصية الغالية الثمن، و”أنقل بمساعدة أولادي المياه من الخزان الرئيسي إلى خيمتنا، والذي نستهلكه باقتصاد شديد لتجنب المهمات الكثيرة”.
كذلك، تعاني عروبة الشحنة (31 عاماً) التي نزحت من مدينة سراقب بداية عام 2020 إلى مخيم حربنوش بريف إدلب الشمالي، من غياب الخصوصية، إذ تجد صعوبة بالغة في ضبط سلوك أطفالها وتصرفاتهم، وإجبارهم على المكوث طويلاً داخل الخيمة الضيقة التي لا تسمح لهم بالركض واللعب، قبل أن ترضخ لإصرارهم على الخروج لملاقاة، رفاقهم في ظل انعدام وسائل الترفيه والتسلية لديهم. وتبدي عروبة، في حديثها لـ”العربي الجديد”، خشيتها من إصابة أطفالها بفيروس كورونا وأمراض معدية أخرى، لكنها تستدرك بأن لا حيلة لها في رحلة النزوح والتشرد التي تعيشها، وهو ما يحتم أيضاً محاولة تكيفها مع الحمامات ودورات المياه المشتركة التي تتسبب بحرج كبير لها ولجميع نساء المخيم، خصوصاً في ظل وجود عدد كبير من الرجال العاطلين عن العمل، الذين ينحصر همهم في مراقبة الآخرين.
وتلخص عائشة الخلف (25 عاماً) النازحة من بلدة حاس بريف إدلب الجنوبي إلى مخيم عشوائي في بلدة كللي معاناتها بالقول لـ”العربي الجديد”: “يشاهد كل أهالي المخيم صغاراً وكباراً تحضيري الطعام لأسرتي. وقد دفعنا غلاء سعر قارورة الغاز إلى التخلي عن شرائها نهائياً، واستبدالها بالطهي على موقد من طين صنعته بنفسي لتوفير بعض التكاليف”. وتوضح أنها وضعت الموقد قرب خيمتها حيث تجلس لإعداد الطعام يومياً، وتذهب إلى جبل قريب لجمع عيدان وأكياس نايلون. وتشير إلى أنها لا تتمكن أحياناً كثيرة من إضرام النار بسبب تبلل الحطب والموقد بمياه الأمطار.
وتتحدث عائشة عن أنها أم لطفلين، وزوجها عامل مياوم يتقاضى مبلغ 30 ليرة تركية يومياً (نحو دولارين)، وأن أسرتها تؤمن بالكاد احتياجاتها اليومية التي تقتصر على أساسيات وسط موجة الغلاء وارتفاع الأسعار التي تشهدها المنطقة. ولا تأمل عائشة في تغيّر الواقع المفروض، وتريد فقط أن تعود إلى منزلها وتنتهي مأساة النزوح التي قلبت حياة عائلتها رأساً على عقب، وسلبت حقها في الحصول على حياة كريمة.
وتشرح المرشدة الاجتماعية نور الدغيم (44 عاماً) لـ”العربي الجديد” عن معاناة النساء في مخيمات النزوح، وتقول: “تواجه النساء النازحات مآسي وصعوبات كثيرة، بعدما اقتلعهن قصف النظام السوري من بيوتهن وأجبرهن على النزوح مع أزواجهن وأطفالهن، تمهيداً للاستقرار في خيم مبنية في أراضٍ زراعية. وأمام واقع لا مفر منه، اضطررن إلى العيش بأسلوب حياة لم يعتدن عليه، ومواجهة هموم تأمين موارد العيش”.
وتؤكد نور أن “المرأة تتولى أعباء رعاية الأسرة وتربية الأولاد في ظل غياب شبه تام لمقومات الحياة الطبيعية. ويجعل العدد الكبير لأفراد الأسرة المقيمين في خيمة واحدة عملية الاحتفاظ بأدنى درجات الخصوصية أمراً شبه مستحيل، والذي يزيده كون الخيمة من قماش لا يعزل الصوت، ولا يؤمّن الحماية المطلوبة للعائلة عموماً وللنساء خصوصاً”. وتلفت نور إلى أن الحلول تكمن في دراسة احتياجات النساء والعمل على تحسين واقعهن، مع ضرورة نقل المهجرين من الخيام إلى كتل إسمنتية تحفظ للنساء بعض الخصوصية والاستقلالية والأمان.
سونيا العلي _ العربي الجديد