غصون أبو الذهب _ syria press_ أنباء سوريا
يتجنب اللاجئون السوريون الإبلاغ عن المشاكل التي يتعرضون لها إلى الجهات المختصة التركية، جراء الإجراءات التمييزية في مراكز الشرطة، واليأس من إحلال القانون وخوفاً من الترحيل، مما ترك لديهم شعوراً بالظلم وعدم الأمان، وكذلك أدى إلى تنازلهم عن حقوق قانونية نصت عليها القوانين في تركيا والشريعة الدولية.
تنازلت اللاجئة السورية ” إيمان 72 عاماً” عن حقها في الشكوى، بعد أن صدمتها سيارة بمنطقة الفاتح في مدينة إسطنبول، وسببت لها إصابات جسيمة في الرأس والوجه، أدت إلى نقلها بسيارة الإسعاف إلى أحد المشافي الحكومية، ورغم اعتراف السائق بمسؤوليته الكاملة عن الحادث، إلا أن أسرة إيمان آثرت اسقاط حقهم في الشكوى، كونهم شهدوا حالة شبيهة تقدمت بشكوى إلى الشرطة فتم تلفيق تهمة كيدية للمشتكي وتم ترحيله إلى الشمال السوري، وتوقف إجراءات ترشيحه للجنسية الاستثنائية التركية.
يعتقد عماد “30 عاماً”، لاجئ سوري مقيم في مدينة إسطنبول، أن الكثير من السوريين يجهلون حقوقهم القانونية، وكيفية تقديم شكوى إلى السلطات المعنية ضد شخص أو جهة ما تسببت لهم بالأذى، ويقول في حديث إلى “سيريا برس“، أنه خلال السنوات الثمانية الماضية تعرض هو وزملاؤه في ورشة خياطة يعملون بها، لاعتداءات لفظية وجسدية من شباب أتراك، وتقدموا بشكاوى عديدة إلى مركز الشرطة جميعها تم تجاهلها وعدم التحقيق بها.
يشعر عماد بالإحباط والحزن جراء إحساسه بالظلم، ويشير إلى أن عدم اتخاذ الإجراءات القانونية الواجب اتخاذها في مثل هذه الحالات، دفع الشباب المعتدين إلى تعمد الأذية أكثر، ماعرضه للضرب المبرح منهم بالعصا والأدوات الحادة، لأنه فصل بينهم وبين فتى سوري يعمل معهم بالورشة اعتدوا عليه دون وجه حق، ويؤكد عماد أنه تعرض للاضطهاد وللتمييز العنصري في مركز الشرطة، ولم يعرف الطريقة المثلى لإرغام الشرطة بالطرق القانونية بالنظر في شكواه.
المساعدة القانونية
يعتقد اللاجئون السوريون أن تقديم شكوى إلى الشرطة أو القضاء سيعرضهم للترحيل، وفقدان فرصهم في الحصول على الجنسية التركية الاستثنائية، وذلك ما يؤكده المحامي التركي الأستاذ “فرحان ايكين” في حديث خاص إلى “سيريا برس”، بقوله “للأسف المعاملات تتم بهذه الطريقة في الآونة الأخيرة. لقد شهدت ذلك شخصيا”.
ويوضح “ايكين” أن سيدة سورية طلبت منه مرافقتها إلى مركز الشرطة لأن زوجها سيتم ترحيله بسبب شكوى عنف منزلي تقدمت بها ضده، ورغم تنازلها عن الشكوى إلا أن إجراءات الترحيل بدأت بالفعل، والزوج الآن في مركز العودة بمدينة أورفا، والزوجة تشعر بمسؤوليتها عن ما حصل وعن حرمان أطفالها من والدهم، ووفق المحامي أن الإجراءات غير المناسبة والمفرطة التي تمت في مركز الشرطة ستكون النساء أكثر ضحاياها لأنهن حتى لو تعرضن للعنف، فلن يقدمن شكوى ليتجنبن تحمل مسؤولية العقاب المفرط الذي تعتمده السلطات.
ينصح “ايكين” اللاجئين السوريين في حال تجاهلت الشرطة شكواهم، بالذهاب إلى أقرب محكمة والتقدم بشكوى قصيرة غير مفصلة، يكتبون فيها باختصار عن ماهية شكواهم مع ذكر الزمان والمكان، وكما بإمكانهم الشكوى على عناصر الشرطة الذين يقومون بتجاوزات يؤكد المحامي حدوثها بمراكز الشرطة.
يحق للاجئين وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تركيا التوجه وطلب المساعدة القانونية من نقابات المحامين بخصوص أي نزاع قانوني، وفي حال العجز عن تغطية تكاليف توكيل محام، يمكن الاستفادة من المساعدات التي تقدمها مكاتب المساعدة القانونية في كل نقابة محامين في تركيا.
وتبين المفوضية أن المساعدة القانونية متاحة للقضايا المرفوعة ضد القرارات الإدارية بما في ذلك الترحيل، والاحتجاز الإداري، ورفض طلبات الحماية الدولية، وكذلك القضايا الأخرى التي تقع تحت القانون المدني (مثل الطلاق، والحضانة)، قانون الإيجارات والقانون التجاري وقانون العمل.
مشاعر الظلم
في حديث إلى “سيريا برس” تقول المستشارة النفسية والاجتماعية “إسراء قطاش”، إن التمييز والعنصرية التي تمارس على اللاجئين السوريين في مراكز الشرطة، وتفاقم شعورهم بالمظلومية قد يؤدي إلى إحساسهم بالتهميش وانخفاض مشاعر الذات والقلق النفسي، وقد يتعرض الأفراد لصدمة نفسية وإجهاد نتيجة تجاربهم السلبية، يمكن أن تؤثر على صحتهم العقلية، بما في ذلك الاكتئاب، القلق، وحتى اضطرابات ما بعد الصدمة .
وتردف “قطاش” أن الشعور بالظلم يؤدي إلى اضطرابات في العلاقات الاجتماعية مثل انغلاق الذات وعدم القدرة على إقامة علاقات صحية، ويعيق التمييز جهود الإدماج الاجتماعي للأفراد من اللاجئين، مما يزيد من تعقيد تكيفهم في المجتمع الجديد، والتجارب السلبية في عدم إحلال القانون تعزز شعور عدم الثقة مع الجهات الحكومية المختصة.
ومشاعر الظلم والخوف من تبعات الإبلاغ عن جريمة ما، تنعكس على اللاجىء السوري وعائلته، التي تشعر بمشاعر متداخلة خوفاً الترحيل وتفكيك العائلة المخيرة بين بداية واستقرار جديد وبين البقاء والمكوث مهما كانت النتائج، وبذلك تفتقد شعورها بالأمان والرضا.
لذلك وفق المستشارة النفسية والاجتماعية، يجب توفير دعم عاطفي ونفسي للأفراد الذين تعرضوا للاضطهاد والظلم لتخفيف التأثيرات النفسية السلبية. والعمل على مد جسور الثقة بين اللاجئين والأجهزة الحكومية وتعزيز الاندماج الاجتماعي، والتعامل مع العنصرية والتمييز من خلال التوعية المجتمعية وتطبيق القوانين.
حماية القانون
أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948، بأنه يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق. وأشار إلى أن الناس جميعًا سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حقِّ التمتُّع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حقِّ التمتُّع بالحماية من أيِّ تمييز ينتهك هذا الإعلانَ ومن أيِّ تحريض على مثل هذا التمييز.
وجاء في ” المواد 8_ 9_10″ أن لكلِّ شخص حقُّ اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصَّة لإنصافه الفعلي من أيَّة أعمال تَنتهك الحقوقَ الأساسيةَ التي يمنحها إيَّاه الدستورُ أو القانونُ. ولا يجوز اعتقالُ أيِّ إنسان أو حجزُه أو نفيُه تعسُّفًا. ولكلِّ إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحقُّ في أن تَنظر قضيتَه محكمةٌ مستقلَّةٌ ومحايدةٌ، نظرًا مُنصفًا وعلنيًّا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفى أيَّة تهمة جزائية تُوجَّه إليه.
ونصت الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين في “المادة 16” أن لكل لاجئ حق التقاضي الحر أمام المحاكم، كما يتمتع بنفس المعاملة التي يتمتع بها المواطن، بما في ذلك المساعدة القضائية. وتقع على عاتق الحكومات المضيفة، بصفة أساسية، مسؤولية حماية اللاجئين.
وتعتبر البلدان الـ 139 على نطاق العالم، التي وقعت على اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين ومنها تركيا، ملزمة بتنفيذ أحكامها. وتحتفظ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتزام رقابي على هذه العملية، وتتدخل حسب الاقتضاء لضمان منح اللاجئين اللجوء وعدم إرغامهم على العودة إلى بلدان يخشى أن تتعرض فيها حياتهم للخطر.
فقدان الحقوق التي كفلها القانون المحلي التركي وقوانين حقوق الإنسان، واقترانها مع شعور اللاجىء السوري بالعجز والخوف الدائم من الترحيل إلى الشمال السوري، يشكلون ضغوطاً نفسية واجتماعية تنعكس سلباً على حياة السوريين الذين تهجروا من بلادهم طلباً للأمن والاستقرار، وبدافع اليأس يبحثون عن مستقر آمن جديد، الوصول إليه قد يكلفهم حياتهم في مجاهل الغابات وغياهب البحار.
غصون أبو الذهب_ سيريا برس
‘‘تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان” .