غصون أبو الذهب _ syria press_ أنباء سوريا
أدت الحرب وويلاتها وفقدان الأحبة والنزوح لتركيا، والضغوط الاجتماعية والاقتصادية، والكوارث الطبيعية، إلى أمراض نفسية أصابت اللاجئات السوريات منها الاكتئاب والقلق، ومابين الإنكار خوف الوصمة، وعدم القدرة على العلاج تعاني الكثيرات من هذا المرض الذي يؤثر على مفاصل حياتهم، وحياة عائلاتهن.
توقعت منظمة الصحة العالمية إصابة واحد من بين كل عشرة سوريين بأمراض نفسية إثر استمرار الصراع في بلادهم، ويعاني العديد من اللاجئين السوريين من صعوبة الوصول لخدمات مزودي الصحة الذهنية بسبب عوائق عديدة منها اللغة والكلفة العلاجية العالية والجهل بكيفية الوصول إلى الخدمات المجانية التي تقدمها الحكومة التركية بدعم من الإتحاد الأوربي، ومنظمات المجتمع المدني السورية والتركية التي تعمل في قطاع الدعم النفسي.
النكران والوصم بالجنون
توالت الأحداث المؤسفة في حياة “ميساء” من فقدان الزوج والأم في عام 2013 بسوريا، إلى التهجير القسري من غوطة دمشق، إلى زواج آخر غير مستقر في تركيا، لمعاناة في الإنجاب واضطرارها أن تكون المعيل دون مهنة أو شهادات عليا تعينها على الأيام الصعبة، تقول “ميساء” في حديث خاص إلى “سيريا برس” أعاني من آلام جسدية مختلفة واضطراب في النوم وقلق، راجعت الأطباء مراراً وأخبروني أني لاأشتكي من مرض عضوي واضح، وأرجعوا آلامي للإجهاد العصبي والنفسي، لم أفكر باللجوء للعلاج النفسي ماذا سيقول عني الناس هل فقدت عقلي أم أتزاني أنا لاأشكو من شيء، أمر بلحظات اكتئاب لاأريد أن أرى أحداً أو أغادر الفراش، ولكني أرفض الاستسلام وأعود لإشغال نفسي بالعمل.
تقدّر منظمة الصحة العالمية أنّ انتشار الاضطرابات النفسية الحادة مثل الذهان والعديد من أشكال الاكتئاب يزداد بنسبة 1٪ على الأقل بعد حالة الطوارئ. ويزداد انتشار الاضطرابات النفسية المعتدلة مثل القلق والاكتئاب الخفيف بنسبة 5 إلى 10 في المائة تقريباً.
لاتعرف “ميساء” إلى أين تتوجه في حالة أرادت الخضوع للدعم النفسي، وخاصة أن جلسات الدعم النفسي ومراجعة الأطباء مكلف مادياً، وهذا سبب أضافي مهم يجعلها لاتطلب المساعدة وتعتبر الموضوع ثانوياً يمكن التغلب عليه بالعبادات وإشغال أوقات الفراغ بما هو مفيد، وفي حال فكرت يوماً بطلب المساعدة فذلك سيكون بشكل سري لن تفصح به لعائلتها وزوجها والآخرين.
تتوالى على “إسراء قطاش” أخصائية الدعم النفسي في مدينة إسطنبول، الحالات التي ترفض الإدلاء باسمها الصريح وأغلبهم يطلبون جلسات سرية، تقول “إسراء” نحن نتفهم حاجة المرضى للخصوصة والسرية، وذلك لإن أغلب مجتمعاتنا العربية تعتبر العلاج النفسي شيئاً معيباً يجلب السمعة السيئة للعائلة، وهذا يتم التأكيد عليه للأسف من خلال التلفزيون والسينما والمسرح والاعلام منذ أمد بعيد، فأصبح هناك نمطاً اجتماعياً وتصوراً مسبقاً للمريض النفسي يرتدي مريولاً ابيض مكتف الاذرع أو ممدداً على سرير بجانبه شخص يكتب وذاك يسرد.
بجميع الأحوال تضيف “إسراء” أغلب الاشخاص لديهم خوف وتردد بالرغم من شده احتياجهم للمساعدة والمساندة من مختصين لحل اضطراب معين يعيق حياتهم، على سبيل المثال يطلب الكثيرون مواعيد بالعيادة النفسية بتوقيت معين على أن لايتواجد مع أشخاص آخرين بقاعة الانتظار حتى لايراه أحد، وبحال كانت الجلسات عن طريق الهاتف يشترطون المحادثة الصوتية دون تسجيل أو كتابة، و يستخدم بعضهم معلومات شخصيه غير حقيقيه للتعامل مع المعالج، وبعض النساء تلجأ لإخفاء وجهها بالنقاب حتى لايتعرف عليها المعالح أو أحد بالعيادة.
وتشير “قطاش”، إلى أن جلسات الدعم النفسي مكلفة بالنسبة للاجئين السوريين، وقد تقدمها مجاناً بعض المنظمات ولكن الكثير من المرضى يشتكون بأن من يقدمون لهم العلاج ذوو خبرات ضئيلة فتكون الفائدة معدومة أو محدودة، وتتراوح أسعار الجلسات من 350 ليرة حتى 100 دولار حسب أسم المعالج وشهرته.
الاكتئاب والأمراض النفسية
يقول اخصائي الدعم النفسي “باسل نمرة “، في حديث خاص إلى “سيريا برس”، المرض النفسي هو نوع حاد من الاضطراب في الصحة العقلية تؤثر على فكر وسلوك الإنسان بحيث يقوم بتصرفات أو تجتاحه أفكار خارجة عن سياق حياته الطبيعية وتؤدي إلى تغير في مسار حياته بشكل سلبي على عدة أصعدة وهنا تكمن خطورة الأمراض النفسية في أنها تسبب تراجع ( قد يكون في بعض الأحيان تراجعاً شديداً) في نمط حياة الإنسان وعلاقته بالمجتمع المحيط به تصبح مضطربة ولعل الخطورة الأكبر وخاصة في الفترة الحالية أن بعض الأمراض لا تكون ظاهرة لدى الإنسان ويبدو طبيعياً لكن عندما يخوض تجربة جديدة في حياته عمل جديد مثلاً أو ارتباط تظهر هذا الأمراض وتظهر أعراضها بشدة.
يتضمن علاج الأمراض النفسية تقنيتين أساسيتين وفق “نمرة”، أحدها العلاج الدوائي ويوصف من قبل الطبيب النفسي المختص أو طبيب العصبية ويتضمن مضادات الذهان أو الأدوية مثبطات استرداد السيروتونين أو الأدوية مضادات الاكتئاب. والثاني العلاج السلوكي المعرفي ويتضمن إجراء جلسات لتعديل السلوك الناتج عن المرض وذلك بعد إجراء تقييم دقيق ومفصل للحالة، وقد تتطلب بعض الحالات العلاج الدوائي والسلوكي معاّ وبعضها يكفي معه العلاج السلوكي وذلك حسب درجة الإصابة.
يعتبر الاكتئاب في مراحله الأولى اضطراب نفسي ولكن مع استمراره يدخل في مرحلة المرض النفسي وتبدأ هنا خطورته لأنه يؤدي إلى عزلة الشخص عن محيطه وفقده التفاعل معه ( تركه لدراسته أو غيابه عن عمله أو حتى انفصاله أو انعزاله عن شريكه ) وقد يؤدي الاكتئاب بالشخص إلى التفكير بالانتحار والاقدام عليه في مراحل الاكتئاب المتقدمة والغير معالجة. بحسب “نمرة”.
وعن الحالات التي تخاف العلاج خوفا من الوصم الاجتماعي يقول الاستشاري النفسي، هناك عدد لا بأس به من الحالات التي ترددت في إجراء جلسات العلاج النفسي بسبب المجتمع وما يقال عن الشخص الذي يذهب للجلسات النفسية وأنه لايجب التعامل معه أو حتى الارتباط به أو بها، وهذه نظرة خاطئة طبعاً لأنه حان الوقت لكي يدرك المجتمع أن كل إنسان منا معرض للإصابة بأمراض أو اضطرابات نفسية ومن الطبيعي القيام بالعلاج بأسرع وقت حتى لا تتفاقم المشكلة
خدمات الدعم النفسي في تركيا
وفق وكالة الأمم المتحدة للاجئين، يمكن للسوريين من حاملي بطاقة الحماية المؤقتة، التوجه إلى العيادات الصحية الأولية أو المستشفيات الحكومية التي تقدم الدعم النفسي في المدينة التي يقطنوها. والتقدم إلی المستشفیات الحكومية لطلب موعد للحصول علی المساعدة النفسیة. إذا لم يكن لدى المستشفى قسم طب نفسي أو طبيب متاح، يتم إحالة المريض إلى مستشفى أخر أو مدينة أخرى ويغطى هذا الدعم والعلاج بموجب التأمين الصحي الخاص باللاجىء كمقدم طلب أومستفيد من الحماية المؤقتة.
إضافة إلى ذلك، هناك منظمات عديدة تقدم خدمات صحية متخصصة منها منظمة “أوسوم” المرخصة والمسجلة لدى وزارة الصحة التركية في الولايات التالية: (كيليس، غازي عنتاب، الريحانية، واسطنبول) للاجئين منذ عام 2012. تشمل هذه الخدمات التشخيص والعلاج الدوائي النفسي المجاني من قبل أطباء نفسيين ناطقين باللغة العربية بالإضافة إلى جلسات العلاج النفسي، وتشمل الخدمات أيضاً، خدمات متخصصة للأطفال الذين يعانون من اضطرابات مثل (متلازمة داون، اضطرابات طيف التوحد، صعوبات التعلم، مشاكل النطق.. إلخ) بالإضافة إلى جلسات تثقيف لذوي الأطفال عن كيفية التعامل مع أطفالهم.
وهناك منظمات أخرى مثل منظمة عطاء، وخذ بيدي، والجمعية السورية للصحة النفسية و جمعية اللاجئين يقدمون جلسات واستشارات نفسية فيزيائية أو عبر خطوط هاتفية ساخنة للتواصل مع المرضى.
الحق في الصحة
الحق في الصحة مكفول في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يعود للعام 1948. وبموجب “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، الملزم لـ 171 دولة موقعة، يحق لكلّ إنسان “التمتع بأعلى مستوى من الصحة البدنية والعقلية يمكن بلوغه”. و الحكومات مُلزمة باتخاذ التدابير الفعالة “للوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطّنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها”.
تعتبر تشريعات الصحة النفسية وفقاً لأهداف ميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية، أن حقوق الإنسان منطلقاً أساسياً لهذه التشريعات، وتقر المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بهذا الحق إذ تنص على أن: “لكل شخص حقاً في مستوى معيشة يكفى لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية…”
وتقر المادة 12 من الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بحق الأفراد بمن فيهم المصابين بالاضطرابات النفسية بالتمتع بأعلى معيار يمكن الحصول عليه من الصحة النفسية والبدنية.
كما توفر المادة 7 من الميثاق الدولي حول الحقوق المدنية والسياسية لجميع المصابين بالاضطرابات النفسية الحماية من التعذيب والقسوة والمعالجات غير الإنسانية أو المذلة أو العقاب بالإضافة إلى الحق بعدم الدخول في تجربة طبية أو علمية من دون موافقة مستنيرة.
وفي عام 1991 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 64/119 الذي يشمل مبادىء حماية الحقوق الإنسانية للمصابين بالأمراض النفسية، التي يحترمها المجتمع الدولي ولايمكن انتهاكها في المجتمع أو في المواضيع العلاجية، وتغطي المبادىء الخمس والعشرون جوانب عديدة منها ” تعريف الاعتلالات النفسية، حماية السرية، معايير الرعاية والمعالجة وحقوق المصابين في المرافق الصحية النفسية، دور المجتمع والثقافة، مراجعة الآليات والإجراءات الواقية التي توفر الحماية من انتهاك حقوق المصابين بالاضطرابات النفسية”.
ويقتضي الحق في الصحة أن تكون المرافق والسلع والخدمات الصحية متوفرة بالكميات الكافية، ومتاحة للجميع دون تمييز بأسعار معقولة، و تحترم أخلاقيات مهنة الطب، ومناسبة علميًا وطبيًا، وعالية الجودة. إن التجارب المهددة للحياة وفقدان الأحبة والتهجير القسري والعنف والضغوط الاقتصادية والاجتماعية في بلاد اللجوء جعلت اللاجىء السوري يعاني من آثار مابعد الصدمة التي تؤثر على الصحة النفسية للإنسان وبالتالي من الممكن أن تعطل حياته ويكون لها تداعيات سلبية على عائلته والمجتمع لذلك يجب الاهتمام بتقديم خدمات الدعم النفسي للمحتاجين لها لإن الصحة النفسية توازي بأهميتها السلامة من الآفات والأمراض العضوية.
غصون أبو الذهب _سيريا برس
‘‘تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان” .