تحقيق استقصائي لـ”سيريا أنديكيتور”، يكشف عن واقع مئات الأطفال حديثي الولادة غير الشرعيين الذين يتم طرحهم أو قتلهم في سوريا، ويبحث في الأسباب والآثار الاجتماعية والاقتصادية والقانونية لرمي الأطفال. التحقيق لا يشمل أطفال “الجهاديين” من مجهولي النسب.
كيف قتلت طفلة سارة؟
مطلع عام 2022، أنجبت سارة العشرينية طفلة، بعد حادث اغتصاب، في إحدى المدن السورية، أخفت العائلة الفتاة اتقاءً للفضيحة، وعندما جاء موعد الوضع، وجدت الأم طبيبًا لتوليدها في عيادته الخاصة مقابل مبلغ من المال، وهو ما عرفه تحقيق “سيريا انديكيتور” خلال متابعته الحادثة وتفاصيلها.
لم تنته قصة سارة التي يخفي التحقيق اسمها الحقيقي، حفاظًا على سلامتها وخصوصية الأطراف المعنية بالموضوع.
تقول الفتاة، إن والدتها أخبرتها، بأنها رمت الطفلة (حفيدتها) أمام إحدى الحدائق العامة، ولكن السيناريو الأسوأ لم يدر في خلد سارة، وهو اعتراف والدتها، بعد وقت ليس بقصير، بأنها ألقت الطفلة في بئر ماء ارتوازية، لتموت الطفلة قبل أن تحمل اسمًا.
طفلة سارة ليست الوحيدة، ففي مطلع عام 2023 عثر شبان على طفل حديث الولادة ميتًا، في مكب نفايات بريف الحسكة، شمالي شرق سوريا، بعد أن لاحظوا تجمع الكلاب الشاردة حول جثة الطفل.
مقابل الأطفال الذين يموتون عن عمد أو عن غير عمد، هناك مئات الأطفال جرى العثور عليهم إما في الحدائق أو مكبات النفايات وفي مناطق نائية بمختلف أنحاء سوريا.
في تشرين الأول 2021، وجدت الطفلة لين مرمية في شوارع حلب، شمالي سوريا، ولم يكن عمرها تجاوز الساعات، كانت محظوظة إذ جرى إسعافها إلى المستشفى، وقد قضمت القوارض أنفها، حسب ما ذكر أحد الأطباء لجريدة “البعث” الرسمية.
قبل الحرب وبعدها
قبل الحرب التي تسببت بكارثة إنسانية، سجلت سوريا حالات لرمي أطفال أمام حدائق ومستشفيات وفي أماكن مهجورة، إلا أن الدوافع اختلفت بعد عام 2011، إذ لعبت الظروف الاقتصادية دورًا أكبر في انتشار الظاهرة.
وبعد أن خضعت البلاد لسيطرة قوى متعددة، بات من الصعب إحصاء الأعداد، رغم رصد زيادة فيها لتتحول إلى ظاهرة تشمل مناطق سيطرة حكومة دمشق ومناطق شمالي غرب وشمالي شرق سوريا.
ماذا عن الأرقام؟
تباينت الأرقام بين الجهات التي راجعها معدو التحقيق في مناطق تحت إدارة حكومة دمشق، وكشفت مصادر مسؤولة لـ”سيريا أنديكيتور” عن 257 طفلة وطفلًا لقطاء، وصلوا إلى دور الرعاية التابعة لحكومة دمشق منذ بداية 2019 ولغاية منتصف تشرين الأول 2022.
وأكد مسؤول في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في حكومة دمشق لمعدي التحقيق، أنه تم رصد 204 طفلات وأطفالًا “لقطاء” في مناطق سيطرتها بين عامي 2018 و2021.
وذكر المسؤول أن عام 2019، كان الأعلى من حيث الأعداد المسجلة، حيث بلغ 58 طفلة وطفلاً.
وفي الفترة بين مطلع كانون الثاني/يناير وحتى منتصف تشرين الأول/أكتوبر من العام 2022، بلغ عدد الأطفال اللقطاء في مناطق حكومة دمشق 53 طفلة وطفلًا، حسب أرقام الهيئة العامة للطب الشرعي في سوريا.
ويقول زاهر حجو مدير الهيئة العامة للطب الشرعي في سوريا، إن لقطاء الأشهر العشرة الأولى من عام 2022، ضمن مناطق سيطرة حكومة دمشق، توزعوا بين 28 ذكراً و 25 أنثى.
ويكشف حجو أن أكثر الحالات كانت في دمشق (12 حالة) أولاً، ثم حلب (10 حالات)، فريف دمشق (9 حالات)، مؤكداً عدم توفر بيانات دقيقة عن السنوات السابقة.
بدوره يفيد مصدر في مجمع دار لحن الحياة لرعاية الطفولة (يهدف المجمع لإيواء ورعاية الأطفال اللقطاء ومجهولي النسب)، أن متوسط عدد الأطفال الذين تستقبلهم الدار شهرياً هو 3 أطفال.
ويضيف المصدر، أن الحصيلة السنوية من الأطفال الذين يتم استقبالهم في الدار يتراوح بين 30 و50، ممن يعثر عليهم في أماكن مختلفة.
الشمال الغربي
رصد تقرير لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” في 26 آب/ أغسطس 2020، ما لا يقل عن 43 حالة جديدة لأطفال حديثي الولادة تم التخلي عنهم، في مناطق مختلفة من محافظة إدلب وريف حلب الشمالي (مناطق خارج سيطرة حكومة دمشق)، في النصف الثاني من 2019 وحتى 20 تموز/يوليو 2020.
ووثقت المنظمة ذاتها ما لا يقل عن 40 حالة في 2018 والنصف الأول من 2019، في المناطق نفسها، ليصل الإجمالي إلى 83 طفلة وطفلًا تم التخلي عنهم منذ 2018 حتى تموز/يوليو 2020.
الشمال الشرقي
خلال عامي 2020 و2021، نشرت مواقع وشبكات محلية تنشط في منطقة شمال شرقي سوريا، والتي تخضع لسيطرة الإدارة الذاتية، أخبارًا عن ازدياد ظاهرة رمي الأطفال في المنطقة.
وذكر موقع أثر برس، أنه تم خلال العام 2022، العثور على 14 طفلًا مرميين وهم أحياء أمام المساجد في مناطق متفرقة من المحافظات الشرقية من سوريا (الحسكة، الرقة، دير الزور).
وخلال النصف الأول من عام 2021، تم العثور على 21 طفلًا في مدينة الرقة، وتسعة أطفال في مدينة الحسكة، وأربعة أطفال في منبج شرق حلب، وطفلان بريف دير الزور الغربي، ليبلغ العدد الكلي 36 طفلًا حديث الولادة، حسب وكالة ستيب المحلية.
شبكة الخابور المحلية، نقلت عن مصدر طبي يعمل في قسم الأطفال في مستشفى الرقة الوطني ومستشفى الهلال، أن طفلًا واحد يتم العثور عليه كل 72 ساعة في الرقة ومحيطها.
الفقر والحاجة
مثل طفلة سارة، هناك مئات الأطفال الذين يتم رميهم بدواع مختلفة في سوريا، منها ما يتصل بالوضع الاقتصادي القاهر، كحالة الأب الذي رمى طفلتيه في حزيران 2021 أمام مستشفى وسط العاصمة دمشق، وترك معهما رسالة تفيد بأنهما جائعتان، وأنه عاجز عن إطعامهما جراء الفقر، راجيًا أن تسامحاه على فعلته.
لقياس تأثير الأزمة الاقتصادية على قدرة الأسر السورية في رعاية طفل واحد فقط، أعد التحقيق استبياناً شمل 207 عائلات سورية، ممن لديها أطفال رضع.
تظهر البيانات أن معظم العائلات السورية تنفق ما بين 100 ألف (حوالي 13 دولارًا أمريكيًا) و400 ألف ليرة سورية (حوالي 52 دولارًا أمريكيًا) شهريًا لرعاية كل طفل.
يبلغ سعر صرف الليرة السورية في دمشق، 7500 ليرة مقابل الدولار الأمريكي، وفق موقع “الليرة اليوم” تاريخ نشر هذا التحقيق.
يبلغ الدخل الشهري أقل من 200 ألف ليرة سورية لدى نحو 21% من الأسر المستجيبة، ونحو 26% من الأسر يتراوح دخلها بين 200 و400 ألف ليرة سورية، ما يعني أن نحو 47% من الأسر السورية، قياسًا لنتائج الاستبيان، إما عاجزة أو بالكاد تستطيع إعالة طفل واحد.
يتطابق تحليل بيانات دخل الأسر المستجيبة، بشكل تقريبي، مع إفادات تلك الأسر حول قدرتها على تحمّل رعاية طفل رضيع، إذ أفادت 46.4% من الأسر، أن تكلفة رعاية طفل واحد تفوق طاقتها على التحمل.
وتشير أرقام نشرتها منظمة يونيسف في آذار 2022 إلى أن أكثر من 90 ٪ من السكان في سوريا يعيشون في فقر، وأن 2 ٪ فقط من أرباب الأسر أكدوا قدرتهم على تلبية احتياجات عائلاتهم الأساسية.
كما تشير المنظمة الدولية إلى أن نحو 6 ملايين طفل سوري، ولدوا منذ بداية الحرب قبل 11 عامًا، وأن تدهور الظروف المعيشية، يجبر العائلات على تبني آليات تأقلم ضارة.
ويظهر استبيان “سيريا انديكيتور”، أن من بين 207 عائلات سورية لديها أطفال حديثو الولادة في مناطق تديرها حكومة دمشق، هناك 147 عائلة تعتبر الغذاء الحاجة الأهم بنسبة 71% من العينة المستجيبة، بينما جاءت الرعاية الصحية في الترتيب الثاني بنسبة 24.5 بالمئة.
ومع تراجع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي بشكل حاد، يذكر أحد أساتذة الاقتصاد في جامعة دمشق، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن دراسات محلية أظهرت أن الأسرة في الداخل السوري (مناطق حكومة دمشق) كانت تحتاج إلى 400 دولار في 2018، وكانت تعادل 200 ألف ليرة سورية، لكنها أصبحت تحتاج إلى 300 ألف ليرة في نهاية العالم 2019، بسبب تراجع قيمة العملة المحلية.
وتشير الدراسات، حسب الأستاذ الجامعي، إلى أن الأسرة باتت تحتاج في 2020 من 400 إلى 500 ألف ليرة، ومليون و200 ألف ليرة في 2021، وتحتاج حالياً نحو مليوني ليرة لتلبية الاحتياجات المعيشية من دون إيجارات المنازل والرعاية الطبية أو الرفاهيات.
تحدثت د.سمر علي أستاذة علم الاجتماع في جامعة دمشق، حول تأثير الحالة الاقتصادية التي يمر بها المجتمع السوري في الأزمة، ما رفع نسبة العازبين والعازبات.
وأشارت د.علي، إلى “توجه بعض الشباب والشابات نحو علاقات غير شرعية، بدلًا من الزواج بسبب الفقر المدقع في سوريا”.
ضحايا العار والاغتصاب
وقعت سارة، والدة طفلة حمص مجهولة المصير، ضحية حادث اغتصاب، وخلال زيارة لها إلى مركز المدينة قادمة من قريتها في الريف المجاور، قابلت بالصدفة شابًا طلب التعرف إليها بقصد الزواج، واستدرجها إلى منزله لتتعرف على أهله، حسب روايتها التي تمت مطابقتها مع ضبط الشرطة التي تابعت القضية.
وما حصل هو أنها استيقظت بعد نصف ساعة من دخولها المنزل مرمية على سرير وهي عارية تمامًا، حسبما تقول سارة.
بعد أن اغتصبها قدم الشاب لها مبلغًا من المال، والنتيجة أنها حملت بالطفلة، وعند ظهور حملها، قامت والدتها بإخفاء الحمل، وترتيب عملية ولادة بعيدًا عن أعين الأقارب.
تنتج عن العلاقات غير الشرعية حالات حمل تنتهي بولادات يصبح التخلص منها أمرًا ملحًّا تحت تأثير مفهوم العار، والخوف من الفضيحة الاجتماعية، وما يستتبع ذلك من جرائم شرف باتت تتنشر بصورة متزايدة في سوريا، حسب الخبيرة الاجتماعية، سناء دولة.
تشير دولة لـ”سيريا أنديكيتور” أن النساء يقعن ضحايا جرائم الشرف، كما الأطفال الذين يتم رميهم تجنبًا للعار والفضيحة وفق الأعراف الاجتماعية، ويلعب ضعف التوعية دورًا في انتشار الظاهرة، مع غلبة العادات والقيم الاجتماعية الذكورية على القوانين والتشريعات التي تعاني قصورًا في الأصل.
ترجع د.سمر علي أستاذة علم الاجتماع في جامعة دمشق انتشار ظاهرة رمي الأطفال لمجموعة عوامل، أبرزها غياب الوازع الأخلاقي.
وتتابع، أن “الخوف من الوصمة الاجتماعية في العلاقات خارج إطار الزواج” لا تبرر رمي الطفل، إذ من الممكن وضعه (الطفل) في مكان لا يتعرض فيه لمخاطر”.
اكتشاف الحالات وتوثيقها
يقول زاهر حجو مدير الهيئة العامة للطب الشرعي، إن الطبابة الشرعية تتسلم “اللقيط” عن طريق قسم الشرطة في كل منطقة بعد فتح ضبط شرطة، وتتولى الهيئة فحص حالته الصحية، ثم تدوين كل المعلومات المتعلقة به سواء كان حياً أو متوفياً.
وعادة ما يتم الإبلاغ عن حالات العثور على الطفلات والأطفال في أماكن عامة، أمام الحدائق والمستشفيات وعلى الطرقات، أو في مناطق نائية، حسب شهادات محلية ومراجعة ضبوط شرطة.
اتجار بالأطفال
بعد العثور على الأطفال حديثي الولادة الأحياء في مناطق تحت سلطة حكومة دمشق، تتم إحالتهم إلى دار الرعاية الاجتماعية، وهي تتبع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وكثير من الأطفال المحالين إلى دار الرعاية يجري إلحاقهم بأسر تسعى لكفالتهم.
في الفترة قبل عام 2014، كان الأطفال يسلمون إلى دار “زيد بن حارثة” والتي أصبحت تديرها، بعد ذلك العام، جمعية “صندوق الرجاء” باتفاق مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
وجرى خلال تلك الفترة رصد انتهاكات لمعايير حماية الطفولة، لجهة تأمين الحاجيات الأساسية كالطعام والشراب، وسوء الأوضاع السكنية والتعليمية، وفساد بين موظفيها وإدارتها.
وذكرت تقارير صحفية أن الدار كانت تشهد انتشار الرشوة مقابل إعطاء الطفل للأسرة البديلة، أو ما يعرف بملف “الإلحاق”، بشكل واسع النطاق، إذ يُمنح الطفل لمن يدفع أكثر، الأمر الذي تسبب ببقاء كثير من الأطفال حتى سن متأخرة، لأن أحدًا لم يدفع مقابل الحصول على أحد منهم لرعايته، حسب مديرة الدار.
عام 2014، جرى تغيير اسم الدار إلى “مجمع لحن الحياة” مع افتتاح بناء جديد في منطقة قدسيا بريف دمشق، وتولت جمعية “صندوق الرجاء” الأهلية إدارة الدار باتفاق مع وزارة الشؤون الاجتماعية.
مصدر في إدارة مجمع لحن الحياة لرعاية الأطفال ذكر لـ”سيريا أنديكيتور”، أن الأمور تغيرت، نافيًا مسؤولية الإدارة الحالية عن فساد المرحلة السابقة، إذ لم يعد هناك عدد كبير من الأطفال الذين يبقون لفترات طويلة داخل المجمع، لأن الأسر تنتظر بالدور الأطفال والطفلات، وخصوصاً إذا كانوا أصحاء بدنياً.
عقود الإلحاق
وفي مقابل عمليات التخلي التي تحصل شهرياً في سوريا، تسعى عائلات إلى كفالة الأطفال، بناء على عقود إلحاق.
ويتألف عقد الإلحاق من 9 مواد قانونية تنظم التزامات فريقين، الأول وهو دار رعاية الأطفال اللقطاء، والثاني يمثل الأسرة طالبة الإلحاق، وهو مصدق بختم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
وصدر المرسوم التشريعي رقم (2) لعام 2023، المتعلق بتنظيم شؤون الطفل مجهول النسب ورعايته، ليثبت مسؤولية دور الرعاية بشكل قانوني.
ونصت المادة 7 من المرسوم، الفقرة أ، على إحداث “هيئة عامة ذات طابع إداري تسمى بيوت لحن الحياة” مرتبطة بوزير الشؤون الاجتماعية ومقرها ريف دمشق.
فيما نصت الفقرة ب، على أن “بيوت لحن الحياة الجهة المخولة قانوناً بكل ما يتعلق بالأطفال مجهولي النسب” في سوريا.
لمعاينة مسار “الإلحاق” قبل المرسوم الحديث، قابلت “سيريا انديكيتور” زوجين تمكنا من إلحاق طفل حديث ولادة عام 2022.
لم يتمكن سعيد (اسم مستعار لأسباب قانونية واجتماعية) وزوجته من الإنجاب، بعد زواج استمر عشر سنوات، وعدة عمليات طبية غير ناجحة لإنجاب طفل.
قرر الزوجان رعاية أحد الأطفال، وعند علمهم بحادثة العثور على رضيع بعمر ساعات في إحدى مناطق ريف دمشق، ذهب الزوج إلى مختار المنطقة فوراً.
سلم المختار الطفل إلى دار “لحن الحياة” بدمشق، وذهب سعيد ليجد “قائمة دور” مع كثرة طلبات رعاية الأطفال.
يقول سعيد لمعدي التحقيق، ” قابلنا موظفة، وبدأت تسألنا عن مؤهلاتنا وطلبت 10 بنود منها تقرير طبي يثبت حالة العقم، ولا حكم عليه لي ولزوجتي وسند إقامة، وبيان عائلي، وبيان زواج وطوابع وتقرير طبي خالٍ من الأمراض السارية”.
بعد تسليم الأوراق المطلوبة، قابلت الموظفة في الدار سعيد وزوجته مرة أخرى لأكثر من ساعة، وسألتهم أسئلة خاصة وأخرى روتينية واجتماعية متعددة، من قبيل: ماذا تحب أن تأكل الزوجة؟. ما عمل رب الأسرة وكم دخله الشهري؟، حسب ما قاله سعيد.
بعد “موافقة وزير الشؤون الاجتماعية والعمل على عقد الإلحاق”، أفاد الزوجان أن الأمر انتهى بإحضار الطفل إلى منزلهما.
لا يستطيع سعيد وزوجته إعطاء الطفل الملحق اسميهما، كما أبلغتهما الجهات المعنية، كما أن الطفل سيكون محرومًا من أن يرثهما، حسب ما يقول الزوجان “لأن الشرع يحرم”.
يقول المصدر في دار لحن الحياة، “إن التبني غير وارد شرعاً وقانوناً، لذلك وضعنا نظام إلحاق بموجب عقد لإلحاق الأطفال بالأسر السورية”.
تؤكد المحامية اعتدال محسن أن الأسرة طالبة الإلحاق تتكفل بالطفل ورعايته وتربيته وتعليمه، لكن لا يعطيه ذلك أي حق من حقوق أبنائها كالميراث والنسب.
وتناولت المادة 29 من قانون الأحوال المدنية إجراءات تسجيل الطفل في السجل المدني، على أن يعتبر سورياً ومسلماً ما لم يثبت خلاف ذلك، تقول محسن “غالباً ما يكون دين الطفل الإسلام، وخاصة إذا وجد بجوار مسجد، أما في حال كان ملقىً أمام الكنيسة فالغالب أن عائلته مسيحية، ويستنتج الموضوع في حال كان هناك دلائل مثل أوراق أو إشارات دينية وغير ذلك”.
وقعت سورية على اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، لكنها تحفظت على المادة 14 المتعلقة بحرية الطفل الدينية والمادتين 2 و21 لعدم توافقها مع القوانين المحلية المتعلقة بالتبني، وتعارضها مع أحكام الشريعة الإسلامية كما ذُكر في نص التحفظ.
في 31 من كانون الثاني 2023، أصدرت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التعليمات التنفيذية للمرسوم “2” لعام 2023، المتعلق بتنظيم شؤون الأطفال المجهولي النسب.
لم تأت التعليمات التنفيذية بتغييرات كبيرة على ما كان يجري قبل إصدار المرسوم “2”، وجاءت بصيغة شرعنة لما كان يجري قبلها.
ونص البندان “أ” و”ب” من المادة “38” من المرسوم، على إنهاء عقد “الإلحاق” بين دار الرعاية (لحن الحياة) ” و”الأسرة البديلة” في حال إتمام الطفل سن 18 عامًا، أو وفاته، أو وفاة الزوجين أو المرأة التي لا زوج لها في حالة “الإلحاق بأسرة بديلة”، أو بقرار من إدارة “لحن الحياة”، أو طلب “الأسرة البديلة” إنهاء العقد وإعادة الطفل، وكذلك وفاة أحد الزوجين وعدم رغبة الآخر بمتابعة “الإلحاق”، أو انفصال الزوجين دون تقديم أحدهما طلبًا لمواصلة “الإلحاق”، أو زوال أحد شروط قبول طلب “الإلحاق”.
كما ينتهي “الإلحاق” إذا ظهر أحد والدي الطفل المجهول النسب، المثبت نسبه بحكم قضائي، وطالب باستعادته، أو بسبب تكرار مخالفة “الأسرة البديلة” التزاماتها حيال الطفل بعد إنذارها.
اللقيط ومجهول النسب
يعرف المرسوم التشريعي رقم 107 الصادر في 4 أيار 1970، “اللقيط” في المادة الأولى منه، بأنه “الولید الذي يعثر علیه ولم یعرف والداه”.
ونص المرسوم التشريعي رقم 70، لعام 2012 على استبدال كلمة “لقيط”، الواردة في قانون الأحوال المدنية، بعبارة “مجهول النسب”.
واللقيط يأخذ أحكام مجهول النسب بشكل عام، ويقيد في قيود الأحوال المدنية في موضع خاص، ويعطيه مدير السجل المدني اسـماً ولقباً يختاره له، ويعطيه نسباً وهمياً، فيسمي له أباً غـير معين.
وحول الفرق بين معنى لقيط ومجهول النسب، توضح المحامية اعتدال محسن، أن قانون الأحوال المدنية الجديد عدّ اللقيط من يعثر عليه ولم يعرف والداه، أما مجهول النسب فهو من لا يوجد مكلف برعايته، وهنا يفترض أن أبواه معروفان.
مجهولو النسب في التشريعات السورية تناول قانون الأحوال المدنية رقم 13 لعام 2021 وتعديلاته اللاحقة مجهول النسب بشكل مقتضب في المادتين 29 و28 وتعليماتهما التنفيذية. المادة (28) بعد التعديل الأخير بالمرسوم التشريعي رقم 17 لعام 2022:أ- لا يجوز تسجيل مولود من زواج غير مسجل، إلا بعد تسجيل الزواج أصولاً.ب- إذا كـان الـمـولـود غيـر شرعـي، لا يذكر اسـم الأب أو الأم أو كليهمـا معـاً فـي سجـل الـولادة إلا بحكم قضائي. ج- إذا ثبت بوثائق رسمية بنوة المولود غير الشرعي لوالدته يسجل في سجل الولادة مباشرة.وسمح القانون في المادة (29)، بمنح كنية رب الأسرة للطفل. -يجوز منح مجهول النسب، نسبة الأسرة الحاضنة، بناء على طلب خطي من رب الأسرة، وموافقة مجهول النسب الذي تجاوز الثامنة عشرة من عمره، وتصحح نسبته في المسكن الخاص به تبعاً لذلك.لكن تعليمات المادة المذكورة آنفاً أكدت على حرمان التبني شرعاً:-لا يجوز تصحيح اسم والد مجهول النسب إلى اسم رب الأسرة الحاضنة باعتبار أن التبني محرم شرعاً.يتوافق قانون الأحوال الشخصية رقم 4 لعام 2019 مع أحكام الشريعة الإسلامية على حرمة التبني؛ إذ تنص المادة 128 من القانون على أن النسب يثبت بالزواج أو بالإقرار أو بالبينة.المادة /128/:1/يثبت النسب بالزواج أو بالإقرار أو بالبينة.وينص المرسوم التشريعي رقم (2) لعام 2023 المتعلق بتنظيم شؤون الطفل مجهول النسب ورعايته، المادة 19، الفقر ج، على “تسجيل الطفل مجهول النسب وفق قانون الأحوال المدنية”. |
عقوبات الرمي والتسيب و القتل
توضح المحامية اعتدال محسن أنه لا يوجد عقوبة محددة لمن يسيب طفلاً، وهناك مجموعة عوامل ينظر فيها القاضي لتحديدها، حيث يعاقب الشخص الذي سيب الطفل من 3 أشهر إلى سنة حتى لو لم يقصد الأذى له، أما إذا طرح الطفل في مكان مقفر مثل غابة أو مكان لا يوجد فيه أحد، تشدد العقوبة بحسب المادة 188 و190 المتعلقتين بالقصد بالنتيجة الجرمية أو عدم القصد بالنتيجة الجرمية، وتحدد العقوبة هنا حسب الجريمة بحق الطفل، فإذا تسبب بوفاته أو تسبب بإذائه أو إحداث عاهة مستديمة، فنرجع إلى المواد التي تتحدث عن العقوبة في كل حالة.
وتنوه المحامية محسن إلى أن القانون شدد العقوبة في حال كان مرتكب الجرم أحد الأصول أو المسؤولين عن حراسة الشخص أو مراقبته، ورغب بالتنصل من مسؤوليته، بحسب المادة 247.
تفرق المحامية لمى الجمل بين جريمة الطرح والتسيب سواء في مكان مقفر أو غير مقفر، لكن هذه الأحكام لا تطبق على الأم إذا فعلت ذلك “صيانة لشرفها” إلا في حال قتلته فتطبق عليها المادة 537.
وفي حال القتل، تشير المحامية ريم ع، أن العقوبة تكون بالاعتقال المؤقت مدة لا تقل عن خمس سنوات للوالدة التي تقدم اتقاء للعار على قتل وليدها التي حبلت به سفاحاً، ولا تنقص العقوبة عن سبع سنوات إذا وقع الفعل عمداً.
عقوبة رمي الطفل أو رميه وموته في قانون العقوبات السوريالمادة 188:تعد الجريمة مقصودة وإن تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل أو عدم الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقبل بالمخاطرة.المادة 190:تكون الجريمة غير مقصودة سواء لم يتوقع الفاعل نتيجة فعله أو عدم فعله المخطئين وكان في استطاعته أو من واجبه أن يتوقعها فحسب أن بإمكانه اجتنابها.المادة 247:إذا لم يعين القانون مفعول سبب مشدد، أوجب السبب المذكور تشديد العقوبة على الوجه التالي:– يبدل الإعدام من الأشغال الشاقة المؤبدة وتزداد كل عقوبة مؤقتة من الثلث إلى النصف وتضاعف الغرامة.المادة 484:1 ـ من طرح أو سيب ولداً دون السابعة من عمره أو أي شخص آخر عاجز عن حماية نفسه بسبب حالة جسدية أو نفسية عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة.2 ـ إذا طرح الولد أو العاجز أو سيب في مكان قفر كان العقاب من سنة إلى ثلاث سنوات.المادة 485:إذا سببت الجريمة للمجني عليه مرضاً أو أذى أو أفضت به إلى الموت أوخذ (حوسب) بها المجرم وفقًا لأحكام المادة 190 في حالة الطرح والتسييب في مكان غير مقفر إذا لم يكن قد توقع تلك النتيجة، أو اعتقد أن بإمكانه اجتنابها. وأوخذ بها وفاقاً لأحكام المادة 188 في حالة الطرح أو التسييب في مكان مقفر كلما توقع النتيجة وقبل بالمخاطر.المادة 486:1- إذا كان المجرم أحد أصول الولد أو العاجز أو أحد الأشخاص المولين حراسته أو مراقبته أو معالجته أو تربيته شددت العقوبة على نحو ما نصت عليه المادة 247.2- لا يطبق هذا النص على الوالدة التي أقدمت محرضة أو فاعلة أو متدخلة على طرح مولودها أو تسيبه صيانة لشرفها.3- المادة 487 إن الأب أو الأم اللذان يتركان في حالة احتياج ولدهما الشرعي أو غير الشرعي او ولداً تبنياه، سواء رفضا تنفيذ موجب الإعالة الذي يقع على عاتقهما أو أهملا الحصول على الوسائل التي تمكنهما من قضائه، يعاقبان بالحبس مع التشغيل ثلاثة أشهر على الأكثر وبغرامة لا تتجاوز المائة ليرة.المادة 537:1- تعاقب بالاعتقال المؤقت مدة لا تقل عن خمس سنوات الوالدة التي تقدم اتقاء للعار على قتل وليدها التي حبلت به سفاحاً.2- ولا تنقص العقوبة عن سبع سنوات إذا وقع الفعل عمداً. |
الوصمة لمن نجا من الموت
تحاول التشريعات السورية، شكلًا، تجنيب اللقطاء ومجهولي النسب الوصمة، من خلال منع الإشارة في السجلات بأن الطفل قد تم التقاطه أو أنه مجهول النسب، لكن جوهر التشريعات يشير إلى أن الوصمة حاصلة لا محال، كما تقول المحامية، ريم.ع.
تشير المحامية إلى أن المرسوم رقم 2، الصادر في 14 كانون الثاني 2023 يقول، “يعدّ مكان العثور على الطفل مجهول النسب هو مكان ولادته”، وهو ما يعني أن الطفل الذي تم التقاطه من مكب نفايات أو على رصيف أحد الشوارع سيحمل في سجلاته هذا المكان طوال حياته.
وتوضح د.سمر علي أستاذة علم الاجتماع في جامعة دمشق، أن نتائج التسيب على الطفل حديث الولادة الذي يتخلى عنه ذويه تبدأ منذ ولادته، إذ يمكن أن يتعرض للقتل بقصد أو بغير قصد، أو تشوهات أو أمراض ربما تلازمه طوال حياته.
وترى د.علي أن الطفل ينشأ بشخصية مهتزة، وسيواجه عندما يكبر مشاكل اجتماعية عند الزواج نتيجة غياب النسب، والوصمة الاجتماعية والرفض الاجتماعي المتوقع.
وترجح د.علي حدوث اضطرابات أسرية بعد الزواج لدى الأطفال اللقطاء.
طفلة سارة ولين، ومئات من حديثي الولادة يطرحون سنويًا إلى المجهول، ثمة من يعيش منهم ومن يموت دون أن يعلم به أحد.
ويبقى مصير هؤلاء الأطفال، إن عاشوا، قيد الوصمة أو رهن من يكفلهم، أو ضحايا لثقافة العار، وتبقى القضية مفتوحة على المجهول في ظل استمرار الصراع والفقر، وتقصير مؤسسات الدولة وقوى الأمر الواقع وقصور قوانينها وتشريعاتها.
إشراف: علي عيد
دعم فني: عمر مصطفى