خلال الأشهر الماضية، برز توجه النظام لفرض التعاملات المصرفية الإلكترونية عبر ربط العديد من التعاملات المالية بالحسابات البنكية، أو عن طريق حساب “كاش” المرتبط بشركتي الاتصالات “سيريتل” و”MTN سوريا”.
وفي أحدث قرار لمؤسسات النظام حول الحسابات المصرفية، فرضت وزارة النقل السورية على جميع مراجعيها ومراجعي الدوائر التابعة لها وجود حساب مصرفي، وفق ما نشرته عبر موقعها الرسمي، في 15 من أيلول الحالي.
وبررت الوزارة قرارها بالحد من وجود “السماسرة” الذين يطلبون مبالغ مقابل إجراء معاملات المواطنين في الوزارة.
دوافع النظام السوري
تعيش مناطق سيطرة النظام واقعًا اقتصاديًا متدهورًا مع نقص كبير في الخدمات الأساسية، وصولًا إلى تهالك أجهزة الصرف (الصرّافات الآلية) وعدم كفايتها، ما يتعارض مع ادعاءات المؤسسات الحكومية بأن القرارات مرتبطة بـ”التطور”.
هذا ما أظهره
الباحث في مجال الاقتصاد السياسي والإدارة المحلية بمركز “عمران للدراسات” أيمن الدسوقي، قال إن من دوافع النظام للتوجه للتعاملات الإلكترونية، رغبته بتقليل التكلفة المادية الناتجة عن الطباعة واستخدام الورق، لافتًا إلى وجود تعليمات حكومية بضرورة خفض المؤسسات مشترياتها من الورق.
وأضاف الباحث لعنب بلدي عبر محادثة إلكترونية، أن النظام يسعى لإتاحة الفرصة لتحصيل المزيد من الربح لشركات الدفع الإلكتروني والمصارف عن طريق التعاملات الإلكترونية.
ومن أبرز دوافع النظام، سعيه لتخفيف كتلة النقد المتداولة من الليرة السورية في السوق وتحويلها إلى قنوات إلكترونية، وفق ما قاله الدسوقي.
بدوره، أرجع الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو قرارات المؤسسات إلى سعي النظام لتخفيف دوران العملة، وتخفيض حجم الكتلة النقدية في السوق، إذ يسعى للحفاظ عليها ضمن المصارف.
كما توفر المعاملات البنكية سرعة أداء وتوفير بتكلفة المعاملات في حال وجود بنية تحتية تخدم ذلك، وفق ما ذكره الباحث.
غياب البنية التحتية والبرمجية
في وقت تبرر فيه حكومة النظام توجهها للتعاملات المالية الإلكترونية بـ”تسهيل معاملات المواطنين”، يعترض السوريون ضمن مناطق سيطرة النظام على هذا النوع من القرارات باعتبارها تعرقل معاملاتهم.
ويتجاهل النظام هذه الاعتراضات، في ضوء غياب البنية التحتية والبرمجية، وفق ما قاله الباحث أيمن الدسوقي.
وقال الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، إن التعاملات الإلكترونية مهمة وتقوم بدور أساسي بتسهيل المعاملات، لكنها غير قابلة للتطبيق في سوريا مع غياب المؤهلات الأساسية لذلك.
وأوضح شعبو أن السوريين يعانون مشكلات يومية بالإنترنت والكهرباء وتعطّل المواقع الإلكترونية الرسمية، ما يعكس صعوبة جعل المعاملات المالية إلكترونية.
كما تواجه المصارف خللًا إداريًا، تفاقم بعد أن ربط النظام بعض المعاملات بمصارف محددة غير قادرة على تأدية المهام الموكلة إليها، بحسب ما قاله شعبو، مشيرًا إلى أن ذلك ما دفع المؤسسات للتوجه إلى حساب “كاش” عبر “سيريتل” و”MTN سوريا”.
حساب “كاش”: يمكّن حاملي أرقام “سيريتل” و”MTN سوريا” من إنشاء حساب إلكتروني لاستخدامه بعمليات تسديد مبالغ لحساب تاجر أو تحويل أموال لحساب مشترك آخر، كما يمكن لهذا الحساب استقبال المبالغ المحوّلة من رقم آخر.
“دخول النقود إلى المصارف سهل، لكن خروجها صعب”، تابع شعبو، منوهًا إلى أثر تحديد مقدار السحب اليومي من المصارف على التعاملات التجارية في مناطق سيطرة النظام، إلى جانب أثره على الحياة اليومية في ظل انخفاض قيمة العملة.
وبلغت قيمة سقف السحب اليومي خمسة ملايين ليرة سوريا، بعد رفعها في 22 من شباط الماضي، لكن ذلك لم يقلل من رفض التجار والباعة قبض قيمة فواتيرهم عن طريق الحسابات المصرفية.
وتشهد العلاقة بين النظام المصرفي بشكل عام في سوريا والمتعاملين وعموم المواطنين حالة “قلة ثقة” لأسباب عديدة، أبرزها فرق سعر الصرف الذي يدفع المواطنين للتحويل عن طريق المكاتب غير القانونية، وفق ما قاله شعبو.
وأشار شعبو إلى أن جزءًا من عراقيل التوجه إلى المعاملات المالية الإلكترونية، هو رفض الأهالي التعاملات المالية الإلكترونية، بسبب عدم اطلاع شريحة كبيرة منهم على هذا النوع من التعاملات بعد سنوات من معاناتهم المتواصلة من آثار النزاع.
الأثر على المواطن
يعاني السوريون في مناطق النظام تعطل أجهزة الصرّاف الآلي، وصعوبة الحصول على موعد لفتح حساب بنكي، إلى جانب المشكلات المتعلقة بالانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، وقلة توفر الإنترنت في العديد من المناطق، بحسب ما رصدته عنب بلدي.
ورغم الاعتماد الكبير عليها في تسليم الرواتب ومعاملات البيع والشراء، تعتبر الصرّافات الآلية التابعة للمصرفين “العقاري” و”التجاري” هي الأقدم والأكثر أعطالًا، بالإضافة إلى بطء الصالح منها في تنفيذ المعاملات النقدية.
وتنعكس مشكلات الكهرباء وتعطل الصرّافات الآلية على الموظفين والمتعاملين بشكل سلبي، إذ تؤدي في بعض الحالات إلى تأخرهم بتسلّم رواتبهم، إلى جانب فقدان جزء من الرواتب إثر مشكلات تبررها المصارف بـ”أخطاء تقنية”.
كما أدت الأعطال المفاجئة إلى فقدان البعض بطاقاتهم التي ظلّت عالقة في أجهزة الصرف، وسط غياب الحلول المجدية لتلك المشكلات.
وفي 11 من نيسان الماضي، قال مدير في القطاع المصرفي لصحيفة “الوطن” المحلية، إن عدد الصرّافات مقارنة بالخدمة المطلوبة يعرقل عملها، إذ لا يتجاوز عدد الصرّافات العاملة في كل من “التجاري السوري” و”العقاري” 500 صرّاف بشكل فعلي، بينما تبلغ الحاجة نحو 5000 صرّاف.
لجين مراد _ عنب بلدي