النظام يستعجل “التعافي المبكر” في سوريا.. “مشكلة ذات شقين”

يبن العاصمة السورية دمشق، ونيويورك، ركز مسؤولو النظام السوري، خلال الأيام الماضية في تصريحاتهم على “توجه جديد” يتعلق بمشاريع “التعافي المبكر”، من رأس الهرم، بشار الأسد، وصولا إلى وزير خارجيته، فيصل المقداد، الذي عقد لقاء على هامش اجتماعات الجمعية العامة مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش. 

ووفق وكالة الأنباء السورية “سانا”، الاثنين، فقد “تعهد غوتيرش بالعمل على ضمان تمويل مشاريع التعافي المبكر، خاصة الكهرباء، التي تعد من أهم القطاعات الحيوية”، وأنه “سيواصل العمل مع الدول المعنية بهذا الشأن”.

بدوره أعرب المقداد عن شكره للأمين العام، مؤكدا على “ضرورة عدم عرقلة بعض الدول لتنفيذ القرار الأممي 2642، الخاص بمشاريع التعافي”.

وكان مجلس الأمن الدولي تبنى في شهر يوليو الماضي “القرار 2642″، الذي مدد بموجبه تفويض آلية إيصال المساعدات الإنسانية الأممية عبر الحدود من تركيا إلى سوريا لمدة ستة أشهر. وحصد 12 صوتا لصالحه، فيما امتنعت ثلاث دول عن التصويت هي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.

دمشق في المرتبة الأخيرة من تصنيف أفضل المدن لجودة العيش
يركز النظام السوري على قضية “التعافي المبكر” ومحاولة اقناع المجتمع الدولي بأن الأزمة انتهت

وجاء ذلك بعدما استخدمت موسكو حق النقض “الفيتو” لأكثر من مرة، إلى أن وافقت على التمديد لستة أشهر، على أن يتم دعم واستمرار “أنشطة التعافي المبكر” في مناطق سيطرة النظام السوري، والتركيز على عبور المساعدات من مناطق سيطرته، ضمن آلية “العبور عبر خطوط النزاع”.

ويعرّف مكتب الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) “التعافي المبكر” بأنه “نهج يتناول احتياجات الإنعاش التي تبرز خلال مرحلة الاستجابة الإنسانية، من خلال استخدام الآليات الإنسانية، التي تتوافق مع مبادئ التنمية“.

و”هذا النهج يمكّن الناس من الاستفادة من العمل الإنساني لاغتنام الفرص الإنمائية، وبناء القدرة على التكيف، وإنشاء عملية مستدامة للتعافي من الأزمة”.

لكن يعتبر نشطاء سوريون وعاملون في المجال الإنساني والحقوقي، في حديث لهم لموقع “الحرة”، أنه على الرغم من حاجة السوريين لتلك الأنشطة، في الوقت الحالي، إلا أن هناك الكثير من “الثغرات” يمكن من خلالها أن يستغل النظام السوري الكثير من الفسح.

وذلك ما يتعلق بآليات تنفيذ هذه المشاريع على الأرض، وتلك الخاصة بعمليات “المراقبة”، والسؤال الأبرز، الذي يتعلق بكيف يمكن التأكد من عدم استفادة النظام السوري ومتنفيذه منها على الخصوص؟

“مشكلة ذات شقين”

لم يلتق المقداد غوتيرش فقط في نيويورك، بل عقد أيضا اجتماعا مع مدير “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي”، أخيم شتاينر، وناقش معه “دعم أنشطة التعافي، بما في ذلك تعزيز الوصول إلى الكهرباء والخدمات الحيوية، لتقوية مرونة المجتمعات المحلية”.

وقبل ذلك، التقى الأسد المفوّض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، في العاصمة دمشق، وأكد أن “التعافي المبكر” في سورية، يجب أن ينجز “بسرعة”، خاصة في بعض المناطق في ما يتعلق بالمياه والكهرباء.

وجاء ذلك بعدما بحث نائب وزير الخارجية السوري، بشار الجعفري، مشاريع “التعافي” مع عدد من ممثلي وكالات الأمم المتحدة، في العاصمة دمشق، حسب وكالة الأنباء السورية.

واللافت أن كل هذه اللقاءات حصلت في غضون 10 أيام فقط. 

وتزامن ذلك مع الحديث الذي يتزايد بكثرة عن خطوات لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، في وقت طلبت فيه منظمات حقوقية ومحلية ودولية من رئيس مفوضية اللاجئين غراندي إيقاف جميع البرامج الرامية لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، على اعتبار أن سورية “ليست آمنة”.

السلطات اللبنانية تشترط على الطلاب اللاجئين السوريين تقديم وثائق رسمية من الصعب توفيرها
بدأت تحركات لمحاولة إعادة اللاجئين السوريين غلى بلادهم وسط تحذيرات من العواقب لعدم توفر الأمن

يتحدث الطبيب، محمد كتوب، وهو ناشط في مجال العمل الإنساني و الحقوقي، عن “مشكلة لها شقين”، بقوله: “أولا أن تخصيصات التعافي المبكر لا نراها خارج منطقة النظام السوري. بينما الأخير يوظف كل شيء لمصلحته، وبالتالي المستفيد من كل الاستجابة هو والمقربون منه، وليس سكان المناطق التي يسيطر عليها”.

ويضيف كتوب لموقع “الحرة” أن “هناك توجيها للتعافي المبكر باتجاه مناطق سيطرة النظام في برامج الأمم المتحدة، بينما في مناطق المعارضة ما زالت استجابة طوارئ”.

وتعتبر الزيارات واللقاءات التي حصلت، في الفترة الأخيرة، “ذات خلفية سياسية، رغم أنها لم تنعكس حتى الآن. وقد تكون أيضا “بداية لحلول ما بين الأطراف”، حسب تعبير الطبيب السوري.

ويتابع قوله: “بدأنا نرى هذه الخطوات. بشكل واضح هناك خلفية سياسية لكل هذه التغييرات”.

وتؤكد الأمم المتحدة باستمرار، وكذلك الأمر بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي أن موقفها لم يتغير، وأنها مع الحل السياسي في سوريا، لإعادة الحقوق، لكن الناشط في المجال الإنساني والحقوقي يرى أن ما يحصل “غير ذلك”، وأن التعافي المبكر قد يكون “طريقا لإعادة العلاقات”.

ويوضح، المهندس مظهر شربجي، الذي شغل سابقا رئيس شعبة المهندسين بريف العاصمة دمشق، أن قضية “التعافي” كانت مطروحة منذ أكثر من عامين أو ثلاثة أعوام، ويتم العمل عليها بالخصوص في مناطق سيطرة النظام السوري، في المدن التي تهجّرت العائلات منها. 

وفي مناطق المعارضة السورية “توجد مشاريع خجولة مثل ترميم نوافذ وأبواب”. 

ويعتبر شربجي في حديث لموقع “الحرة” أن “الظاهر على الوضع السياسي هو محاولة إرضاء الأطراف بحيث يكون هناك توافقات. قد يكون التدخل الروسي أو من جانب الدول أصحاب القرار له دور لدعم هذا الملف، من أجل إعادة الناس، وللعودة الطوعية”.

“مرحلة ما بعد الصراع”

في غضون ذلك، ومنذ بداية شهر أغسطس الماضي، أجرى رئيس البعثة الأوروبية، دان ستوينيسكو، زيارتين إلى مناطق النظام السوري، واستهدفت ثلاث محافظات سورية، هي حلب ودمشق وحمص.

وكانت هذه الزيارات هي الأولى من نوعها منذ عام 2011، وأدرجت ضمن خطوات دعم “مشاريع التعافي” أيضا، فيما أكد رئيس البعثة في تصريحات سابقة لموقع “الحرة” أن خطواته لم تتم بالتنسيق مع النظام السوري، وأنها “لا تعني شرعنته”.

ويعتبر “الاتحاد الأوروبي” أكبر مانح “للأزمة السورية من خلال المشروعات الممولة في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك المحافظات السورية الثلاث”.

وأضاف ستوينيسكو، حينها أن “من الأهمية بمكان أن يعرف جميع السوريين أنه بخلاف خلافاتنا السياسية الجادة مع دمشق، فإن الاتحاد الأوروبي يمول المشاريع الإنسانية على الأرض التي لا تنقذ الأرواح فحسب، بل تعمل أيضا على تحسين سبل العيش وتعزيز المرونة والتماسك الاجتماعي”.

جانب من الدمار الذي تسبب فيه القصف الروسي لمدينة حلب (أرشيف)
الحرب الدائرة في سوريا أدت إلى دمار هائل في البنى التحتية- الصورة من حلب

ويرى الطبيب كتوب أن “هناك تسويقا لمرحلة ما بعد الصراع، وأن الحكومة السورية تغير سياستها وسلوكها وتحسّن حالة حقوق الإنسان”، وذلك ما يترجم “بوثائق يتم تثبيتها في الأمم المتحدة”.

وتحدث كتوب عن “تقرير الاستعراض الدولي الشامل الذي قدمه النظام السوري مؤخرا، وتناول فيه سردية أن سوريا تتحسن فيها حالة حقوق الإنسان، وهناك قوانين جديدة تسن، وأن سوريا لها 3 مشاكل فقط هي: العقوبات والإرهاب والتدخل الدولي”.

وقد تقدم هذا التقرير لـ”مجلس حقوق الإنسان”، وتم قبوله.

ويضيف كتوب قوله: “أيضا كان هناك إطار استراتيجي في الأمم المتحدة خاص سوريا”، وأنهم “أرسلوا تحفظات تدينه من قرارات ومبادئ الأمم المتحدة نفسها”، مشيرا: “الإطار يروج لسردية جديدة بأن الوضع يتحسن في سوريا، والبلاد دخلت في مرحلة ما بعد الصراع، ويجب إعادة الإعمار والتعافي”.

“هذه السردية التي يروج لها النظام بعدة جبهات وعدة تقارير”، وتتزامن مع الخطوات المتجهة نحو “مشاريع التعافي”.

من جانب آخر، يشير المهندس شربجي إلى “مخاوف للمستقبل القريب تتعلق بتحويل المساعدات الأممية من المعابر الحدودية إلى مناطق سيطرة النظام السوري، لكي يتم توزيعها من داخل مناطق سيطرته”.

“جدل حول المراقبة”

وتسود ضبابية حول آليات المراقبة التي تتم من خلالها عملية تنفيذ المشاريع في مناطق سيطرة النظام السوري.

ووفق “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية” فإن “للنظام السوري سجل حافل في اختلاس المساعدات واستخدامها كسِلاح، سواءٌ من خلال توزيعها في المناطق الموالِـية وحدها، أو التلاعب بسعر صرف الحوالات المالية للمساعدات، أو توظيف عُمال المساعدات والمشـتريات من مقـربيه”.

يقول الدكتور، كرم شعار، مدير البرنامج السوري في المرصد إن “موقف الأمم المتحدة واضح، هي تدعم هذه المشاريع بأي شكل، وتحاول الشرح للدول المتبرعة بأن هذا المسار جيد”.

لكنه يضيف لموقع “الحرة”: “الدول المتبرعة لا تعرف كيف تتم هذه المشاريع، ومن يقف وراء عملية التنفيذ”، حسب تعبيره.

ويوضح شعار أنه “يجب التأكد من أن المبالغ التي يتم تقديمها لتنفيذه لا يتم نهب جزء منها من جانب النظام السوري، وأنه ينفذ من جانب المسؤولين كما يجب”.

“ويقول: النظام السوري استطاع بشكل أو بآخر في الفترة الأخيرة ترويض الأمم المتحدة، وإجبارها على العمل ضمن الحدود التي يعرفها. هذا الشيء عمل عليه من خلال عدة أدوات”.

واعتبر شعار أن “الدول المتبرعة ليست على دراية كاملة بواقع الأمور على الأرض. وكذلك الأمر بالنسبة للاتحاد الأوروبي. هو على دراية جزئية بكيف يتم إنفاق أمواله بشكل كامل في سوريا”.

وغالبا ما يتم تنفيذ مشاريع المانحين الدوليين في مناطق سيطرة النظام السوري، إما عبر “وكالات الأمم المتحدة أو من خلال المنظمات الدولية”.

ويقول كتوب، من جهته، إن “عمليات المراقبة التي تحصل يجب أن تكون عبر الآليات التي يفرضها المانح، أو تلك الموجودة أساسا لدى الجهات المنفذة، سواء الأممية أو المنظمات الدولية”.

ويضيف أن “عمليات الرقابة هي أحد الأشياء التي يستطيع النظام يخترقها، وبالذات بالنسبة لمشاريع وكالات الأمم المتحدة”.

مخاوف من تدهور الأوضاع الصحية في شمال وشرق سوريا وسط غياب المساعدات
تقدم الأمم المتحدة مساعدات ذغائية ودوائية للسوريين في ظل أزمة وظروف معيشية قاسية

ويوضح كتوب أنه “في مناطق سيطرة النظام السوري لا يمكن لأحد الاستفادة من مشاريع الخدمة العامة من خلال المناقصات الحكومية أو الدولية إلا في حال كان مقربا أو مرضيا عليه أو متنفذا”.

أما في المناطق الواقعة خارح سيطرته فيختلف الوضع من منطقة إلى أخرى، من الشمال الشرقي، وصولا إلى أقصى الغرب.

وفي شرق سوريا لا يوجد انخراط للأمم المتحدة، سوى من خلال مكتب القامشلي الذي يتبع لدمشق. وبالتالي يتم تنفيذ المشاريع من خلال شركاء محليين أو دوليين، بينما هناك نقص في المساعدات والتنظيم والخبرات.

في حين وبعد سيطرة “هيئة تحرير الشام” على محافظة إدلب انسحبت غالبية مشاريع “التعافي المبكر” عقب 2018، لتبقى مقتصرة على “الاستجابة الطارئة”. 

ويشير كتوب إلى أن “المشاريع ليست خاطئة، الناس لا ذنب لها لكي تنتظر الحلول السياسية المعقدة، لكن يجب أن يكون التعافي متوازن، وأن لا يعزز سلطة النظام السوري، وأن تكون له آليات رقابة واضحة”.

ضياء عودة _ الحرة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...
ماروتا سيتي دمشق

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...
جمعية الأمل لمكافحة السرطان

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...

الأكثر قراءة