يبدو أن الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع الحرب الروسية في أوكرانيا تسير بخطىً ثابتة، بعد الهجوم الأول الذي بدأ بتفوق روسي واضح وسيطرة الجيش الروسي على ما يقارب ثلث مساحة أوكرانيا، والاقتراب من تحقيق أهداف العملية الروسية في السيطرة على الأقاليم الانفصالية وضمها لاحقاً إلى روسيا كما هو مخطط، ثم توقفت الاندفاعة الروسية نحو كييف بفعل عدة أسباب.
إذ بينما كانت الخطة الروسية تقتضي السيطرة على كييف خلال فترة قصيرة وإسقاط حكومتها وإقامة حكم موالي لروسيا، كان للصمود الأوكراني والدعم الغربي دورٌ بارز في عرقلة هذا التقدم، فتحول هذا التقدم إلى مأزق يستنزف روسيا، خاصة مع الهجوم المعاكس الذي يشنه الجيش الأوكراني، ما تسبب بخلل واضح في التعاطي الروسي، تمثل بعدد من الإجراءات التي قامت بها القيادة الروسية بدت وكأنها انعكاس لتخبط داخلها؛ كإقالة عدد من القادة العسكريين كان آخرهم نائب وزير الدفاع المسؤول عن الإمدادات واللوجستيات في الجيش الروسي، الجنرال ديمتري بولغاكوف؛ بسبب فشله في عمليات الدعم اللوجستي للقوات التي أصبحت شبه معزولة في بعض المناطق الأوكرانية.
كذلك دعوة بوتين لإعطاء الجنسية الروسية للأجانب الذين يقاتلون مع الجيش الروسي لمدة تزيد عن العام، في عملية تجنيد للمرتزقة.
خروج وزير الخارجية الروسي لافروف عن هدوئه المعروف ودبلوماسيته، خلال خطابه في مجلس الأمن، يعكس حالة التوتر الروسية حين أطلق شتائم بحق الرئيس الأوكراني زيلنسكي.
لعلّ القرار الأكثر وضوحاً عن حالة الجيش الروسي، هو إعلان بوتين عن التعبئة الجزئية واستدعاء ما يقارب ال ٣٠٠ ألف شاب للخدمة العسكرية، ما تسبب بموجة هروب للشباب في دليل واضح على رفضهم الحرب.
السؤال الذي يخطر لكثير من المتابعين؛
هل يشبه التدخل الروسي في أوكرانيا تدخله في سوريا؟
لعل الإجابة بنعم أو لا، لا تعطي جواباً شافياً ومقنعاً.
المتغير الأول بين الحالتين هو الموقع الجيوسياسي، ففي حين تقع سوريا على أطراف أوربا البعيدة، فإن أوكرانيا تعتبر عمقاً أوربياً ذا تأثير مباشر على الداخل الأوربي.
ثانياً طبيعة التدخل الروسي؛ ففي الحالة السورية كان التدخل تدريجياً وبصورة مختلفة اعتمدت فيها روسيا على دعوة أحد طرفي الصراع، أمَّا في الحالة الأوكرانية فإن التدخل الروسي كان مباشراً وبحق دولة تامة السيادة ولديها اتفاقيات تعاون سياسي واقتصادي وعسكري مع عديد من الدول.
التعامل مع التدخل في سوريا يأتي من منظور اختلاف الرؤى للحل العسكري والسياسي فيها، وهذا ما ظهر في تفسيرات القرار ٢٢٥٤، أمَّا في أوكرانيا فأخذ شكلاً عدائياً واضحاً.
في كلا التدخلين لم تحرز روسيا التقدم المنشود، ولم تحقق جميع أهدافها، وإن كان هناك تمايز في تأثير تدخلها فمرده الأساس إلى طبيعة وحجم الدعم السياسي -وهو الأهم- والعسكري لأوكرانيا، واقتصاره في سوريا على دعم إعلامي، وسياسي عسكري بحده الأدنى، وذلك كما أسلفنا بسبب طبيعة تأثير كلا الصراعين على أوربا والولايات المتحدة.
يراهن بوتين على كلا الملفين من أجل الضغط على الغرب، ففي سوريا يراهن على تعويم النظام السوري والتحالف مع إيران والعلاقات السياسية مع تركيا، وبالتالي الضغط باتجاه إيجاد حل روسي للقضية السورية.
فيما يراهن في أوكرانيا على الجانب الاقتصادي وتأثر أوربا من قطع إمدادات الطاقة والغاز بشكل خاص، وبالتالي على التغير الناتج عن المشاكل التي ستعاني منها اقتصادات الدول الأوربية، مما يوثر على الناخب الأوربي وهذا ما ظهر في السويد، ولاحقاً تقدم اليمين الإيطالي في استطلاعات الرأي واحتمالات فوزه.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الغرب يسبق بوتين بخطوة، هو عملياً يدرك أنه لايستطيع القضاء عليه عسكرياً.
وبالمناسبة، لا يستطيع الغرب هزيمة أصغر بلد عسكرياً، هو فقط يعمل على إحداث فوضى فيه كما حصل في ليبيا والعراق، لذلك هو يعلم أنه لا يستطيع مثلاً المواجهة التامة مع إيران، فكيف بدولة مثل روسيا!
لذلك يحاول الغرب/ الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وحلفاؤهم مثل كندا وأستراليا واليابان تحطيم أدوات بوتين الداخلية، كجزء من محاولة إعادته لحجم روسيا بداية التسعينيات من القرن الماضي.
الخطوة الأخيرة
كان الغرب يدرك أنّ بوتين أصبح بحاجة لمقاتلين، وسيعلن التعبئة العامة لاحقاً؛
لذلك أصدرت أكثر من دولة قراراً بمنع إعطاء “فيز” أو دخول الروس إليها،
ما سيسبب ضغطاً على الفارين من التعبئة العامة وتحويلهم إلى قوة ضاغطة على بوتين، تضاف لما يعانيه المجتمع من ضغوط اقتصادية قد تودي به للانفجار، وهذا ما يراهن عليه الغرب ضمن عدة سيناريوهات محتملة.
فراس علاوي _ الطريق