في الخامس من الشهر الجاري، أعلن بيان لوزارة الخارجية الجزائرية أن وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة، أجرى اتصالاً هاتفياً مع نظيره السوري فيصل المقداد، ودار النقاش حول ما سُمِّي بعودة سوريا للجامعة العربية، حيث نقل عن العمامرة قوله إنّ المقداد أكد أنّ بلاده “تفضل عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعدها بجامعة الدول العربية” خلال القمة العربية التي ستحتضنها الجزائر مطلع نوفمبر المقبل.
وكان موضوع عودة سوريا/النظام لمقعدها في الجامعة العربية، قد أخذ حيزاً كبيراً من النقاش العربي؛ ما تسبب بتأجيل انعقاد القمة التي كان من المزمع انعقادها منتصف شهر آذار من العام الحالي.
وكانت الجامعة العربية قد قررت سابقاً عبر اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب، عُقد قي القاهرة في ١٢ تشرين الثاني ٢٠١١، تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية اعتباراً من السادس عشر من الشهر نفسه، حتى تعلن حكومة دمشق التزامها بتنفيذ بنود المبادرة العربية.
وأعلن البيان الذي تلاه حينها وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم، فرض عقوبات اقتصادية وسياسية، وتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية وترك مقعدها شاغراً، ودعوة الدول العربية حسب ما يناسب كل دولة، لسحب سفرائها من دمشق، حتى تنفيذ ما سمي بتعهداتها لتنفيذ المبادرة العربية للأزمة السورية.
منذ ذلك الوقت، يشهد كل اجتماع مقرر للجامعة العربية سواء على مستوى القادة أو المستويات الأدنى، نقاشاً حول عودة دمشق، وانقسمت الدول العربية إلى ثلاثة أقسام:
الأول رافض لعودة دمشق حتى تزول الأسباب التي أدت لتجميد عضويتها، وتقوده قطر والسعودية ومصر لاحقاً.
الثاني يطالب بعودة سوريا للجامعة، وتقدم بعدة مبادرات لذلك، وتقوده الجزائر والعراق ولبنان والإمارات.
الثالث موقف متغير بين دعم كلا الطرفين، أو البقاء على الحياد كموقف الأردن وعمان والكويت وباقي الدول العربية.
خلال هذه الأعوام وفي غمرة السجال بين الأطراف العربية، أعطي المقعد لدورة واحدة للائتلاف السوري المعارض، فقد سلّمت الجامعة العربية مقعد سوريا في الجامعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، خلال أعمال القمة الرابعة والعشرين لجامعة الدول العربية، المقامة في العاصمة القطرية الدوحة يوم ٢٦ آذار ٢٠١٣، إلى أن سحب منه التمثيل في قمة الكويت اللاحقة؛ بسبب اعتراض عدد من الدول العربية على التمثيل، وفي مقدمتها الجزائر والعراق ولبنان وعمان.
هذا الاختلاف استمر على الرغم من المبادرة التي أعلن عنها الملك الأردني نهاية العام ٢٠٢١ التي تعمل على إعادة النظام السوري للجامعة العربية، وبدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة والدول التي كانت دوماً منحازة في مواقفها مع نظام الأسد، والتي أفرغت القرارات العربية من مضمونها بسبب آلية اتخاذ القرار في مؤسسات الجامعة العربية.
الجهود التي بذلتها الدول التي تقود محور إعادة تعويم النظام، والتي ترتكز على نظرية استعادة نظام الأسد من الحضن الإيراني عبر إعطائه تطمينات بإعادته للجامعة العربية وتفعيل دور سوريا في مؤسساتها، هذه الجهود التي تبنتها الجزائر، شهدت معارضة قوية من تيار الرفض الذي تقوده السعودية وقطر ولاحقاً مصر، والتي اعتمدت على قرار التجميد نفسه، وهذا ما أكده أمير دولة قطر في حديثه لصحيفة لوبوان الفرنسية حول عدم عودة دمشق وحضورها قمة الجزائر؛ بسبب عدم تغيير النظام لسلوكه بحق السوريين. هذا القرار حول عدم إعادة الشرعية للنظام يستند إلى الرفض الأمريكي المعلن لإعادة تعويم الأسد ولقانون سيزر الذي يعاقب كل من يتعامل مع نظام الأسد بغية إعادة تعويمه.
الموقف الأمريكي ساهم في تحجيم الاندفاعة العربية، الأمر الذي أحرج الدولة المضيفة الجزائر التي بحثت عن مخرج لهذا المأزق، والذي بدا واضحاً في تصريح وزير الخارجية العمامرة بأن عدم الحضور جاء برغبة من دمشق.
مع تداول أنباء حول دعوة الجزائر بشار الأسد لزيارة العاصمة الجزائرية بعيد انعقاد القمة العربية، كنوع من التعويض عن عدم دعوته، في محاولة تعويم جديدة للنظام السوري.
في المحصلة، فإن الرفض العربي الذي تمثله القوى الكبرى عربياً على الساحة السياسية، الممثلة بالدور السعودي والمصري وبدعم قطري واضح، يؤكد على أن نظام الأسد لايزال معزولاً على الصعيد العربي وكذلك على الصعيد الدولي، في ظل الموقف الأمريكي من النظام السوري وحليفتيه روسيا وإيران، حيث تتحول الأرض السورية لصندوق بريد بين الأطراف المتصارعة إقليمياً ودولياً.
فراس علاوي _ الطريق