تكررت في مناطق مختلفة من سوريا، عمليات القصف الإسرائيلي والأمريكي على مواقع تتخذها إيران مقار لقواتها أو لميليشيا تابعة لها، منها مواقع عسكرية تتبع لقوات النظام، ومنشآت مشتبه بتطويرها أسلحة أو احتوائها مخازن للأسلحة، وصولًا إلى مهابط مطارات مدنية، كما حصل في مطاري “دمشق” و”حلب” الدوليين مؤخرًا.
ومع محاولات النظام إظهار هذا القصف على أنه استهداف لمنشآت مدنية أو حكومية، تحدثت تقارير إسرائيلية (غير رسمية) خلال العديد من المناسبات، عن أن بعض هذه الاستهدافات طال مواقع لإيران في سوريا، وأخرى اعترضت شحنات أسلحة إيرانية، حالها كحال الاستهداف الأمريكي لمواقع وُصفت بأنها إيرانية بمحافظة دير الزور، في آب الماضي.
بينما حاولت إيران إظهار هذا القصف على أنه “استهداف البنية التحتية في سوريا”، بحسب ما جاء عبر الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الإيرانية حينها.
ومع اشتداد وتيرة هذه الاستهدافات، أثير التساؤل حول الغاية الإيرانية من الإصرار على خرق الرقابة الإسرائيلية- الأمريكية في سوريا، خلال السنوات الماضية.
إلى ماذا تسعى إيران؟
مع توسع رقعة الاستهدافات الإسرائيلية والأمريكية لمواقع إيرانية في سوريا، كان أحدثها القصف الإسرائيلي لمطار “حلب الدولي”، مطلع أيلول الحالي، نفت إيران وجود نشاط عسكري أو استخباراتي لها في المنطقة، بينما أكد الطرف الآخر أنه استهدف مواقع إيرانية في سوريا.
وذكرت وكالة “تسنيم” الإيرانية للأنباء، أن إسرائيل استهدفت مطار “حلب” بثلاثة صواريخ، وأفادت بعض المصادر بإطلاق خمسة صواريخ ألحقت أضرارًا بالمدرج.
وأضافت أن إسرائيل استخدمت أجواء شرق الفرات الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وقوات التحالف الدولي لقصف المطار، في حين كان على الطائرات الإسرائيلية استخدام الأجواء الأردنية لدخول المنطقة.
التصريحات الإيرانية، وحديث النظام السوري عن أن الطيران الإسرائيلي يستهدف منشآت مدنية وحكومية، لا تعكس حقيقة هذه الاستهدافات، برأي الباحث المختص بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي.
وعلى صعيد التغييرات الأخيرة من قصف أمريكي شرقي سوريا، وآخر إسرائيلي شمالها، اعتبر النعيمي أنها تندرج ضمن إطار تعزيز إيران قواعدها العسكرية في المنطقتين، مضيفًا أنها كانت ولا تزال تسعى لتمرير شحنات من الأسلحة لهذه القواعد رغم الرقابة المفروضة من قبل إسرائيل وأمريكا.
وعلى صعيد محافظة دير الزور مثلًا، تمثّل قاعدة “الإمام علي” قيمة رمزية ودينية للمشروع الإيراني في المنطقة، بحسب الباحث، إذ إن “مهندس المشروع الإيراني الخارجي” قاسم سليماني هو من أنشأ هذه القاعدة، كما تعتبر مكانًا مهمًا لتخزين الأسلحة القادمة من طهران والعراق إلى سوريا، حالها كحال مناطق متعددة من ريف حلب الشرقي، حيث تتمركز ميليشيات موالية لإيران يديرها “الحرس الثوري الإيراني”.
الاستراتيجية الإيرانية لم تتغير
بالنظر إلى الإصرار الإيراني على خرق الرقابة الأمريكية- الإسرائيلية في سوريا، والاستهدافات المتكررة من قبل الطرفين لإيران خلال الأشهر الماضية، اعتبر الباحث مصطفى النعيمي، أن الاستراتيجية الإيرانية “لم تتغير”، رغم الاستهدافات المتكررة.
وأشار إلى أن المتغيرات الجارية في سوريا، أسهمت بشكل أو بآخر بتعزيز قدرات إيران التكتيكية في مواجهة خصومها بالوقت الراهن.
ويرى أن الضربات ضد إيران، مؤخرًا، في سوريا، لن تغير من استراتيجيتها مطلقًا، بل زادت من حدة عمليات تهريب الأسلحة إليها.
وبحسب النعيمي، فإن التصعيد ضد إيران في سوريا، ما هو إلا مؤشر على زيادة زخم تهريب شحنات الأسلحة للميليشيات الموالية لها.
وباتت طهران تعتمد استراتيجية “توسيع نطاق خطوط التهريب”، إذ تنقل شحنات الأسلحة عبر الجو والبر والبحر في آن واحد، وذلك من أجل إيصال رسائل لخصومها بأنها في تلك الخطوة قادرة على تغيير قواعد اللعبة من خلال هذه الاستراتيجية.
لكن يبقى السؤال، لماذا وسعت طهران من حجم خطوط التهريب، وما تأثير هذه الاستراتيجية على تموضع ميليشياتها في سوريا.
وبناء على ما سبق، قال النعيمي، إن إيران باتت تستغل وتستخدم ميليشياتها في سوريا دروعًا عسكرية متقدمة، والغاية منها تخفيف العبء السياسي الممارس عليها في الأروقة الدولية، فيما يتعلق بملفات التفاوض النووي الإيراني.
لكن بالمقابل، وسعت أمريكا وإسرائيل نطاق أهدافهما في سوريا، لتتناسب مع حجم المخاطر التي تواجههما في عمليات التموضع الإيراني بالمنطقة.
وبتلك المتغيرات التكتيكية بين الخصوم، اعتبر النعيمي أن مسار التصعيد يتجه نحو مزيد من المواجهة، ولربما قد تتوسع دائرة الاستهداف، لتشمل أهدافًا داخل الجارة العراق، باستهداف القواعد والممثليات الدولية والأمريكية.
الردود “متبادلة”
تتموضع القواعد العسكرية الأمريكية في سوريا على مشارف معظم القواعد الإيرانية الممتدة بالقرب من الشريط الحدودي مع العراق، كقاعدة “التنف” المعروفة باسم “منطقة 55 كيلومترًا”، الواقعة على المثلث الحدودي الأردني- العراقي- السوري، إضافة إلى قاعدة “حقل العمر” شرقي دير الزور، بالقرب من الحدود العراقية- السورية، وقاعدة “الشدادي” على الحدود نفسها.
بالمقابل، تتمركز إيران في مدينتي الميادين والبوكمال شرقي دير الزور، إضافة إلى مناطق متفرقة من البادية السورية على الحدود العراقية- السورية.
وفي آب الماضي، استهدفت أمريكا مواقع إيرانية بمدينة الميادين شرقي دير الزور، هذا الاستهداف لم يكن الأول، لكنه يختلف عن السابق، إذ طال أحد المستودعات الكبيرة التابعة للميليشيات الإيرانية في المنطقة.
لكن هذا الاستهداف، بطبيعة الحال، لم يكن مؤثرًا بالشكل الكافي لدفع إيران إلى تغيير استراتيجيتها في المنطقة التي تعتبر ممرًا للأسلحة الإيرانية إلى سوريا، بحسب النعيمي.
واعتبر أن هذا الاستهداف جاء في سياق “الردود المتبادلة”، إذ استهدفت ميليشيات موالية لإيران قبل ذلك بأيام القاعدة الأمريكية في حقل “العمر” النفطي بالمنطقة نفسها.
السياسة الأمريكية في الاستهدافات، اعتبرها مصطفى النعيمي مجرد استهداف لـ”فائض القوة المستقدمة إلى الميليشيات الإيرانية”، وليس الهدف منها إضعافها بشكل فعلي.
وعلى وجه التحديد، تعمد أمريكا إلى استهداف البرنامجين الصاروخي والطائرات المسيّرة الإيرانية، لكن هذه الاستهدافات لم تتجاوز حتى اللحظة مفهوم “نطاق قواعد الاشتباك المنضبطة”.
ولم تلجأ أمريكا إلى الآن لتوسيع نطاق الاشتباك مع حلفاء إيران في سوريا والعراق، إذ لا تزال تفصل ملفات الانتشار الإيراني في البلدين، رغم أن المسيّرات الإيرانية “المذخرة” التي استهدفت القواعد الأمريكية في سوريا، قدمت من الداخل العراقي لتستهدف قاعدة “التنف” العسكرية.
النظام.. بيانات وشكاوى
يكتفي النظام السوري بالتهديد بالرد على ضربات إسرائيل في سوريا، وتقديم الشكاوى لجهات دولية، معترضًا على الاستهدافات الإسرائيلية.
وعن قصف مطار “حلب” في 7 من أيلول الحالي، قالت وزارة الخارجية والمغتربين في رسالة وجهتها لكل من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن، إن المؤسسة العامة للطيران المدني في سوريا ستتقدم بشكوى رسمية إلى المنظمة الدولية للطيران المدني ضد إسرائيل على خلفية قصفها للمطار.
وسبق ذلك، في 31 من آب الماضي، حديث وزير الخارجية في حكومة النظام السوري، فيصل المقداد، أن “إسرائيل تلعب بالنار، وتعرّض الأوضاع الأمنية والعسكرية في المنطقة للتفجير”.
وهدد المقداد بقوله، إن سوريا لن تسكت في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، و”سيدفع الإسرائيليون الثمن عاجلًا أم آجلًا”، وذلك في تغريدة نشرتها الوزارة عبر حسابها في “تويتر“، في 1 من أيلول الحالي.
وطالب بأن تتحمّل أمريكا والدول الغربية مسؤولية “تشجيع” إسرائيل على “التمادي في العدوان” على الأراضي السورية، بحسب تعبيره.
خالد الجرعتلي _ عنب بلدي