قد يكون حكم محكمة النقض الفرنسية الصادر بحق رفعت الأسد، قبل يومين، مناسبةً لمراجعة بعض أبرز النظريات التي شغلت السوريين، بعيد عودته المفاجئة إلى البلاد، قبل نحو عام. وقد تكون كذلك مناسبةً لطيّ صفحة بعض الرهانات التي أثبت الزمن بطلانها إلى حدٍ كبيرٍ.
لكن دعنا نقف بدايةً عند أكثر الأسئلة إلحاحاً، التي شغلت السوريين على هامش خبر الحكم النهائي بحق ثروة رفعت المُصادرة، وسجنه “الغيابي” في فرنسا. ما مصير ثروة الرجل التي صادرتها السلطات الفرنسية، والتي تقدّر بنحو 90 مليون يورو؟
وفق قانون أقره البرلمان الفرنسي عام 2021، يتعلق بإعادة الأصول التي حصل عليها زعماء أجانب عن طريق الاحتيال، من المفترض أن تتم إعادة الأصول والأموال المُصادرة إلى سوريا. لكن أيّ سوريا؟ يبدو أن هناك إجابتين مرجحتين، نظراً للإحراج الذي تسبب به السماح بفرار رفعت الأسد للحكومة الفرنسية، قبل نحو عام. الإجابة الأولى أن توزع فرنسا ما يعادل 90 مليون يورو، على اللاجئين السوريين في مخيمات اللجوء. أمّا الإجابة الثانية، فهي أن تبقى تلك الأموال مجمدة إلى حين تشكيل حكومة سورية تحظى بعلاقات رسمية مع الغرب. ويبدو السيناريو الثالث مستبعداً في الأفق المنظور، أي أن تُسلَّم هذه الأموال إلى حكومة نظام بشار الأسد في دمشق.
وهنا نستطيع العودة لمراجعة أبرز الرهانات التي نُوقشت بكثافة، بعيد عودة رفعت الأسد إلى سوريا، في تشرين الأول/أكتوبر الفائت. تحديداً، تلك التي تتعلق بالدور السياسي المحتمل له، داخل الطائفة العلوية. وهو أمر مضت عليه نحو سنة، دون أن نرى أي ترجمة له على الأرض.
بعيد عودة رفعت، نُشر الكثير من التخمينات وما كان يوصف بأنه تسريبات. بعضها من أشخاص قريبين من دائرة رفعت الأسد ذاتها. إحدى أكثر تلك النظريات شيوعاً، أن عودة رفعت الأسد كانت بصفقة مخابراتية، روسية – فرنسية، بموافقة بشار الأسد.
وحينها، تم الحديث عن مخاوف الروس من تململ داخل الطائفة العلوية من أداء بشار الأسد، وتدهور أوضاعهم المعيشية، فكان أن راهنت موسكو على دورٍ يمكن أن يلعبه رفعت الأسد وأولاده، داخل الطائفة، لتمتينها، وربما لتجهيز بديل عن بشار، في حال حصلت أزمة استقرار خطيرة داخل قاعدة الحكم الطائفية.
ومما دعم هذه النظرية، رواية تم تداولها بكثافة، حول كيفية مغادرة رفعت للأراضي الفرنسية. تقول الرواية إنه غادر فرنسا إلى بيلاروسيا الحليفة المقرّبة من روسيا. ومن هناك تم ترتيب إجراءات عودته إلى دمشق، بتنسيق مع موسكو.
لكن هذه الرواية نقضتها لاحقاً رواية أخرى، نشرتها صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، إذ قالت إن الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف في أيلول/سبتمبر 2021 -الذي أيدته محكمة النقض قبل يومين- لم يقترن بأمر إلقاء قبض على رفعت. ولم يحدد القضاء الفرنسي أدنى خطر بالفرار، لذا لم تفرض أي مراجعة قضائية، ولم يُطلب من رفعت تسليم جواز سفره، فغادر الرجل الأراضي الفرنسية، مستقلاً رحلة تجارية من باريس إلى بيروت. ومنها، عاد إلى دمشق.
الرواية الثانية، التي تعبّر عن التساهل الفرنسي الكبير حيال عم رأس النظام، يقودنا إلى النظرية الأكثر موثوقية التي تحدثت عنها صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، بعيد عودة رفعت إلى سوريا. والتي يمكن إيجازها، بأن رفعت قدّم خدمات “جليلة” للمخابرات الفرنسية، تحديداً في الثمانينيات، جعلته مقرّباً من النخبة الحاكمة حينها. وقادت خدمات رفعت لفرنسا، إلى منحه “وسام الشرف” عام 1986، من قبل الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران. كان ذلك بعد أربع سنوات فقط من ضلوع رفعت في مجازر حماة المُروّعة.
ومن بين النظريات التي راجت بعيد عودة رفعت، أن الرجل عاد إلى البلاد رغماً عن إرادة ابن شقيقه، بشار الأسد. وهي نظرية لم تثبت صحتها حتى الآن. ويبدو أن ما قالته صحيفة “الوطن” المقرّبة من النظام، عشية عودة رفعت، هو الأقرب للدقة. فبشار سمح لعمه بالعودة، منعاً لسجنه. على ألا يكون له أي دور سياسي أو اجتماعي. وقد مضى نحو سنة، كان رفعت خلالها مغيباً تماماً عن الإعلام وعن أي نشاط سياسي أو اجتماعي، ما يعني أن عودة رفعت، لم تكن مضرّة لـ بشار، كما كان يشاع، كما أنها لم تكن رغماً عن إرادته.
وفي تفسير ذلك، فإن أفضل ما يمكن قراءته، ذاك التحليل الذي نشرته “فورين بوليسي”، في كانون الأول/ديسمبر 2021، حينما قالت إن بشار الأسد سمح لعمه بالعودة، احتراماً لقانون العشائر في حماية الأقارب، وبغية استرضاء المجتمع العلوي. لكن هذه العودة، لم يتم السماح بها، إلا بعد أن شارك رفعت الأسد في التصويت لابن أخيه في “انتخابات الرئاسة” في 2021، فيما يشبه قسم الولاء.
باختصار، يمكن بعد سنة من عودة رفعت الأسد لسوريا، طيّ صفحة الرجل، وطي صفحة الرهانات على أدوارٍ محتملة له داخل تركيبة الحكم وقاعدته الطائفية.
إياد الجعفري _ الطريق