يتجدد الحديث عن المواجهة الإسرائيلية الإيرانية مع كل استهداف جوي إسرائيلي لمواقع إيرانية على الجغرافية السورية، وكأن المنطقة مقبلة على حرب حقيقية بالفعل، بالطبع ربما كانت درجة التصعيد الإسرائيلي هي التي تتحكم بسخونة التحليلات الإعلامية وتكهنات الساسة والمحللين، إلى درجة ربما أوهمت الكثير أن ثمة – بالفعل – معطيات كثيرة تحيل إلى اقتراب مواجهة كبرى بين تل أبيب وطهران، بل ربما خمّن البعض أن انتقال إسرائيل من استهداف المواقع البرية إلى استهداف المطارات – كالقصف الإسرائيلي لمطاري حلب ودمشق مراتٍ متكررة خلال أسبوع واحد – إنما يندرج ضمن خطة إسرائيلية لحرب شاملة قد تستهدف إيران ونظام الأسد معاً. بينما واقع الحال يؤكّد ألّا جديد في كل ما تقوم به إسرائيل من حيث استراتيجيتها في التعاطي مع إيران أو ملحقاتها في سوريا، ذلك أن القصف الجوي الإسرائيلي لم يتوقف داخل الجغرافية السورية منذ سنوات، ولا يكاد يمر أسبوع أو شهر على الأقل دون غارات إسرائيلية على مواقع عسكرية داخل سوريا، الجديد فقط في وتيرة القصف الجوي من حيث عدد الغارات ونوعيتها والأماكن التي تستهدفها فقط، ولا داعي للتأكيد بأن جميع الغارات الإسرائيلية الجوية على مواقع داخل سوريا منذ العام 2015 وحتى الوقت الراهن، إنما كانت تجري بتنسيق كامل مع الجانب الروسي، بحكم سيطرته الكاملة على الأجواء السورية.
طهران ونظام الأسد يدركان هذه المسألة تمام الإدراك، وفي ضوء ذلك يمكن التأكيد على مسألتين اثنتين: تشير الأولى إلى أن إسرائيل لا تستهدف الوجود الإيراني في سوريا بالمطلق، بل لعل التفاهمات العديدة السابقة بين الثلاثي الروسي الأميركي الإسرائيلي تؤكّد أن ما تعترض عليه إسرائيل هو تجاوز إيران لما هو متفق عليه داخل سوريا، ولهذا نجد أن الغارات الإسرائيلية مصحوبة دائما بحجة أن إيران تحاول إنشاء قواعد صاروخية جديدة أو أنها تحاول إدخال شحنات من السلاح عن طريق المطارات أو الموانىء السورية، وسرعان يتم رصدها ومن ثم استهدافها عسكرياً كما في ميناء اللاذقية ومطار النيرب ومطار دمشق الدولي، أو مراكز البحوث العلمية وسواها، ولو أن إسرائيل كانت تريد بالفعل استهداف الوجود الإيراني في سوريا، فمن نافل القول: إن جميع ميليشيات إيران وقطعانها البشرية وقواعدها ومواقعها العسكرية مكشوفة على العلن وهي منتشرة وممتدة من درعا وحتى البوكمال، ولو أرادت إسرائيل استهدافها لاستطاعت تدميرها وإبادتها بالكامل خلال أسبوع. وتشير المسألة الثانية إلى أن نظام دمشق هو خارج اللعبة وليس طرفاً بالتنسيق لا مع إسرائيل ولا مع روسيا، ليقين الجانب الإسرائيلي ألّا جدوى بأي تنسيق أو تفاهم مع نظام دمشق باعتباره عاجزاً عن السيطرة وخاصة حيال النفوذ الإيراني الذي تجاوز في تغوّله سلطات الأسد المحلية.
ولئن كانت إسرائيل تحرص أن تكتفي بممارسة لعبة (القط والفأر) مع الجانب الإيراني على الأراضي السورية، طالما أن مفاوضات واشنطن ومن خلفها أوروبا مع إيران بخصوص ملفها النووي لم تنته بعد، وما تزال نتائجها غير واضحة المعالم، فإن إيران من جهتها لا تملك إلّا أن تواجه من خلال استراتيجيتها التقليدية القائمة على استخدام أذرعها الخارجية ومناطق نفوذها الواقعة خارج إيران، وبالتالي بات معروفاً أنه كلما اشتدت وتيرة الضغوطات السياسية عليها فإن إيعازاتها لأدواتها في الخارج سوف تكون أكثر تواتراً وعنفاً، ربما لاعتمادها كرسائل لخصومها بقدرتها على التأثير على مصالح الخصم، وربما لخلط الأوراق حين تجد أن شدّة الضغوطات الدولية باتت تزيد الخناق عليها، تماما كما حدث في حرب تموز 2006 ، حين أوعزت إلى حزب الله بافتعال حرب مؤقتة مع الجانب الإسرائيلي، أشغلت الرأي العام لفترة من الزمن تتيح لها الرجوع قليلاً إلى الوراء ومن ثم ترتيب أوراقها من جديد.
لا يبدو أن استمرار المواجهة بين إسرائيل وإيران على هذه الوتيرة سوف ينتهي في وقت قريب، وكذلك لا يبدو أن الطرفين أو أحدهما يلحّ في إنهائه، ذلك أن المناوشات القائمة بينهما لا تجري في أراضي إسرائيل ولا إيران، وإنما تدور رحاها في أرض سورية، وتدمر البنى التحتية السورية، والذين يموتون أو يتضررون في هذه الحرب هم ليسوا من إسرائيل ولا من إيران، وربما الأمر ذاته ينسحب على الأطراف الأخرى النافذة في الشأن السوري، وفي طليعة تلك الأطراف الولايات المتحدة الأميركية التي تحكم قبضتها على أهم المناطق السورية اقتصادياً، ولئن كانت واشنطن ما تزال تعمل ضمن استراتيجية إدارة الصراع في سوريا وليس إيجاد الحل، إلّا أنها هي الوحيدة القادرة على تعطيل أي مسعى إقليمي أو دولي لحل سياسي في سوريا لا ينسجم مع مصالحها.
لعل السؤال الذي بات مطروحا من جانب الكثيرين: متى تنتهي المواجهة بين إيران وإسرائيل في سوريا؟ وهل هذه الحرب مرهونة حقاً بمصير المفاوضات الجارية بين الغرب وإيران حول الملف النووي الإيراني؟ إسرائيل تقول غير ذلك، بل تؤكّد على أن أي اتفاق – حتى لو تحقق – نووي بين إيران والغرب، لن تكون نتائجه مُلزمة لإسرائيل، باعتبار أن ما تسعى إليه تل أبيب هو منع إيران من إدخال صواريخ متوسطة المدى إلى ميليشياتها في سوريا، وبالتالي تصبح هذه الصواريخ خطراً قائماً عليها، فضلاً عن تحوّلها إلى ورقة سياسية جديدة بيد إيران. ربما أفضى السؤال السابق إلى أسئلة أخرى: هل يعتقد خصوم إيران جميعاً، وفي ومقدمتهم واشنطن وتل أبيب بعدمية محاربة نفوذ إيران في سورية مع استمرار الأسد في السلطة، نظراً لعضوية العلاقة بين دمشق وطهران؟ إن كان الجواب نعم، إذاً لماذا تحرصان على بقاء الأسد وعدم زوال نظام حكمه؟ هذا ما يحتاج إلى إجابات مقنعة.
حسن النيفي _ تلفزيون سوريا