لم تكن الحرب الروسية في أوكرانيا بداية التوتر في العلاقات الروسية مع الاحتلال الإسرائيلي فثمة عوامل توتر تاريخية سابقة كانت موجودة وحاضرة بالرغم من عدم بروزها لتركيز الطرفين على إدارة مصالحهما، ولكن يمكن القول إن الحرب الروسية في أوكرانيا قد تسلط الضوء على الشقوق الموجودة بل يمكن أن تكون أكبر من مجرد تسليط للضوء في حال حدثت مفاصلة أكبر في المواقف وتبنى كل طرف مواقف تزيد من استياء وإزعاج الآخر وشعوره بالتهديد، ويرجح أن المكان الأول الذي يمكن أن ترى فيه نتائج هذا التوتر هو سوريا.
تدرك روسيا أن دولة الاحتلال الإسرائيلي حليف أساسي لواشنطن في المنطقة ومع ذلك غلّبت روسيا بوتين لهجة المصالح خلال الفترة الماضية خاصة أنه لم يكن هناك تهديد بارز من دولة الاحتلال عليها بل كان هناك مصالح متبادلة كبيرة.
تاريخيا حدث انقطاع في العلاقات مرة عندما قطع الاتحاد السوفييتي علاقاته مع الكيان الإسرائيلي في 1953 بعد تفجير جماعة شتيرن اليهودية مبنى البعثة الدبلوماسية السوفييتية في تل أبيب، وفي 2018 حدث بعض التوتر من جراء تسليم روسيا منظومة إس 300 لسوريا، وقد برزت بعض المؤشرات في 2019 حيث حاول نتنياهو لقاء بوتين لمدة 8 أشهر حتى استطاع بالنهاية تأمين لقاء معه، وقد يشير هذا الأمر إلى تصور بوتين عن دولة الاحتلال والذي ذكر خبراء أن بوتين لا يحمل تصورا جيدا عن العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي وزعمائه.
لقد كان آخر هذه المواقف نهاية شهر يوليو الحالي هو إعراب المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية عن أسفها لمواقف إسرائيل غير البناءة بشأن الوضع في أوكرانيا، وحاليا تدرس الجهات القانونية في روسيا إغلاق مؤسسة الوكالة اليهودية المسؤولة عن هجرة اليهود في روسيا.
وبالطبع فإن موسكو مغتاظة جدا من الموقف الإسرائيلي من الحرب في أوكرانيا، سواء أمنيا وعسكريا من خلال دور الموساد وتسليم جزء من الأسلحة الإسرائيلية في أستونيا إلى أوكرانيا، أو سياسيا وتحديدا من موقف رئيس الوزراء الحالي لابيد التصعيدي ضد روسيا والذي أكد صراحة دعم الاحتلال الإسرائيلي لأوكرانيا كما قام بإرسال وسائل دفاعية وعسكرية إلى أوكرانيا منذ أن كان وزيرا للخارجية في الأشهر الماضية، ولأن روسيا تريد الضغط على إسرائيل لتخفيف الأخيرة من دعمها لأوكرانيا، وفضلا عن الأصول اليهودية والإسرائيلية في داخل روسيا فقد تكون سوريا هي الساحة التي يمكن لروسيا أن تفعل فيها ذلك، وقد لوحظ أن روسيا انتقدت بشدة قصف إسرائيل على مطار دمشق وفي القمة الأخيرة في طهران طالبت روسيا إسرائيل بوقف الغارات الجوية في سوريا.
من الواضح أنه كان هناك تفاهمات بين إسرائيل وروسيا حول قضايا تخص سوريا فلقد تجاهلت روسيا سابقا ضربات إسرائيل على الوجود الإيراني في سوريا كما لم تشعر دولة الاحتلال بالروس كتهديد لها في سوريا بل اعتبرتهم موازنا للوجود الإيراني.
ولكن مع الموقف الإسرائيلي الداعم لأوكرانيا ومع انشغال موسكو بالحرب في أوكرانيا لا يريد بوتين أن تتعرض المكاسب التي حققها في سوريا للخطر وبالتالي كان أول توجه هو منع إسرائيل من مواصلة ضرباتها في سوريا. وبالتأكيد فإن إيران التي تشعر أن روسيا محتاجة لها في ظل الأزمة في أوكرانيا ترى أنه من المناسب أن تضغط على روسيا لتقوم روسيا بدورها بالضغط لمنع الغارات الإسرائيلية. وإذا تدهورت الأمور فإن روسيا ستغض النظر عن بعض الأعمال ضد إسرائيل سواء من الجولان أو من أماكن أخرى من داخل سوريا.
وقد ذكرت تقارير عدة أن روسيا قد تعمل على تحديد مناطق معينة بحد ذاتها تعتبرها حيوية للاستقرار في سوريا وتحذر إسرائيل من استهدافها، أو تقوم بتشغيل منظومات دفاعية لمنع إسرائيل من استهدافها.
لا يتوقع أن تغامر إسرائيل بانتهاك حظر روسي في سوريا ولكن إذا وقع أمر من هذا القبيل فإن هذه ستكون نقطة تحول مهمة. وعند هذه النقطة تحديدا فإن نتيجة مباحثات الاتفاق النووي مع إيران سيكون لها انعكاسات على هذه النقطة حيث إن سيناريو انهيار المباحثات قد يزيد من فرص التصعيد بين إيران وإسرائيل في سوريا وسيكون موقف روسيا على المحك.
أما الأمر الآخر فهو موقف إسرائيل من العقوبات على روسيا فحتى الآن لم تشارك إسرائيل في هذه العقوبات ولكن إذا اكتشفت موسكو أن تل أبيب تلعب دورا تخريبيا ضدها سواء في العلن أو الخفاء فإن الأمور هنا أيضا مرشحة للتصعيد.
على الأغلب أن دولة الاحتلال الإسرائيلي ستعمل على تخفيف حدة التوتر لأنها في حالة مفككة داخليا وبسبب الانشغال الأميركي عن المنطقة، واحتمالات المواجهة مع إيران فهي لن تريد أن تخسر العامل الروسي في هذه المعادلة التي تحافظ على أمنها ولكن خطأ ما هنا أو هناك قد يزيد من الشقوق الموجودة في العلاقة.
محمود سمير الرنتيسي _ تلفزيون سوريا