فتحت الأوضاع الاقتصادية وظروف الحرب أمام النساء ثقافة جديدة لعمل المرأة في بعض الأوساط السورية التقليدية، حيث كان عمل المرأة مقتصراً على الجانب التعليمي والصحي أو لسد حاجة يفرضها الوضع الاقتصادي لكن برامج تمكين المرأة التي عليها منظمات المجتمع المدني فتحت أبواباً جديدة أمام المرأة بالإضافة للجمعيات والبرامج التثقيفية والتعليمية التي تمحورت حول دعمها.
هذا التحوّل في ثقافة المجتمع لم يلبث أن دعّمه واقع فرضه الوضع الراهن، حيث لم يعد العمل ثقافة وتطوراً وحقاً، بل بات واجباً تفرضه الأوضاع المعيشية الصعبة في الداخل السوري، وقد تعرضت المرأة السورية لانتكاسات صعبة أثقلت حملها على مدار السنوات العشر الماضية، مع فقدان المنزل والمعيل من أب أو زوج أو أبناء، مروراً بالتشرد والنزوح ووصولاً إلى العمل في ظروف قاسية.
تقول نور (مدرسة): بدأت عمل الريزن كهواية لأنني أحب الفن بأشكاله واشتغلت بهذه الحرفة وأردت الاحتفاظ بالقطع الفنية واستخدامها كمعروضات شخصية ولم يكن لدي نية للتسويق حتى وصلت إلى مرحلة تطور فيها العمل لدرجة أنني فقد القدرة على التوفيق بين عملي في المدرسة وبين ممارسة هوايتي وتحول عملي في الريزن من هواية إلى عمل إنتاجي.
رجاء شعيب مدرسة ومحررة وكاتبة في القسم الاجتماعي لجريدة الفرات
لم أستطع العودة الى الكتابة لأنهم عرضوا علي الموضوع بشكل مجاني مع العلم أنني كنت مسؤولة في جريدة الفرات عن الصفحة الاجتماعية وكل ما يخص دير الزور ونواحيها من حياة المرأة والطفل والحياة الزوجية السعيدة والطلاق والمشاكل الاجتماعية أيام الزميل عدنان عويد وجمال بلاط.
تضيف رجاء: حالياً أرغب أن تكون الكتابة مورد رزق لأنني فقدت عملي كمدرسة فقد كنت سابقاً كاتبة وآخذ أجراً لقاء كتاباتي، بداية طلبوا مني أن أكتب، وبعدها يتم تقييم المواد وبعدها يتم دفع الأجر وهذا الأمر كان صعباً جداً ولم أحتمله مطلقاً وأثر على قراري ورفضت الكتابة.
تفاجأت السيدة رجاء بظهور أقلام جديدة مع العلم أن بعضها لم يكن له أي مبادرات بالكتابة، وهذه الأقلام الجديدة لم يكن لها وجود أساساً، وأصبحت منافساً قوياً وحصلت على فرص أصحاب الخبرة، وكما أخبرتك سابقاً، الناحية المادية، حيث يطلب بعضهم أن يكون بشكل تطوعي وبالتالي هذا الموضوع يتطلب منا جهداً ووقتاً، بالمقابل إذا كانت الاستكتابات مأجورة فلن أتردد لحظة واحدة بالعودة الى الكتابة.
منظمات تدعم إبداع المرأة
سعت بعض النساء السوريات إلى تأسيس منظمات مجتمع مدني من أجل تأهيل وتمكين باقي النساء، في الدول التي تسمح للمرأة بالعمل كتركيا، حيث تبحث النساء عن فرص عمل مناسبة، ويقف التحدي الثقافي أمام المرأة اللاجئة في الاندماج وتعلّم اللغة قبل البحث عن عمل، ولا تزال المرأة السورية تقاوم محاولات إبعادها وإقصائها إلى الصفوف الخلفية.
السيدة نيسان بابيلي، مديرة منظمة سوار: تأسست المنظمة منذ عامين وتعمل على تمكين وحماية النساء من خلال ثلاثة محاور، أولاً: محور التمكين الاقتصادي للنساء حيث نقدم تدريبات مهنية، ويتم تدريبهن على مهن معينة، يدوية كأعمال الصوف والتريكو والمخرز والكورشيه والريزن، وتدريبات تقنية مثل السكرتارية والمحاسبة وبرامج الحاسوب ومحاسبة متقدمة وسلامة الأمن الرقمي، حيث نحرص على أن يكون للنساء دخل وهذا ما سعينا له من خلال التمكين الاقتصادي.
تضيف بابيلي: تسعى سوار لأن تحصل المرأة على فرصة عمل أو مشروعها الخاص من خلال دعمنا لريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة الخاصة ببعض النساء بحيث نقدم لهن تدريبات بإدارة المشاريع والتقنين والتسويق الإلكتروني والمراقبة والتقييم كما نقدم لهن المنح لدعم هذه المشاريع ونسعى لتقديم كل التدريبات التي تساعد النساء على دخول سوق العمل.
معوقات العمل والإبداع أمام المرأة
تواجه المرأة تحديات كبيرة في قطاع العمل، كمحدودية فرص العمل أو قلة توفر الخيارات، ولا سيما لصاحبات الشهادات. وقد رصدت دراسة لمؤسسة أورانج تغطي قدرة المرأة على الوصول إلى سوق العمل في سوريا، التحديات المحتملة لعمل النساء السوريات في المنظمات أو الشركات، وأهمها الخدمات اللوجستية.
تقول السيدة نيسان: إن التحديات كبيرة وكثيرة منها الوضع الاقتصادي حيث تملك بعضهن الموهبة والمقدرة ولكن ينقصها رأس المال والمواد اللازمة للعمل، ومنها الوضع الأمني الذي يعيق وجود المرأة والتزامها بمكان معين لتطوير موهبتها، مثل القصف والاستهداف الذي يجبر النساء في الداخل على النزوح واللجوء، وهناك معوقات اجتماعية منها رفض بعض المجتمعات لعمل المرأة والإبداع خارج السياق المجتمعي.
هناك فئة من النساء تجهل نقاط الإبداع لديها، ويتم في بعض الاحيان اكتشاف موهبتها بالصدفة حيث تشعر برغبة لديها للعمل وتطوير ذاتها وهذا ناتج عن ضعف الوعي ونقص الوعي بمعرفة المرأة بإبداعاتها واهتماماتها وذاتها، ما يشكل أحد أهم المعوقات أمام إبداع المرأة بالإضافة لقلة البرامج التي ترعى الإبداع والتألق التي تقدمها منظمات المجتمع المدني حيث أن معظم البرامج المقدمة هي برامج تقليدية تفتقر للإبداع ورعاية المبدعين.
تضيف المعلمة نور التي تبدع في أعمال ومشغولات الريزن، من حيث الإبداع، فإن المرأة تستطيع اكتساب 80% من خلال الدورات حيث يمكننا تعليمها الأساسيات، كمزج الألوان مع بعضها.
وأضافت نور: إن استخراج ألوان جديدة ومميزة هو الإبداع في عمل الريزن وأي لون موجود في الطبيعة يمكن استخراجه في الريزن حيث أن الالوان الرئيسية هي الأخضر والأحمر والأصفر، ولكن يجب على السيدة أن تتعلم مزج الألوان وتستخدم كل مساحات الإبداع الممكنة لديها كما أنها تستطيع إضافة مواد وأشكال جديدة، هنا سيكتمل لدينا الإبداع وسيكون لدينا من 20 إلى 30% هو ذوق وإبداع السيدة، هذا هو الريزن وهو مجال رائع وجيد لكسب المال، وأنا أفضل لو كنت أمتلك المزيد من الوقت، حتى أتخذ منه مهنة أساسية، فـأنا أعمل مدرسة وهو عملي الأساسي وأجد صعوبة في التوفيق بين العملين والدورات التعليمية إضافة للتوصيات والطلبات.
معوقات التفكير الإبداعي عند المرأة
قالت الكاتبة رجاء: إن الظروف الاجتماعية من نزوح ولجوء أثر على حالتي النفسية فتعرضت لأزمة أدخلتني في حالة اكتئاب وصلت بي أن أمسك الورقة محاولة الكتابة لكني أقوم بتمزيقها ورميها، كنت بحاجة لمن يمسك بيدي ويناولني القلم ويساعدني على الكتابة كما لو كنت طفلاً يتعلم الكتابة لأول مرة، بصدق كنت بحاجة لمن يعيدني إلى الكتابة وفي بعض الأحيان كنت أعتزل كل من حولي وأدخل في حالة وحدة وحزن شديدين.
أضافت السيدة نيسان: إن المنظمة تقدم تدريبات دعم نفسي وقسم خاص بالاستشارات الخاصة ولديهم تدريبات لها علاقة ببناء السلام تماسك مجتمعي وآليات الحوار البناء والتفاوض والوساطة.
تضيف السيدة بابيلي: إن عدداً كبيراً من النساء الموجودات في الداخل السوري وفي أوروبا وتركيا استفدن من الخدمة المقدمة من تدريبات المنظمة ونحاول أن يكون هناك تواصل مباشر مع النساء وتم تخصيص خط مباشر لتسهيل عملية التواصل ولدينا قصص نجاح رائعة لنساء تلقين تدريبات معنا في المخيمات ومن ثم أصبحن مدربات في برامج خاصة مع الأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة، ودائماً نقدم الدعم اللازم لكل سيدة تملك قدرات نعمل من خلال التدريبات على تنميتها ودعمها وتطويرها.
تقول السيدة رجاء وهي كاتبة: إن غزو الصحافة الإلكترونية، التي غيرت وجه الإعلام من الصحافة الورقية إلى الالكترونية الحديثة والتقنيات الجديدة ومواقع التواصل الاجتماعي التي أتاحت الفرصة أمام الجميع وأطاحت بأصحاب الخبرة وكان لها دوراً كبيراً وأثراً واضحاً على الإبداع حيث تراجعت في بعض الاحيان جودة المواد وانخفضت قيمتها الأدبية وبالتالي انعكست على الأجر المادي وأنا ضد هذا الأمر.
المعوقات الأمنية والاقتصادية للإبداع
وضعت سنوات الحرب في سوريا النساء والفتيات أمام واقع العمل لسد الفجوة الناتجة عن الظروف الاقتصادية المرهقة، حتى أنهنّ أحياناً كنّ المعيل الوحيد في ظل غياب قسريّ للرجل، بين اعتقال أو موت أو هجرة أو انخراط في الحرب مع أحد أطراف النزاع، وهو ما شكّل شيئاً فشيئاً تقبلاً اجتماعياً لعمل المرأة نتيجة الظروف الاجتماعية الاستثنائية، بعد أن رفضته أسرٌ سورية لسنوات.
تضيف السيدة نيسان: إن أحد أهم المعوقات أمام إبداع النساء هو السياق السوري الذي مازال بعيداً عن أي انفراج أو حل، ما ينعكس على الحالة النفسية للمرأة فيمنعها من الإبداع ويجعلها دائماً منخرطة في هموم الحياة اليومية وتأمين المعيشة والأولاد وهذا عائق مهم جداً يقف في وجه الإبداع الذي يحتاج إلى استقرار ورعايته.
قالت المعلمة نور: إن عدم البيع هو الشيء الذي لا يسمح لنا بالاستمرار، كذلك تصريف الإنتاج والتسويق إذا لم يكن قوياً يكون الأمر صعباً جداً والمواد الأساسية سعرها مرتفع وقابل للارتفاع مع ارتفاع وانخفاض الدولار، وفي حال تم شراء مواد أولية وتشكيلها وإنجاز العمل يجب بيع المنتجات أي تصريفها حتى أتمكن من المتابعة، أي شراء مواد أولية جديدة والمتابعة والاستمرارية بالعمل وأنا لا أتكلم عن الفن أو الموهبة التي أمارسها ولكنها كعمل يمكن للمرأة الاستفادة منه في تغطية حاجاتها المعيشية وفي حال امتلاك رأس مال قوي فهذا الأمر ينعكس على استمرارية العمل ولا يتأثر بتصريف الإنتاج.
تضيف السيدة نيسان: من ناحية التصريف نحاول تأمين عقود تصريف مع جهات موجودة في الداخل، كما تواصلنا مع جهات ومنظمات في أوروبا لتصريف مشغولات من الكورشيه حيث قمنا بإرسال عدة طلبيات بالإضافة لتدريبات التسويق بمختلف أنواعه لمساعدة النساء على إيجاد أسواق تصريف منتجاتهم.
دور المرأة في تنمية المجتمع
تُعد المرأة عضواً أساسياً وهاماً جداً في أي مجتمع، ولا يمكن التغاضي عن الدور المهم الذي تقوم به، والمرأة هي القادرة على العمل خارج المنزل وداخله، وأثبتت التجارب الحياتية أن المرأة عنصر مهم يسهم في بناء في المجتمع، ولها قدرة على تحمل المسؤوليات التي تُعطى إليها سواء كان على صعيد العمل أو على صعيد المنزل، إن الدول والمجتمعات الحكيمة والمتقدمة هي التي تعرف جيداً مكانة المرأة في المجتمع، وقدرة المرأة على بناء المجتمع ودورها اللامحدود في ذلك، حيث إن المجتمعات المتقدمة تستفيد بشكلٍ كبير من قدرات المرأة في شتى المجالات، وهذا يدل على أن دور المرأة في تنمية المجتمع مهم جداً، حيث إن بعض الدراسات أثبتت أنه عندما يتغير الاقتصاد والتنظيم السياسي لمجتمع ما على سبيل المثال تأخذ النساء زمام الأمور في مساعدة أسرتها على التكيف مع الظروف والتحديات الجديدة.
وترغب النساء في أن يصبح لها كيان خاص بها، وتشعر المرأة بقيمتها من خلال عملها، وابداعها وإحساس المرأة بذاتها حيث أنها تجد نفسها من خلال ما تقدمه لأسرتها وللمجتمع والمرأة جزء أساسي في الحياة، وهناك الكثير من النساء لا يشعرن بقيمة أنفسهن إلا من خلال عملهن وهو بمثابة الدافع الذي يعطي المرأة شأناً كبيراً، ويكسبها مهارات وخبرات كثيرة في الحياة.
جهان الخلف _ نينار برس