“لا أرغب بالحمل، لكن رفضه حق لا أملكه”، كلمات قالتها نهى (27 عامًا)، مختصرة واقعًا تعاني منه إلى جانب العديد من النساء في إدلب.
بين السلطة الدينية والعادات والتقاليد، تفقد العديد من النساء في مناطق سيطرة حكومة “الإنقاذ” حقهن باتخاذ قرار الإنجاب أو رفضه، أو بـ”تنظيم الأسرة”.
في المقابل، يعتبر الرجال قرار الإنجاب مرتبطًا بسلطتهم على المرأة ومكانتهم في العائلة، وفق ما قالته النساء اللواتي تحدثت إليهن عنب بلدي.
هل رفض الحمل حقّ للمرأة شرعًا وقانونًا، وما آثار حرمانها من هذا الحق، وهل يحق للرجل اتخاذ القرار منفردًا بهذا الشأن مستخدمًا سطوته المستمدة من العادات والتقاليد، أسئلة حاولت عنب بلدي مقاربتها مع نساء ورجال دين وقانون ومتخصصين.
“حدا بيمنع نعمة الله”
“حدا بيمنع نعمة الله؟”، عبارة تواجَه بها النساء عند رفضهن الإنجاب، وتوجههن لاستخدام وسائل منع الحمل، بحسب ما قالته نهى، تحفظت على ذكر اسمها الكامل لأسباب اجتماعية.
نهى، وهي أم لطفلين، تعيش مع أسرتها داخل خيمة مهترئة، تقدّر هذه النعمة، لكنّها تعتبر ربط خيار رفض الإنجاب بالدين استغلالًا لحساسية هذه الناحية، خاصة بوجود سلطة ترجع كل قوانينها للشريعة، وفق ما قالته لعنب بلدي.
واشتكت نهى حرمانها حق خيار الإنجاب أو عدمه، معتبرة أن قرارًا كهذا، يُفترض أن يكون مشتركًا بين الزوجين.
ولا يقتصر هذا الموقف على الرجل، إذ تعارض سميرة العوض (33 عامًا) لجوء النساء لموانع الحمل باعتبارها “حرامًا شرعًا”، وفق ما قالته لعنب بلدي.
“الأولاد نعمة من الله، وفي وقت ترفض فيه النساء هذه النعمة، تبكي أخريات للحصول عليها”، وفق تعبيرها.
وفي ظل سطوة العادات الموروثة على المنطقة، تعزز سلطات الأمر الواقع ممثلة بحكومة “الإنقاذ” و”هيئة تحرير الشام” الموقف المجتمعي تجاه خيار عدم الإنجاب، إذ توصف هذه السلطات باعتمادها منهجًا “متشددًا”، من خلال سن قوانين وقيود باسم “الشريعة”، ترى بعض الأطراف، وكثير من النساء، أن الدين يصبح من خلالها ذريعة لسلب المرأة حقها باتخاذ القرار.
الباحثة الاجتماعية إيفا عطفة قالت لعنب بلدي، إن “تشدد” السلطة الحاكمة من الناحية “الشرعية”، أثّر سلبًا على واقع المرأة، خصوصًا من ناحية الصحة الإنجابية.
وأوضحت أن منع استخدام وسائل السلامة الإنجابية لأنها تخالف “التعاليم الإسلامية”، بمنظورهم، يشكّل أذى حقيقيًا لصحة المرأة، مشيرة إلى أن المسألة لم تعد مرتبطة بالعادات والتقاليد فقط، بل صارت مرتبطة بأوامر السلطة القائمة في المنطقة.
من جهته، نفى الشيخ مصطفى الحامض في حديث إلى عنب بلدي، وجود أي دليل يحرّم استخدام موانع الحمل، لافتًا إلى أن القرار يجب أن يكون مشتركًا بين الزوجين.
وأضاف أن اتخاذ المرأة وحدها القرار دون رضا الزوج يعتبر مخالفًا للشرع.
“الولد بيجي وتجي رزقته معه”
في ظل الظروف المعيشية القاسية التي تشهدها المنطقة، والصعوبات التي تواجهها العائلة، حتى بتأمين وجبتها التالية، يبدو خيار الإنجاب بالنسبة للنساء اللواتي تحدثت إليهن عنب بلدي “ظلمًا” للطفل نفسه.
“الولد بيجي وبتجي رزقته معه”، عبارة أخرى تقف بوجه النساء اللواتي يرفضن الحمل في محاولة دحض تبرير رغبتهن عدم الإنجاب بأسباب اقتصادية، قالت نهى.
ورغم رفضها الإنجاب داخل “خيمة”، وفي وقت تعجز فيه وزوجها عن تأمين الغذاء الكافي لها ولابنها، أُجبرت نهى على الرضوخ لرغبة زوجها، بعد أن هددها بالزواج بأخرى في حال استمرت بالرفض، بحسب روايتها.
وتتوفر وسائل منع الحمل في المراكز الصحية بإدلب وريفها بشكل مجاني، كما تُوزع من قبل العديد من فرق تنظيم الأسرة ورعاية الحوامل في المنظمات داخل المخيمات، بحسب المعلومات التي حصلت عليها عنب بلدي.
الشيخ مصطفى الحامض، قال إن رفض الإنجاب لأسباب اقتصادية لا يجوز شرعًا، مستدلًا بقوله تعالى “نحن نرزقكم وإيّاهم”.
وأوضح الشيخ، “الرزق من الله سبحانه وتعالى، ومن يخالف ذلك فقد قنط من رحمة الله”.
انتهاكات ضحيتها النساء
منع المرأة من اتخاذ قرار الإنجاب أو عدمه انتهاك لحقوقها، حسب المنصوص عليه في “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”، المتفق عليها منذ عام 1979 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة.
تنص المادة الـ16 من الاتفاقية على أن للمرأة الحق في أن تقرر الفترة الإنجابية بين الطفل والآخر، والحصول على كل الوسائل التي تتيح ذلك، إلى جانب الحصول على التوعية الكافية فيما يخص هذا الأمر.
الباحثة الاجتماعية إيفا عطفة، أكّدت أن الصحة الإنجابية والجنسية من الحقوق المرتبطة بحقوق الإنسان، وهي من الحقوق المشروعة، مشددة على ضرورة حصول المرأة على جميع المواد المتعلقة بالصحة الإنجابية، دون وجود مشكلة اقتصادية أو مجتمعية، ودون التطرق إلى قرارات الدولة التي تمنع ذلك.
وأشارت عطفة إلى أن أي مخالفة لهذا الحق، تعتبر انتهاكًا لحقوق الإنسان.
ومن أبرز الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة بهذا المجال، رداءة الخدمات المقدمة، والانتهاكات المتعلقة بالحصول على إذن من طرف ثالث، بحسب ما قالته عطفة.
وأوصت الباحثة منظمات المجتمع المدني الفاعلة في المنطقة، بالتركيز على الصحة الإنجابية، وتنظيم النسل، بالإضافة إلى التخطيط المسبق لقرار الإنجاب، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية القاسية.
“تنظيم الأسرة” في القانون السوري
لا يوجد في القانون السوري ما يمنع “تنظيم الأسرة”، خاصة موضوع الإنجاب واستخدام موانع الحمل، وفق ما قاله المحامي المقيم في حلب طارق حاج بكري.
وأضاف المحامي لعنب بلدي، أنه لا يحق للرجل، قانونيًا، إجبار زوجته على الحمل في حال عدم رغبتها بذلك، ويستطيع أن يرفع دعوى طلاق، أو أن يطلّقها مباشرة.
ويعتبر الإنجاب اتفاقًا بين الزوج والزوجة، وعند اعتراض أحدهما على قرار الآخر، يبقى خيار الطلاق هو الخيار القانوني في هذه الحالة، وفق المحامي.
ونفى حاج بكري حق الرجل بحرمان المرأة من حقوقها بعد الطلاق، بسبب رفضها الإنجاب، موضحًا أنه عند رفع دعوى الطلاق يترك القرار لمحكّمين من الأقارب أو الأباعد، لتحديد نسبة الإساءة بين الطرفين لتحديد حق الزوج والزوجة.
الأثر النفسي
تتعرض النساء في إدلب لضغوط نفسية من المجتمع والسلطة الحاكمة التي تعمل جاهدة على تغييب صوت المرأة، لكنّ الضربة الأقسى بالنسبة للمرأة حرمانها حق اختيار الإنجاب أو رفضه، خاصة في ظروف ترهقها نفسيًا وجسديًا.
الاختصاصية النفسية المقيمة في مدينة إدلب فاطمة الصبيح، قالت لعنب بلدي، إن إجبار النساء على الحمل يضر بشكل كبير بالحالة النفسية للمرأة، ويمكن أن يتسبب بالعديد من الأمراض النفسية.
ومن أبرز الأمراض النفسية التي يمكن أن تعاني منها المرأة، اكتئاب ما بعد الولادة، الذي يعتبر شائعًا في المنطقة، وفق الصبيح.
ويؤثر اكتئاب ما بعد الولادة على المرأة والعائلة بأكملها، إذ يدفع المرأة لإهمال نفسها وجنينها وعائلتها بأكملها، كما يمكن أن يؤدي في بعض الحالات إلى الانتحار، بحسب ما قالته الاختصاصية النفسية.
وأضافت الصبيح، أن الوعي بهذا المرض رغم انتشاره ما زال محدودًا جدًا، ما يجعل التعامل معه أمرًا صعبًا.
وفي أواخر آذار الماضي، حذر صندوق الأمم المتحدة للسكان من وجود حوالي 257 امرأة حول العالم لا يستخدمن وسائل منع الحمل الآمنة، رغم رغبتهن بتجنب الحمل.
وأرجع الصندوق ذلك لأسباب مختلفة، أبرزها الخرافات والمعتقدات الخاطئة في المجتمع، والخوف من الآثار الجانبية، إلى جانب عجزهن عن تأمين ثمن الأدوات الآمنة لمنع الحمل.
وبحسب الإحصائيات في البلدان التي تتوفر فيها المعلومات حول العالم، فإن 57% من النساء قادرات على اتخاذ قراراتهن بشأن صحتهن وحقوقهن الجنسية والإنجابية، بينما لا تستطيع 23% من النساء قول “لا للجنس”.
يجب وضع سلطة اتخاذ قرار الحمل أو منعه بيد النساء، ما يضمن حقهن ويرفع نسبة الوعي لدى المجتمع.المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، ناتاليا كانم |
لجين مراد _ عنب بلدي