يشهد الوضع السوري على جغرافيته المختلفة تسخيناً متزايداً في التصريحات السياسية، والتي صدرت من أعلى مستويات القرار في الدول المتداخلة.
فقد صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال اجتماعه بمجلس الوزراء، أنهم بصدد استكمال العمليات العسكرية التي بدأها الجيش التركي سابقاً، وذلك من أجل استكمال المنطقة الآمنة بعمق 30 كم داخل الأراضي السورية وعلى طول الحدود الجنوبية لتركيا، إلى ذلك فإن مخرجات اجتماع مجلس الأمن القومي التركي اليوم الخميس 26 مايو أيار، لم تشهد إعلاناً صريحاً بعمليات عسكرية في المنطقة بل تركت الباب موارباً للتكهنات، كما حملت رسائل سياسية مختلفة الاتجاهات حيث جاء في مخرجات الاجتماع، وفق بيان مجلس الأمن القومي عقب اجتماعه برئاسة الرئيس أردوغان:
1-ناقشنا العمليات العسكرية والتدابير الإضافية التي سيتم اتخاذها، وعملياتنا العسكرية لا تستهدف وحدة أراضي الدول المجاورة.
2-العمليات على حدودنا الجنوبية هي ضرورة للأمن القومي التركي.
3-تركيا التي تلتزم دائمًا بروح وقوانين التحالفات الدولية، تتوقع الالتزام ذاته من حلفائها.
4-ندعو الدول التي تنتهك القوانين الدولية من خلال دعم الإرهاب، إلى وضع حد لهذه المواقف، والنظر بعين الاعتبار إلى الحساسيات الأمنية لتركيا.
وكانت خطوط الاشتباك بين تركيا ومناطق سيطرة النظام السوري قد شهدت بروداً وعدم حدوث أي صدام منذ مايقرب العامين وثلاثة أشهر، حين
توصل الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، في لقاء القمة الذي عُقد بينهما في موسكو في 5 آذار/ مارس 2020، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في محافظة إدلب.
والذي جاء مكملاً لسلسة من الاتفاقات والتوافقات التي تمت بين الجانبين وأبرزها اتفاق سوتشي لعام 2018، وكان آخر صدام تم بين الطرفين جاء على خلفية الهجوم الذي شنته قوات النظام السوري وحلفاؤه من المليشيات الإيرانية على محيط مدينة إدلب للسيطرة على الطرق الرئيسة في المحافظة، وتسببت بمواجهةٍ مباشرةٍ مع عناصر من الجيش التركي، والذي أدّى إلى مقتل 33 عنصراً في 27 شباط/ فبراير 2020.
يأتي التصعيد التركي كما يبدو على مناطق سيطرة قسد ومليشيات ال pkk والتي تعتبر العدو الأول لتركيا، ما يعني أن اتفاق 5 آذار قد يبقى صامداً دون أي احتكاك مباشر مع الروس أو النظام.
يعزز ذلك موافقة الأطراف المنخرطة في محادثات أستانا بالذهاب إلى جولة جديدة خلال الشهر المقبل، ما يعني المحافظة على مسارات التهدئة في مناطق سيطرة الأطراف الراعية.
لم ينتج حتى اللحظة أي تصعيد عسكري واضح على خطوط التماس بين قسد وفصائل المعارضة السورية، والتي تشهد بين الحين والآخر تبادلاً لإطلاق النار، كما أن وجهة العمليات العسكرية لاتزال حتى اللحظة محض تكهنات بالرغم من وجود أكثر من منطقة مرشحة لهذا التصعيد، مثل منطقة عين عيسى ومنبج وتل رفعت ورأس العين وعين العرب، وتختلف هذه الترشيحات فيما بينها بحسب القوى المسيطرة على المنطقة وداعميها.
خاصة تلك التي كان بها تواجد أمريكي، والتي على مايبدو أنها لن تشهد تصعيداً بعد تصريحات الخارجية الأمريكية بعدم الرضا عن عمليات عسكرية تركية في المنطقة.
تحاول تركيا الاستفادة من المناخ الدولي ومحاولات كسب تركيا إلى أحد طرفي الصراع الغربي الروسي، والموقف التركي من انضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو، حيث تتهم تركيا الدولتين بدعم أحزاب انفصالية كردية.
بالمقابل فإن الحديث عن انسحاب روسي من سوريا سواء كان جزئياً أو كلياً، والذي أيضاً لايزال كلاماً إعلامياً لم تؤكده الوقائع على الأرض بالرغم من تصريحات البنتاغون عن انسحابات روسية من الساحل وحميميم، وعن ملء الفراغ بقوات إيرانية ومليشيات تابعة لها قد أثار حفيظة الأردن، فوجود المليشيات الإيرانية في الشمال قد لايتسبب بالقلق ذاته الذي تسببه سيطرتها على جنوب سوريا، فإيران أحد أطراف اتفاق أستانا وبالتالي فوجود المليشيات قد لايغير بقواعد الاشتباك إلا بمقدار التزام تلك المليشيات بالاتفاق.
بالمقابل يشعر كلٌّ من الأردن وإسرائيل بقلق متزايد نتيجة الحديث عن انسحاب روسي من الجنوب وهو ماكان يعتبر صمام أمان بالنسبة للحدود الأردنية السورية وفق توافقات جرت خلال زيارات المسؤولين الأردنيين إلى موسكو، كذلك يغير الوجود الإيراني من قواعد الاشتباك الإيرانية الإسرائيلية، ويلغي عمليات التنسيق الروسية الإسرائيلية التي تمت خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأخيرة لموسكو وقبلها في الاجتماع الأمني في تل أبيب، مما يعني احتمالية عودة التصعيد للجنوب السوري، بتوافق أردني إسرائيلي ودعم خليجي، يعتمد هذا الدعم على مدى التوافق على مخرجات اجتماع النقب الأخير الذي تم الحديث فيه عن احتمالية تشكيل ناتو عربي إسرائيلي لمواجهة تزايد نفوذ ايران.
يخشى الأردن الذي بدأ يدفع ثمن استراتيجيته الخاطئة بالتقارب مع النظام السوري لضمان أمن حدوده، من ازدياد عمليات التهريب وإغراق الأردن بالمخدرات التي يتم نقلها عبر الحدود إلى الخليج من مناطق صناعتها وتهريبها داخل مناطق سيطرة النظام السوري، وهو مادفع الملك الأردني للتصريح خلال لقاء له مع برنامج يقدمه العميد المتقاعد هربرت ماكماستر بعنوان Battlegrounds والتابع لمعهد هوفر، أن الوجود الروسي في الجنوب السوري كان يشكل مصدراً للتهدئة في سوريا، مشيراً إلى أن هذا الفراغ سيملؤه الإيرانيون ووكلاؤهم، ومحذراً من تصعيد محتمل على الحدود الأردنية في حال حدوث هذا الانسحاب واستبداله بمليشيات إيرانية.
يعتمد كل ماسبق من حديث عن تغير موازين القوى واحتمالية تغيير خطوط الاشتباك وتسخين الجبهات، على جدية الانسحاب الروسي من جهة، والحوار التركي الغربي والتركي الروسي من جهة ثانية، وبالتالي لاتزال احتمالية التصعيد موجودة، ولكنها حتى اللحظة تقف خلف أبواب الدبلوماسية، ومحاولة الضعط لتحقيق مكاسب كبرى سياسية واقتصادية، خاصة في الحالة التركية والتي تتبنى استراتيجية تعمل على تخفيف عبء الوجود السوري على أراضيها من خلال إعادة مليون سوري إلى المنطقة الآمنة المزمع تشكيلها شمال سوريا.
الأيام القادمة ستكشف جدية هذه التصريحات، وهل سنشهد تصعيداً حقيقياً أم عمليات محدودة الهدف منها إيجاد نقاط سيطرة جديدة الهدف منها تقطيع أوصال مشروع قسد في الشمال.
وفي الجنوب، هل سنشهد توغلاً أردنياً بدعم عربي وإسرائيلي عبر مجموعات محلية وبغطاء جوي، أم أن الحديث عن انسحاب روسي لايزال فرضية لم تتحقق على الأرض؟. تحمل الأيام القادمة الإجابة عن هذه الاسئلة، ولسان حال السوريين يقول: انتظروا إننا معكم من المنتظرين.
فراس علاوي _ الطريق