بدأت بلدان تستضيف لاجئين سوريين على أراضيها، باستغلال مرسوم العفو الأخير الصادر عن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لاستخدامه كذريعة لإعادة اللاجئين قسرًا إلى الأراضي السورية، وسط تخوّف في أوساط السوريين اللاجئين من التعرّض للاعتقال في حال تطبيق هذه الخطط.
يحاول النظام السوري الترويج لعدم اعتقال اللاجئين السوريين في الخارج ممن شملهم “العفو”، في حال عودتهم إلى الأراضي السورية التي تقع تحت سيطرته، كما جاء في تصريح معاون وزير العدل، نزار صدقني، الذي أشار إلى أن “المرسوم الجديد سيعزز مسيرة عودة السوريين في الخارج إلى أرض الوطن، لكونه يشمل من تنطبق عليهم شروط المرسوم”.
يأتي ذلك في الوقت الذي وثّقت فيه “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” إفراج النظام السوري عن 18 شخصًا اعتُقلوا بعد عودتهم إلى سوريا من اللاجئين والمقيمين خارجها، بينهم سيدتان.
في 30 من نيسان الماضي، أصدر الأسد المرسوم التشريعي رقم “7” لعام 2022، القاضي بمنح عفو عام عما صنفها على أنها “جرائم إرهابية”، عدا التي أفضت إلى موت إنسان، والتي ارتكبت قبل تاريخ الإعلان عن المرسوم.
وهذه الجرائم تشمل المنصوص عليها في قانون “مكافحة الإرهاب” رقم “19” لعام 2012، وقانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم “148” لعام 1949 وتعديلاته، بحسب ما نقلته الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا).
استغلال سياسي
المحلل السياسي حسن النيفي، قال لعنب بلدي، إن “العفو الذي أصدره رأس النظام في دمشق، لا علاقة له بما يسمى عودة اللاجئين، وفقًا للأعراف القانونية”.
وأضاف النيفي أن مفهوم عودة اللاجئين يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحل السياسي وفقًا للقرارات الأممية، مشيرًا إلى عدم وجود قانون يجبر اللاجئ على العودة، ما لم يتحقق حل سياسي للقضية السورية، بالإضافة إلى أن قرار العفو لا يمكنه طمأنة أحد من السوريين خارج البلاد، نظرًا إلى فقدان الثقة بالنظام وأساليب “بطشه” في التعامل مع المعتقلين، بحسب تعبيره.
بعض الأحزاب والمنظمات في مختلف دول العالم تدعم النظام السوري وتروّج له، وهو ما يستغله النظام، ويصفه بأنه “تقارب أوروبي” يمهّد الطريق لتطبيع العلاقات، رغم الموقف الأوروبي الرسمي الرافض لأي تطبيع مع دمشق، أو المشاركة بنشاطات إعادة الإعمار في سوريا، قبل حدوث تغيير سياسي يتلاءم مع القرارات الأممية وأبرزها القرار “2254“.
وفي ظل تردي الواقع الاقتصادي والمعيشي في لبنان، وفي اليوم نفسه الذي صدر فيه مرسوم “العفو العام”، أعلن وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني، هيكتور حجار، أن بلاده أبلغت الأمم المتحدة بعدم قدرتها على تحمّل ملف “النازحين” السوريين.
يوجد في لبنان نحو 900 ألف لاجئ سوري، يعيش 89% منهم تحت خط الفقر المدقع، وفق تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لتقييم أوجه الضعف حول اللاجئين السوريين لعام 2020، ما يكشف ارتفاع النسبة بمقدار 34% عن عام 2019.
في 13 من كانون الثاني الماضي، دعت الحكومة الدنماركية إلى إنشاء نظام لجوء جديد وصفته بأنه “أكثر عدلًا وإنسانية”، ونقل طالبي اللجوء إلى خارج أوروبا لفحص قضاياهم هناك.
وقال وزير الهجرة والاندماج الدنماركي، ماتياس تسفاي، حينها إن الحكومة الدنماركية اقترحت نظام اللجوء الجديد، لضمان التماسك الاجتماعي والأمني في بلدان الاتحاد الأوروبي، والقضاء على أسباب الهجرة غير الشرعية، مع توفير الحماية للمحتاجين من جهة ثانية.
وفي تركيا، تتوجه بعض الأحزاب المعارضة لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري وحكومته، لإعادة اللاجئين السوريين من أراضيها في حال النجاح بالانتخابات الرئاسية المقبلة.
دون تنسيق أممي
رئيس “تجمع المحامين السوريين الأحرار”، المحامي غزوان قرنفل، عزا قرار الحكومة التركية بإعادة مليون لاجئ سوري “عودة طوعية” إلى إصدار النظام “العفو” الأخير، وأوضح أن “العفو” سيلقي بظلاله على أوضاع اللاجئين عمومًا، وعلى من هم في لبنان والأردن والعراق بشكل خاص.
قرنفل نوّه إلى أن “هذه الخطوة لم تكن لتتم دون تنسيق دولي وأممي”، مشيرًا إلى عدم صدور أي تعليق من أي دولة بهذا الشأن يرفض أو ينتقد تلك الخطوة.
النيفي أكد أنه “دون تسوية أو تفاهمات سياسية بين أنقرة ودمشق، أو حتى دون وجود ضمانات دولية لعودة اللاجئ من الناحية الأمنية، لا يمكن الحديث عن عودة آمنة للاجئين السوريين”.
وعقّب قرنفل على اعتبار بعض الدول مناطق مختلفة من سوريا آمنة لإعادة اللاجئين إليها، والتي كانت آخرها الدنمارك، أنه “بالنسبة للدنمارك، لو كانت لديها علاقات دبلوماسية مع النظام حاليًا، لأعادت هؤلاء إلى دمشق وريفها، وبطبيعة الحال سيشجع مرسوم العفو تلك الحكومة وحكومات أخرى على السير بذات النهج”.
النيفي يرى أن الإجراءات التي تقوم بها الدنمارك حيال السوريين تنبثق من قرار سياسي، ولا يمكن تعميمها على جميع الدول الأخرى التي يوجد فيها لاجئون.
وأضاف، “حكومة الدنمارك ربما تتخذ من العفو الذي أصدره النظام ذريعة لزيادة ضغوطها في إبعاد اللاجئين عن أراضيها”.
الموقف التركي
في 3 من أيار الحالي، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن مساعي الحكومة التركية لإعداد مشروع لضمان عودة مليون لاجئ سوري “عودة طوعية” إلى بلادهم، بحسب ما نقلته قناة “A Haber” التركية.
وفي 10 من الشهر نفسه، علّق رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى تركيا، نيكولاس ماير لاندروت، على مشروع تركيا لـ”العودة الطوعية الكريمة” للاجئين السوريين قائلًا، إن “هذه الخطوة ستسعد الجميع، لكن الظروف المناسبة غير متوفرة حتى الآن”.
ولفت إلى أنه “عندما تُهيّأ الظروف المناسبة، فإن العودة المشرّفة للاجئين السوريين لن تكون فقط من تركيا، بل وأيضًا من الأردن ولبنان ومصر وأوروبا، ولكن هذه الظروف غير موجودة في الوقت الحالي”.
رئيس الحزب “القومي” التركي، دولت بهتشلي، قال خلال اجتماع المجموعة البرلمانية لحزبه، في 10 من أيار الحالي، إن “قرار العفو العام الذي أصدره الرئيس السوري، بشار الأسد، مهم وسيسهل العودة”.
وسائل إعلام تركية وصفت العفو بـ”العيد” الذي حلّ على الشعب السوري، مدعية إفراج النظام عن آلاف المعتقلين، بالإضافة إلى كونه مختلفًا عن مراسيم العفو السابقة.
قالت صحيفة “Aydınlık” التركية، إن “أهم ما يميز قرار العفو العام، هو أنه يزيل جميع الإجراءات القانونية وعلامات الاستفهام الخاصة بالعودة إلى الوطن”، وفق تعبيرها.
صرح أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “دمشق” بسام أبو عبد الله، لـ”Aydınlık” التي وصفته بـ”المقرب من الأسد”، حول هذا الموضوع قائلًا، إن “المستفيد من هذا العفو سيكون بضمان وزارة العدل والمنظمات الدولية، ففي السابق، كان هناك خوف من اتخاذ إجراءات قانونية، ومن أجل التخفيف من هذه المخاوف، تم الإعلان عن هذا العفو العام الآمن والواسع النطاق”.
في وقت لاحق، ألغت وزارة العدل السورية في حكومة النظام جميع البلاغات والإجراءات المستندة إلى الجرائم المنصوص عليها في قانون “الإرهاب”.
وبحسب بيان لها، أُلغيت جميع البلاغات والإجراءات (إذاعة بحث، توقيف، مراجعة) المستندة إلى الجرائم المنصوص عليها في قانون “مكافحة الإرهاب” رقم “19” لعام 2012، وذلك “بحق جميع المواطنين السوريين في الداخل والخارج، ما لم يتسبب فعلهم بموت إنسان، أو يثبت استمرار انتمائهم إلى تنظيمات إرهابية أو ارتباطهم مع دول أخرى”.
نتائج مرسوم العفو جاءت مخالفة لكل ما يتم الترويج له، إذ وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” إفراج النظام السوري عن 476 شخصًا فقط.
وقالت “الشبكة السورية” في تقرير لها، في 16 من أيار الحالي، إن النظام يحتجز نحو 132 ألف معتقل منذ بداية الاحتجاجات في سوريا عام 2011، مشيرة إلى استمرار النظام في عمليات الاعتقال التعسفي.
للمزيد: “الشبكة السورية” توثّق الإفراج عن 476 معتقلًا من أصل 132 ألفًا
تعاطي الدول مع ملف عودة اللاجئين، واعتبار بعض المناطق السورية آمنة، تجلى في اعتزام السلطات الدنماركية ترحيل معتقل سوري سابق وإعادته إلى مناطق سيطرة النظام في دمشق، بحجة أنها باتت “آمنة” ويمكن العودة إليها.
وهذا ما أكّدته الشابة السورية إسراء راعي البلها، في حسابها الشخصي عبر “تويتر”، مشيرة إلى أن السلطات الدنماركية ستقوم بترحيل والدها إلى سوريا، وأن هذا الإجراء يأتي على الرغم من تعرض والدها للتعذيب في سجون الأسد، حيث قُطعت اثنتان من أصابعه وسُحقت إصبعان آخران، مشيرة إلى وجود تصريح لإقامتها في الدنمارك التي تعتقد أن سوريا آمنة.
المصدر: عنب بلدي