يعاني السوريون في تركيا من أزمة تتعلق بإذن العمل الذي يشرعن أحقية العامل في ممارسة العمل الذي يمارسه على نحو مشروع باعتباره ملتزما بالموجبات القانونية التي ينص عليها قانون العمل، ويتمثل وجه المعاناة في أن القانون ينيط برب العمل ويلزمه باستخراج إذن العمل لعموم العاملين لديه في منشأته أو مؤسسته ولكنه لا يمتثل لذلك عندما يكون العامل أو العاملين لديه من السوريين رغبة منه ليس فقط في توفير مبالغ شهرية تصل على الأقل إلى ألف وخمسمئة ليرة تركية ملزم بدفعها عن كل عامل لديه كضمان اجتماعي وتأمين صحي، وإنما أيضا إلى إطلاق يده في تشغيل هؤلاء العمال ساعات عمل أكثر من ساعات العمل المقررة قانونا وهي ثماني ساعات فقط وكذلك في عدم التزامه بأداء أجور لهؤلاء تبدأ على الأقل بالحد الأدنى للأجور الذي لا يدفعه عمليا للعمال السوريين.
من جهة أخرى فإن قانون الحماية المؤقتة الذي يخضع السوريون لأحكامه في وجودهم القانوني على الأراضي التركية ينص في الفصل المتعلق بالأسباب القانونية التي تتيح للسلطات ترحيل الأشخاص عن أراضيها وتحديدا في البند التاسع من ذلك الفصل على حق السلطات بترحيل الأشخاص الذين يعملون دون الحصول على إذن عمل(!).
يقف العامل السوري عاجزا لا يعرف كيف يعالج تلك الإشكالية وهو المحتاج إلى العمل بإلحاح مهما كانت ظروف وطبيعة هذا العمل وحجم الاستغلال الذي يتعرض له
وبين رفض أرباب العمل الأتراك – وكذلك كل أرباب العمل السوريين تقريبا – الامتثال لموجبات استخراج إذن العمل للعاملين لديهم وفق مانص عليه قانون العمل، وبين سيف الترحيل المسلّط على رقابهم إن هم عملوا دون إذن عمل وفق موجبات قانون الحماية المؤقتة، يقف العامل السوري عاجزا لا يعرف كيف يعالج تلك
الإشكالية وهو المحتاج إلى العمل بإلحاح مهما كانت ظروف وطبيعة هذا العمل وحجم الاستغلال الذي يتعرض له فيه، لكونه يريد إعالة أسرته وتغطية الحد الأدنى من احتياجاتها خصوصا أن معظم السوريين في تركيا لا يتلقون عونا ماديا من الحكومة التركية، وأن بعضهم فقط يتلقى عونا محدودا ومتواضعا من الهلال الأحمر التركي مقداره مئة وخمسون ليرة تركية عن كل فرد من أفراد الأسرة شهريا وضمن شروط مشددة لا تنطبق بالضرورة على العدد الأكبر من السوريين المحتاجين لمثل هذا العون، فمجموع من يتلقون عون كرت الهلال الأحمر الممول أصلا من الاتحاد الأوروبي لا يتجاوز في أحسن الحالات مليون شخص وفق ماقالته منظمة الهلال الأحمر التركية لنا ردا على سؤال توجهنا به إليها، وذلك من أصل أقل من أربعة ملايين سوري موجودين على الأراضي التركية.. وكذلك فإن مجموع السوريين الذين حصلوا فعلا على إذن عمل لا يتجاوز في أحسن الحالات ستاً وثلاثين ألفا فقط من أصل ما يزيد عن مليون عامل سوري في تركيا، ما يؤشر إلى حجم المشكلة التي ستواجه السوريين مستقبلا مع تزايد ما يمكن تسميته بعمليات التضييق عليهم ضمن إجراءات ضبط أوضاعهم القانونية على الأراضي التركية، وصدور تعليمات مشددة مؤخرا بشأن الترتيبات القانونية على ممارسة العمل دون تصريح قانوني بذلك.
ما الحل إذا؟ وهل يكفي التلويح والتهديد بفرض غرامات مالية مغلظّة على أرباب العمل لإلزامهم باستخراج أذون عمل رسمية لعمالتهم من السوريين؟.. وهل الوعيد بتغريم وترحيل العامل السوري الذي يتم ضبطه يعمل بلا إذن عمل لا ذنب له بعدم الحصول عليه لأن رب عمله يرفض استخراجه له ويطرده من عمله إن طالب به، هل سيحل تلك المشكلة؟؟؟
لا أعتقد.. فأرباب العمل مصرّون على رفضهم والعمال لا حول لهم ولا قوة وهم مضطرون للرضوخ لشروط أرباب أعمالهم ليردوا عن عوائلهم غائلة الجوع والعوز، في ظل ظروف معيشية صعبة وتضخم وارتفاع أسعار غير طبيعي وغير مألوف لهم سابقا.
أعتقد أنه يتعين على الحكومة التركية اللجوء لحل إبداعي مختلف ومقاربة غير تقليدية لهذا الملف عما ينص عليه قانون العمل لجهة إلزام أرباب العمل باستخراج إذن العمل – لأن ذلك لم يلزمهم فعليا ولا أتوقع أن يلزمهم أو يستجيبوا له مستقبلا – ويمكن لهذه المقاربة أن تشرعن للاجئين السوريين ممارسة أعمالهم وتحت سقف القانون دون خوف من سيف الترحيل المسلّط على رقابهم.
هذا الحل المقترح سيكون مريحا لكل الأطراف فهو سيعطي مشروعية لممارسة العمل ويحمي العامل من الترحيل لهذا السبب
تقوم فكرة تلك المقاربة على أن تصدر وزارة العمل عبر مديرياتها في الولايات للعمال ممن هم تحت قانون الحماية المؤقتة (تصاريح ممارسة عمل محددة الجهة والمدة وقابلة للتمديد أو استبدال جهة العمل) وذلك بناء على طلب العامل نفسه مشفوعا بإشعار من رب العمل الذي يعمل لديه، وأن يعفى هذا (التصريح بالعمل) من الأداءات المالية المتوجبة على أذون العمل العادية والمتعلقة بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي وبالمقابل لا يكون لهؤلاء العمال حقوقا تقاعدية أو تعويضات نهاية خدمة، ولا يكون لهم ضمان صحي خاص باعتبارهم أصلا يحصلون على الرعاية الصحية والعلاجية كاملة بموجب بطاقة الحماية (الكيملك) التي يحملونها.. وهذا الحل المقترح سيكون مريحا لكل الأطراف فهو سيعطي مشروعية لممارسة العمل ويحمي العامل من الترحيل لهذا السبب، كما أنه يسبغ الحماية القانونية على العامل تجاه رب العمل لجهة عدم قدرة هذا الأخير على إجباره على العمل لساعات أكثر مما هو مقرر قانونا، ويضمن له كذلك الحصول على أجر عادل يبدأ على الأقل من الحد الأدنى للأجور المقرر قانونا والذي كثيرا مايتملص رب العمل من أدائه للعامل اللاجئ، وهو على الوجه الآخر يشجع أرباب العمل على الامتثال للقانون في نقطتي الحد الأدنى للأجور وساعات العمل القانونية لأنه يخفف عنهم عبء أداء الالتزامات المالية لأذون العمل المقررة في الحالات الطبيعية والعادية، وهو أخيرا يريح الحكومة لجهة تنظيم مسألة العمالة وضمان امتثال الجميع للموجبات القانونية ما يساعدها على وضوح رؤيتها فيما يتعلق بالعمليات الإحصائية والدراسات الميدانية والاجتماعية والسكانية التي تحتاج لأرقام وإحصاءات وبيانات صحيحة وصادقة للخروج منها بنتائج تتعلق برسم السياسات الاقتصادية والمالية والسكانية والمجتمعية عموما.
هذا المقترح نضعه برسم الحكومة التركية وكل المنظمات الحقوقية – السورية والتركية – ومنظمات المجتمع المدني عموما للتمحيص فيه وتطوير مضامينه ودعم فكرة تبنيه لشرعنة عمل السوريين وقوننته حتى لا يكون الترحيل سيف ديموقليس فوق رقابهم.
غزوان قرنفل _ تلفزيون سوريا