كثيرا ما تتردد على مسامعنا شعارات تطالب بالمساواة، وفي ظل الثورات في الآونة الأخيرة ازدادت وبدأت تظهر على الساحة جمعيات أنثوية تحت مسمى الحريات تطالب بحرية المرأة والمساواة مع الرجل بكل الميادين بما فيها ما يتنافى مع القيم والأعراف الشرقية، قبل أن تكون هناك روادع أخلاقية ودينية. نحن لسنا بصدد التعريف عن تلك الجمعيات، نحن بمقالنا هذا نلقي الضوء على معنى المساواة، وهل المساواة التي ينشدها الأغلبية اليوم هي المطلب؟ أم هناك لغط في المفاهيم، وهل هي الحل الوحيد لنصل إلى التنمية والتقدم والتطور وبناء المجتمعات؟ أم أن هناك مفهوما آخر يسبقها غفل عنه كثيرون مما أدى إلى انهيار البنى التحتية على الصعيد الاجتماعي من علاقات وقيم ومبادئ على أثر المناداة بالمساواة والجهل بالمفهوم؟
هل تسألنا يوماً عن معنى المساواة؟
سيظهر كثير من إناث وذكور ويقول تكافؤ وتساوي الفرص بين الجنسين بكل الأمور الحياتية، فما يحق للذكر يحق للأنثى.
بداية المساواة هي عملية تطابق تام بين طرفين أو عدة أطراف بمعنى أنها نسخة طبق الأصل لجميع الأطراف، فلا تتحقق المساواة إلا في ظل توافر التطابق الكامل بين طرفين فهي علاقة طرف أول = طرف ثاني كما علاقة 1=1
وفي حالة الذكر والأنثى كيف تصح المساواة وبينهما فوراق جوهرية أهمها الثقافية والبيولوجية؟! على سبيل المثال في ميدان العمل هل تصلح الأنثى للعمل في البيتون كما الرجل؟ حسب قانون المساواة لا بد أن تعمل لكن لن تعمل بحكم العامل البيولوجي ذي البنية الأقل تحملا من بنية الرجل الجسدية، إذا هنا انتفت المساواة لإخلالها بشرط التطابق.
إلا أن هذا لا يعني استحالة المساواة أو لا يوجد مساواة بين الجنسين وبين كل البشر لكن متى وكيف وأين تتحقق المساواة؟ وهل تتحقق بكل الأمور الحياتية؟
في ظل الحقوق والواجبات المساواة لا تصلح بين ذكر وأنثى لوجود فوارق جوهرية أهمها الثقافية والبيولوجية
للإجابة على هذا لابد بداية من الفصل بين، القيم والمبادئ الأخلاقية والعلاقات الإنسانية التي يندرج تحتها جميع البشر باختلاف الشرائح والأجناس والأعراق.. فهنا يتساوى الجميع في الثواب والعقاب في ظل القانون، فالناس سواسية أمام المعاملات والعلاقات الإنسانية والاجتماعية والأحكام والقوانين والعقوبات.. وكل ما يندرج تحت القيم الأخلاقية.
وبين الحقوق والواجبات التي لا يتساوى فيها البشر بحكم وجود فوارق عديدة منها الثقافية والبيولوجية… والتي يندرج تحتها العمل والخدمة وكل الأمور الحياتية التي تساهم في آليه بناء المجتمعات على كل الأطر الثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
ففي ظل الحقوق والواجبات المساواة لا تصلح بين ذكر وأنثى لوجود فوارق جوهرية أهمها الثقافية والبيولوجية، ومن الأمثلة على تلك الفوارق يتميز دماغ الرجل بأنه صندوقي لا يستطيع التفكير بأكثر من شيء واحد بينما دماغ الأنثى شبكي يمكنها التفكير والقيام بعدة أعمال بالوقت ذاته، كذلك غالباً لا يفكر الرجل إلا بالأشياء بينما الأنثى تفكر بالبشر، اختلاف القوة الجسدية بحكم البنية كذلك ببعض الوظائف لدى الجنسين كل تلك الفوارق تجعلهما يكملان بعضهما وليسا متساويين فالمساواة لا تتم بين عنصرين مختلفين؟ وإن تحققت فهي تتحقق بشكل جزئي لا يذكر نسبة للمساواة المتطابقة مئة بالمئة، بالتالي لا يصلح أن نطلق عليها مساواة، يمكن أن نطلق عليها اسم إتاحة فرص بما يتناسب مع المؤهلات والقدرات والنوع.
فعلى سبيل المثال لنفرض أنه تحققت المساواة بين ذكر وأنثى بعدد ساعات العمل والراتب والمرتبة الوظيفية إلا أنه لا يجب الوقوف عند هذا الحد لنقول إنها تحققت تماما لا بد من الوقوف عند نوعية العمل والاستطاعة والقدرة على التحمل، فكثير من الوظائف لا تتناسب مع التكوين الأنثوي بسبب العامل البيولوجي، فهل نقول هنا أنها تساوت مع الذكر؟! هي تساوت بعدد الساعات والراتب إلا أنها لم تتساو بالنوعية بحكم التكوين والقدرة، وشرط المساواة التطابق التام بين الطرفين أو عدة أطراف، وإن افترضنا جدلاً تطابق كل الأطراف ذكورا وإناثا بكل النواحي من قدرات ومؤهلات وغيرها كيف سيصبح المجتمع؟! الأكيد سيصبح على رتم واحد دون حوافز وآليات للتطوير.
بينما تصلح المساواة في الثواب والعقاب في ظل القانون بما يتعلق بالمبادئ والقيم الأخلاقية التي تحمي المجتمعات من الفساد والانهيار الأخلاقي على سبيل المثال السرقة، الرشوة، شهادة الزور، وكثير من هذه القيم يتساوى الذكر والأنثى بالعقاب، ووجوب العقاب لا يختلف عليه أحد كما وأنه يتقاطع مع كل النصوص سواء كانت سماوية أو قوانين أرضية وضعية.
مما لا شك فيه أن الاختلاف والفوارق سواء كانت من الجنس ذاته أو ذكر وأنثى هو سبب بتقدم عجلة التنمية والتطوير. وبعد أن بينا أين تصح المساواة يبقى السؤال: ما الذي تحتاجه مجتمعاتنا بديلا عن شعار المساواة الذي لا يصلح في الحقوق والواجبات؟ ما الذي تحتاجه لتفعيل الأدوار التي تسهم في بناء المجتمعات على كل الأصعدة لترتقي إلى الصفوف الأولى من الازدهار؟ لا سيما بالعلاقة المبنية على الاختلاف الثقافي والبيولوجي التي بينا أنها علاقة تكاملية وليست علاقة ندية.
لنطرح مثالا على سبيل المثال لا الحصر نستنتج من خلاله ما نحن بحاجة إليه:
أنجب أحدهم ببداية الزواج طفلين وبعد خمسة عشر عاما أنجب طفلاً آخر وتوفي بعدها الأب وترك ميراثا، كيف سيتم التوزيع؟
إن قسمت التركة بالتساوي على ثلاث فأنت حققت المساواة بالقسمة إلا أنك لم تعدل بينهم، فهناك حق الطفل من الصرف لخمسة عشر عاما حتى يبلغ أشده كما أخويه، من المساواة أن تقسم بالتساوي على ثلاث لكن من العدل اقتطاع قيمة المبلغ الذي صرف على أخويه حتى بلغا أشدهما والمتبقي يقسم على ثلاث، وإلا سيكون الصغير أقل من أخويه بالميراث رغم القسمة المتساوية لأن ميراثه سيذهب لتنشئته وعندما يبلغ أشده سيبدأ من الصفر بينما أخويه ابتدأا من الميراث الرحلة العملية بالحياة وتكوين الأعمال.
ربما يخرج البعض ويقول هذا شرع الله ولا يصح إلا بالتساوي:
نقول: لذا أوجب الله الوصية وتنفيذها قبل توزيع الميراث بقوله (من بعد وصية يوصي بها) لأن الله عندما شرع ما يخص الحقوق والواجبات أقر بالعدل وليس بالمساواة بدليل كثير من المواقع يقول (تعدلوا)، بينما حديثه عن التساوي ورد بما يتعلق بالقيم الأخلاقية كما ذكرنا آنفا بقوله على سبيل المثال: السارق والسارقة ذات العقاب، وفي الثواب ذات الجزاء كالصالحين والصالحات لهم جنات، وهذا ما نجده في القوانين الوضعية الأرضية في العقاب والثواب (بالمكافآت المادية والمعنوية).
نستنتج أن العدالة هي الأقرب لإنصاف الناس والتقييم الصحيح وليس المساواة فيما يخص الحقوق والواجبات.
الحقيقة مجتمعاتنا تحتاج إلى العدالة الاجتماعية سواء كانت داخل أو خارج نطاق الأسرة لوجود الفوارق لتنمية البلاد إنتاجيا واقتصاديا وعلميا، وإلى المساواة لتنمية القيم الأخلاقية
ماهي العدالة: هي تلبية احتياج أو إتمام نقص لدى الفرد وتأهليه ليكون عضواً فعالا منتجا من منبره ضمن قدراته ومؤهلاته، وهذا يندرج تحت الحقوق والواجبات والحياة العملية والإنتاجية.
الفرق بين العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات، العدالة تمنح كل إنسان التقييم الحقيقي العائد على المؤهلات والقدرات بعد تلبية الاحتياجات.. أما المساواة ففيها ظلم لأحد الطرفين لعدم التطابق والتكافؤ، فهل نحن أحوج للعدالة أم للمساواة، أم إننا بأشد الاحتياج للعدالة والمساواة لنرتقي إلى دولة تصنف من الدول المتقدمة إنسانيا وإنتاجيا، وإن حدث خلل بإحداهما فإن النتائج هي الانهيار.
الحقيقة مجتمعاتنا تحتاج إلى العدالة الاجتماعية سواء كانت داخل أو خارج نطاق الأسرة لوجود الفوارق لتنمية البلاد إنتاجيا واقتصاديا وعلميا، وإلى المساواة لتنمية القيم الأخلاقية.
كم من الأطفال يحتاجون الدعم والمساندة من ضمان أسري وصحي وتعليمي ونفسي لبلوغ أهدافهم المستقبلية ومساواتهم مع أقرانهم بالثواب والعقاب، وكم من الإناث تحتاج التعليم والتثقيف والتعبير عن الرأي والتفرد بالقرارات والاستقلالية لتنشَأ أجيالٌ واعية ومساواتهم أمام القانون على سبيل المثال عقوبات جرائم القتل منها جرائم الشرف.
كم من الأشخاص يحتاجون إلى توفير الأمان الوظيفي وإعادة تأهيل مهني لرفع آلية الإنتاج والتطوير ورفع المستوى المعيشي بالمقابل ومساواتهم بالثواب والعقاب مع أقرانهم وليس المحسوبيات.
كم وكم وكم وكم من احتياجات تنقصنا، مع النقص تنهار المجتمعات أخلاقيا وإنتاجيا وفي أحسن الاحتمالات تبقى من الدول النامية.
شعوبنا تحتاج إلى العدالة الاجتماعية بما يتعلق بالحقوق والواجبات من تنمية وتدريب وتأهيل وتأمين كل الاحتياجات بما يتناسب مع الفوارق الثقافية والبيولوجية والمؤهلات والقدرات لنهضة المجتمع والتطوير وتحتاج إلى المساواة في القيم الأخلاقية والثواب والعقاب ولا أحد خارج القانون.
وإذا أردنا تحقيق المساواة بشكلها الجزئي في الحقوق والواجبات فهذا أيضا لن يتم مالم تتحقق العدالة الاجتماعية وهي تأمين كل الاحتياجات لبلوغ التصنيف من الدول المتقدمة.
مها التيناوي _ تلفزيون سوريا