هل وضع المرأة العربية له خصوصية؟ ما هذه الخصوصية التي تجعل من واقع المرأة العربية مختلفاً عن واقع المرأة في العالم؟.
هل ما تعانيه المرأة العربية له علاقة بالوضع الاقتصادي أو الاجتماعي كالعادات والتقاليد أو الدين أو الوعي أو الجهل؟ أو كل ما سبق يُعتبر من العوامل المؤثرة بشخصية المرأة وبظروفها وواقعها ولكن ليس لهذه العوامل نفس الدرجة من التأثير. أيضاً هل واقع المرأة العربية وظروفها واحد في كل الأقطار العربية؟ هل يختلف واقع المرأة في الشرق مثلا سورية ولبنان عن واقع المرأة في المغرب العربي كالجزائر وتونس وهذه وتلك هل تختلف عن واقع وظروف المرأة في مصر أو السودان؟.
لنعترف أولاً أن واقع المرأة العربية وظروفها وشخصيتها تختلف من إقليم لآخر ومن دولة لأخرى وبنفس الإقليم تختلف من بيئة دينية لأخرى ومن واقع اجتماعي لآخر، ويختلف وضعها من دولة لأخرى. ولكن الحديث يمكن أن يكون في العام من الظروف والعوامل المشتركة وإن اقتضى التنويه لخصوصية ما يقتضيها الموضوع ممكن الإشارة لها.
بعضهم يؤكد أن المرأة قد تحررت نسبياً من الناحية الاقتصادية وعرفت القراءة والكتابة وشغلت مناصب في الدولة والمجتمع.
سؤال: هل حقاً النساء بالعموم ينطبق عليهن ذلك؟ أو بعض النماذج وحالات خاصة أي فردية وليست عامة فقد نجد مقابل كل امرأة ينطبق عليها التحرر المقصود، عشرات النساء ما زلن تحت قبضة التخلف والعبودية المناقضة لمبادئ حقوق الانسان، التي تؤكد معظم بنودها على عدم التمييز بين الجنسين (الجندرة)، أما بشكل عام يمكن القول: إن المرأة لم تستطع التخلص من أنها امرأة تلك الشخصية التي رسمتها الأديان أو العادات والتقاليد أو التخلف بشكل عام، ولم تستطع أن تميز بين انها انسان لها ما للإنسان من حقوق وواجبات كما للرجل وإن كانت تعتز بيولوجياً بأنها أنثى وهذا أمر يوظف إيجابياً لصالح المرأة عكس ما هو مألوف، والعامة من النساء ربطن سعادتهن برضى الرجل فهي (أي المرأة بشكل عام)، لم تستطع التخلص بعقلها الباطني من أنها أقل من الرجل، بل تابعة له، فهي تعمل خارج المنزل وتعود لتغسل وتطبخ وتنظف، وهذه الأعمال لا يجوز للرجل أن يمارسها فهو يعمل طباخاً في أكبر المطاعم والفنادق، لكن في البيت الطبخ صناعة نسائية، وينطبق ذلك في التنظيف وكي الثياب وغيره.. إلخ.
وما أكثر النساء اللواتي يتفاخرن بعدم السماح لأزواجهن بنشر الغسيل أو رؤية الجيران لهم وهم يقومون بالمساعدة في الأعمال المنزلية من تنظيف وغيرها، لا فهذا يقلل من شأن الرجل، وهن على قناعة بصحة هذا الموقف، ولا يعلمن بأن ذلك هو عين الاغتراب الثقافي القاتل.
كذلك يسخر الرجال ممن يساعد زوجته بالأعمال المنزلية، كونها لا تليق بالرجال، وهذا عين الاغتراب الثقافي الذي يعمي أعيننا، فالعلوم الحديثة والنظام الاجتماعي العام لا يفرق في الأعمال بين الجنسين، والفرق البيولوجي بين الذكر والأنثى لا يبرر النظرة الدونية للمرأة.
لذلك تعاني المرأة في كل المجتمعات العربية والإسلامية من التمييز والتهميش والاضطهاد، ومن لا تضطهدها قوانين بلادها، تضطهدها قوانين مجتمعها وعاداته وتقاليده ومفاهيمه، وتزداد معاناتها صعوبة عندما تكون متعلمة وذكية وطموحة ومبدعة، فهي محكومة بانتمائها لمجتمع مغلق له خصوصيته الدينية، ويتمسك بعادات وتقاليد ومفاهيم القبيلة أو العائلة أو الطائفة، وقوانين غير منصفة، لذلك تعيش المرأة العربية بشكل عام هذه الآونة مرحلة مخاض صعبة، لبناء ذاتها، ونيل حريتها وحقوقها المحرومة منها، وهي تكافح كفاحاً مريراً، ولكن بنعومة وصبر الأنثى، لإثبات كفاءتها، ووضع قدمها في الساحة العامة، ممهدة الطريق لتكون شريكاً أساسياً في بناء أسرتها ومجتمعها ووطنها.
ولتجاوز النظرة الدونية لها المرتكزة على أنها لم تُخلق سوى للخدمة والجنس والإنجاب، وتتحدى الفكرة التي تقول بأنها ليست إنساناً كاملاً، بل نصف إنسان شرعاً وقانوناً (ناقصة عقل ودين)، وتُعامل على هذا الأساس منذ نعومة أظفارها، وتواجه قائمة هائلة من الممنوعات، فهي منذ طفولتها عليها أن تخدم في المنزل إخوتها الذكور، وفي المدرسة تتعرض وجهاً لوجه من قبل المربين والأساتذة للتمييز بينها وبين الولد الذكر فالحب شفقة على ضعفها، وفي أحسن الحالات يقدر تفوقها وإمكانياتها لأنها أنثى ضعيفة لم نتوقع منها ذلك التفوق أو نشفق عليها أو نحبها لجمالها تنفيساً لرغبتنا الجنسية، فندور نحن وهي في حلقة معيبة مفرغة.
أما في الجامعة فخياراتها في فروع العلم والتخصص محدودة، لأن للإناث فروع خاصة تليق بهن وكأن هذه الفروع فصلت خصيصاً للمرأة.
ونعمل كي لا تفلت من دائرة خدمة الرجل وأن تكون دائماً تابعة له، وممنوعة أيضاً من السفر، حتى اصطحاب أولادها معها يحتاج لموافقة ولي الأمر، فهي غير مؤهلة أو ليست أهلاً للثقة بالحفاظ عليهم وفي بعض المجتمعات، سفرها يحتاج لموافقة ولي الأمر، وقرارها بقبول واختيار شريك حياتها مرتبط بولي أمرها فان لم يكن الأب فالأخ، وإن كان أقل منها قدراً وكفاءة وعمراً؟.
لله العجب في ذلك، حتى الأم يصبح ابنها ولي أمرها، الأقل منها في كل شئ، فقط لانه ذكر!.
ومطالبة أيضاً بعدم إظهار وجهها، بقصد طمس معالمها وملامحها، كي تكون مجرد رقم بين أرقام النساء، بحجة أن كل ما فيها (عورة) ويجب ستره.
كما أنها ممنوعة من طلب الطلاق مهما جار عليها زوجها، ومهما تزوج عليها مثنى وثلاث ورباع، ومهما استمتع بما ملكته أيمانه أي (أمواله) من نساء.
وفي بعض المجتمعات العربية ممنوعة من قيادة السيارة، ومن العمل بالشأن العام، والقضاء والولاية، فتلك بدعة وفتنة في المجتمع، يجب تجنبها.
لقد انتزعنا منها خياراتها، وأجبرناها على توقيع صك عبوديتها، وتبعيتها لمالكها الأب أو الأخ، أو الزوج الذي يتحتم عليها الخضوع المطلق له، فهو الآمر الناهي عليها، المتحكم في حركتها وعقلها وعواطفها ورغباتها، ومن حقه أن يضربها ويؤدبها ويهجرها في الفراش.
في مواجهة كل مظاهر التخلف السابقة في مجتمعات التخلف اتبعت المرأة أساليب متعددة للمطالبة بحقوقها وناضلت لتكون متساوية في الحقوق والواجبات بالرجل، منها انخراطها في الكيانات الحزبية، فاتخذتها سبيلاً لنضالها، لكنها أخفقت في تبوء المراكز القيادية، وإن نالتها فإنها تكون منزوعة القرار لأن مركزها شكلي دعائي تمثيلي، وشعورها في اللاوعي بالدونية في المجتمع الذكوري، يجعلها تعمل بإرادة ضعيفة وتلجأ إلى طلب المساعدة من الرجال في أبسط الأعمال الحزبية الموكلة اليها أو يجهّز الرجل ما يريد لتنطق به المرأة، هنا تعمل المرأة محكومة بتناقض داخلي هو:
عدم الثقة بالنفس من جهة والسعي لانتزاع اعتراف ذكوري بها وبإمكانياتها وبعملها من جهة ثانية، واستغلت الكيانات الحزبية حالة عدم الثقة بالنفس وما تعانيه المرأة في مجتمعات التخلف، وحولت الخطاب النسوي المطالب بالحقوق المتساوية مع الرجل إلى خطاب شعاراتي فارغ المحتوى خدمةً لأغراضها الحزبية والذكورية ليس إلا، وارتضت الكثير من النساء الناشطات في المجال النسوي بهذه الشعارات الفارغة وبالأدوار الهامشية، فتحول الخطاب من خطاب ساع لمعالجة أزمة اجتماعية تنخر ذات المجتمع إلى خطاب من الشعارات السياسية الفارغة تتبناه الكيانات الحزبية لتضفي صفة التحضر على ذاتها، ولتستر عريها في الهيمنة الذكورية على القيادة الحزبية!.
إن قضية المرأة وحقوقها قضية اجتماعية بقدر ما هي سياسية لارتباطها بأعراف الموروث الاجتماعي والديني وقيمه، بل قضية إنسانية بامتياز، فمن دون إعداد برامج تربوية تغرس مبادئ العدالة والمساواة في ذهنية الجيل الفتي وإسقاط دلالات الموروث من أعراف وقيم بالية تحط من قدر وشأن المرأة في المجتمع لا يمكن تفكيك مسببات الأزمة وتفعيل نصف طاقات المجتمع لتساهم في تقدمه وتطوره الاجتماعي.
متى نلغي من على صفحات كتب التعليم الابتدائي عبارات مثل زينب تغسل ريمه تكوي حسن يفكر مجدي يكتب رامز يساعد والده بالحقل فاطمة تساعد والدتها في المطبخ.. إلخ.
هذا التمييز الوظيفي المستند إلى الجندرة والتمييز بين الذكر والأنثى علما ان هذه المفاهيم الضالة تتحول لسلوك وأخلاق وقيّم.
باسم الدين وتعاليمه اضطهدت، وباسم الشرف والأخلاق قُمعت وأهينت، وباسم العادات والتقاليد تحولت لأداة تفريخ وخدمة.
هذا هو واقع أغلب النساء في المجتمع العربي، وهذه هي أحوال مجتمعاتنا، التي لن تتحرر من غفلتها وخيبتها إلا بتحرر نسائها. ولن تتحرر نساؤها إلا بتحرر رجالها من أغلال المفاهيم والقوانين المتخلفة.
يقول تروتسكي في كتابه النساء والعائلة: “ليس من الممكن تغيير وضع المرأة تغييراً جذرياً إلا إذا تم تغيير جميع الشروط الاجتماعية والعائلة والحياة المنزلية”.
وأيضاً يقول كارل ماركس: “معرفة مقدار تقدم أو تخلف اي مجتمع لا عليك سوى معرفة مكانة المرأة عندهم”.
من هنا أرى بأن التحرر الاجتماعي وبكل أبناء المجتمع نساء ورجال لن يتحقق إلا في ظل الدولة المدنية، دولة القانون، عمودها الفقري الديمقراطية والعدالة والمساواة.
فكم من النساء هن على استعداد لخوض معركة التحرر هذه وكم من الرجال على استعداد لدعم المرأة في معركتها تلك؟.
ولنسأل أنفسنا نساءً كنا أم رجالاً: ما المطلوب منا في القول والسلوك؟ وعياً وتطبيقاً حتى نرفع راية التحرر يداً بيد، رجلاً وامرأة على أرضية احترام الآخر؟!.
هل نحترم أمهاتنا الاحترام الحقيقي الواعي؟ هل نحن عادلون في تربيتنا بين أولادنا ذكوراً وإناثاً؟ وهل تعاملنا مع بناتنا يستند إلى نظرة واعية في الحقوق والواجبات المتساوية بين الذكر والأنثى؟ هل نحترم أخواتنا ولا نمارس عليهن سلطة الرجل لأننا ذكور؟.
هل نحترم زوجاتنا ولا نمارس عليهن سلطة السيد لأننا رجال؟ هذه الأسئلة لابد من الإجابة عليها بعقل واضح ومنفتح وبسلوك واقعي لا يتناقض مع معطيات العلم الحديث ومنطق العصر، ولن ننجح إلا إذا بدأنا من الأسرة، من أنفسنا، لنرفع شعار المساواة ونعمل من أجله بجد ومثابرة ونشاط.
ولكن، أيتها المرأة، الأخت، الزوجة، الأم، الابنة، الحبيبة.. أنا كرجل لا أقبل أن تكوني أقل مني شأناً، وكلّ ما أرجوه ألا تقبلي أنت أيضاً، لكن لا تتوقعي أن يمنحك الرجل حريتك ويهدي إليك استقلالك، لتؤكدي ذاتك وتكوني حرة هذا أمر مرتبط بك أولا ومرتبط بتكامل الجهود بينك وبين الرجل ثانياً.
ثوري على الواقع تمردي على الرجل وسيادته، قد تخسرين المعركة الآن لكنك ستؤسسين لمعركة ناجحة تخوضها بناتك غداً.
قبل الختام أريد أن أذّكر بقول (كارل ماركس): أي شخص يعرف أي شيء عن التاريخ يُدرك أن التغيرات الاجتماعية العظيمة مستحيلة من دون الثورة النسائية.
سليمان الكفيري _ نينار برس