يخلف التعرض للتعنيف آثارا عديدة تظهر على الصحة الجسدية والنفسية، لذلك تعاني النساء اللواتي تعرضن للعنف بمختلف أنواعه من اضطرابات نفسية وأعراض جسدية متنوعة.
إذ تظهر بعض الأمراض أو الاضطرابات النفسية على شكل أعراض جسدية، ولا يجد الأطباء تفسيراً طبيا لشكاوى بعض الحالات، وقد يميل الأشخاص المصابون بهذه الأعراض إلى السعي للحصول على رعاية طبية متكررة و يحبطون إذا لم يحصلوا على تشخيص، وتسمى “اضطرابات جسدية نفسية المنشأ”.
معظم الاضطرابات والأمراض النفسية لها أعراض جسدية
الاختصاصي النفسي محمد السيد، يقول إن معظم الأمراض والاضطرابات النفسية لها أعراض جسدية، مثل الاضطرابات العقلية وثنائي القطب والاكتئاب والاضطرابات الجنسية والقلق وغيرها.
ويدرس الأطباء العضويون الأعراض جيدا، وربما يخمنون أن الأعراض التي يعاني منها المرضى هي ناتجة عن اضطراب نفسي، ويتأكدون من الحالة بعد نفي الاضطرابات العضوية من خلال فحوصات وتحاليل وأشعة وغيرها.
وأشار السيد، إلى أن هناك طائفة من الاضطرابات النفسية اسمها “اضطرابات جسدية الشكل” وهي كثيرة، منها القولون والتوهم المرضي والقلق.
وهي تنتشر في دول الشرق الأوسط أكثر من غيرها، ذلك لأن الثقافة في هذه البلدان لا تولي اهتماما للاضطرابات النفسية، لذلك الدماغ يتعلم ويظهر مشكلته على شكل آلام جسدية، وفق ما قاله السيد.
شفيت من المرض تماما
نورا، سيدة سورية مقيمة في ولاية غازي عنتاب أم لطفلين، كانت تتعرض للتعنيف على مدار 10 سنوات من زواجها، وأصيبت بمرض في الجهاز الهضمي، بقيت تتعالج لمدة سنتين ولم يتم تشخيص مرضها.
تقول نورا: “أمضيت فترة عامين في المشافي أحاول أن أعرف ماذا يحدث معي، فقدت شهيتي وظهرت حبوب في فمي، وأحيانا أصاب بالإسهال والإقياء وأغمي عليّ عدة مرات”.
أجرى الطبيب لنورا صورا شعاعية وتنظيرا، ولكنه لم يجد أسبابا قوية للأعراض التي تصيبها، ورجح أنها ناتجة عن ضغط نفسي وقلق شديد.
بعد فترة انفصلت نورا عن زوجها، ولجأت إلى اختصاصي نفسي وبعد العديد من الجلسات شفيت تماما من الأعراض التي كانت تصيبها سابقا دون الحصول على علاج دوائي للجهاز الهضمي.
محمد السيد، أوضح أن الجهاز الهضمي له علاقة قوية جدا مع الصحة النفسية، إذ تعتبر المعدة أكثر أجزاء الجسم أهمية وتعقيدا، والمشاعر النفسية تؤثر عليها، وأرجع ذلك إلى حدوث خلل في إنتاج مادة السيروتونين، مما ينعكس على المزاج والصحة النفسية.
اضطراب القلق
علا، سيدة سورية مقيمة في ولاية غازي عنتاب، تعمل حاليا في إعداد الطعام والحلويات من منزلها وتقوم ببيعها، أم لأربعة أطفال جميعهن إناث، تزوجت لأكثر من 17 عاما من رجل بدأ بتعنيفها منذ اليوم الثاني لزواجهما واستمرت الحال حتى قررت الانفصال مؤخرا.
تقول علا: ” كان يتلذذ بضربي وإهانتي، تعرضت للتعنيف بشكل شبه يومي وجميع من حولي نصحوني بالصبر لعلّه يتغير مع الأيام، ولكنه كان يزيد دوما، في إحدى المرات كسر أنفي ويدي لمجرد أنه جاء ولم يعجبه الطعام”.
تضيف علا: “كنت أعاني من صداع شديد وضيق في التنفس وخدر في الجانب الأيمن، وذهبت إلى العديد من الأطباء وفي كل مرة لا يجدون شيئا”.
بعد طلاقها من زوجها بدأت الآلام تختفي تدريجيا، واستمعت إلى نصيحة أحد الأطباء ولجأت إلى اختصاصي نفسي، ليتبين أنها مصابة باضطراب القلق.
ومن أبرز الأعراض الجسدية للاضطرابات النفسية، الصداع المزمن واضطرابات الجهاز الهضمي واضطرابات القلب والأوعية الدموية وآلام الحيض الشديدة، وتساقط الشعر، والقلاع، وآلام أسفل الظهر، والألم بين الكتفين.
الاضطرابات النفسية التي تصيب النساء المعنفات
يرى الاختصاصي النفسي أن معظم الاضطرابات النفسية قد تصيب النساء اللواتي يتعرضن للتعنيف، وأهمها، الصدمة النفسية واضطراب القلق والاكتئاب، والاضطرابات الجنسية واضطرابات الأكل.
حيث تفقد النساء اللواتي يعشن ظروفا مماثلة، تقديرهن لذواتهن ويشعرن بأنهن محطمات، ويصبح لديهن توقعات منخفضة عن أنفسهن ومستقبلهن.
وذكر السيد، أمثلة عديدة على التعنيف الذي تواجهه بعض النساء، مثل نقد أجسادهن كأن يقال لهن سمينة أو نحيفة، أو ضربهن وإيذائهن جسدياً.
وأشار إلى أن المرأة المعنفة عندما تتعرض لكل هذه الضغوط، تطور آليات تكيف وقد تكون سلبية، كأن تتوجه إلى إدمان الهاتف أو التسوق أو سلوكيات جنسية معينة، وربما إدمان مواد مخدرة، وربما تصل إلى مرحلة إيذاء ذاتها، وفق قوله.
هل هناك وعي تجاه الصحة النفسية؟
تعمل العديد من المنظمات والمؤسسات والأفراد، على التركيز حول أهمية الوعي بمقومات الصحة النفسية، ومعرفة أسباب الاعتلالات النفسية وكيفية مقاومتها ومعالجتها، لا سيما في ظل الضغوط التي يعيشها السوريون والسوريات، والتي قد تنشأ عنها اضطرابات عديدة أولها القلق والاكتئاب والصدمات.
ولكن للاختصاصية النفسية عائشة عبد الملك، رأي حول الوعي تجاه الصحة النفسية، إذ تجد أنه ورغم كل المحاولات التي تقوم بها المنظمات وحملات التوعية، ما يزال مجتمعنا يعاني من قلة وعي بهذا الجانب.
ولفتت عائشة، إلى أن النساء اللواتي يراجعن المراكز النفسية، يتملكهن الخوف من الوصمة المجتمعية، إضافة إلى أنهن لا يدركن أن الأعراض التي يعانين منها تحتاج متابعة اختصاصي نفسي.
وأوضحت عائشة، أن معظم النساء اللواتي تعرضن للتعنيف وعملت معهن كن يعانين من التوتر والقلق بشكل دائم، ولديهن هواجس بأنهن سيصبن بمكروه بأي لحظة، إضافة إلى الأعراض الجسدية من
صداع وتشنجات في المعدة وآلام في أسفل الظهر
وأكدت عائشة على أهمية دور الإعلام في تعزيز الوعي تجاه الصحة النفسية وتوعية النساء تحديدا حول الآثار النفسية الناتجة عن التعنيف.
وأطلقت شبكة المرأة السورية بدعم من منظمه UN Woman ومنظمة دعم الشعب الياباني (منظمة غير ربحية مهتمة بالقضايا الإنسانية تدعم المنظمات الناشئة وتربطهم بمنظمات مانحة أخرى) أطلقت دليل “إحالة” للناجيات من العنف، توجد في الصفحة 35 أرقام الهواتف الطارئة التي يمكن التواصل معها في حال التعرض للعنف، وفي الصفحة 36 أسماء وعناوين وأرقام التواصل مع المنظمات التي تقدم خدمات العلاج النفسي للناجيات من العنف.
إكرام ناصيف، رئيسة فريق الإحالة في شبكة المرأة السورية، قالت إن مهمة فريق الإحالة تقديم المعلومة الصحيحة والموثوقة للناجية وإحالتها إلى المراكز المختصة حسب الحاجة والحالة وليس التدخل السريع ولكن يحتوي الدليل على أرقام للمساعدة العاجلة مثل ” 112 _ 155 _ 156 _ 157″ يمكن تمريرها إلى الحالة.
وبينت إكرام، أن هناك إجراءات احترازية قبلية وبعدية يتضمنها الدليل لحماية الناجية وضمان عدم تعرضها للضرر، وأوضحت أنه لا يتم تحويل الناجية إلى أي مركز أو منظمة لتلقي الخدمة المطلوبة إلا بعد الاتصال بالمركز النفسي من قبل فريق الإحالة والتأكد من جاهزيته واستعداده لتلقي الخدمة وتحديد موعد لمقابلة الناجية.
وتجدر الإشارة إلى أننا تواصلنا مع منظمتين معنيتين بتقديم خدمات الدعم والعلاج، إلا أنهما اعتذرتا عن التصريحات الإعلامية حاليا.
تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان.
آلاء محمد _ تلفزيون سوريا