يبدو التأثير الناجم عن إيقاف النظام السوري لتصدير سلة من المنتجات المحلية محدوداً على عملية ضبط الفلتان السعري الذي تشهده السوق السورية، لكنه يشكل في المقابل عائقاً أمام محاولة الإمساك بقيمة ثابتة لليرة السورية، نتيجة توقف الكميات الضئيلة من القطع الأجنبي، التي كان النظام يجنيها من عمليات التصدير المتواضعة.
وكانت حكومة النظام أصدرت قراراً بإيقاف تصدير عدد من المواد الغذائية لمدة شهرين. وقالت رئاسة حكومة النظام إن “رئيس الوزراء حسين عرنوس وافق على توصية اللجنة الاقتصادية المتضمنة إيقاف التصدير لمدة شهرين فقط لكل من المواد التالية: ثوم، بصل، بطاطا، سمنة نباتية، سمنة حيوانية، زبدة حيوانية، زيوت نباتية، بيض وزيت زيتون”.
وأضافت أن “عرنوس وافق أيضاً على تمديد قرار منع تصدير البقوليات بكافة أنواعها وأشكالها، وكذلك الاستمرار بمنع تصدير المواد التالية: قمح، كافة المنتجات المصنوعة من القمح، معكرونة، فروج”. وأشارت إلى أن “منع التصدير جاء بهدف التعاطي مع الواقع العالمي الراهن ومواجهة أي تداعيات محتملة للتطورات التي تشهدها الساحة الدولية على الوضع الاقتصادي الداخلي لتفاديها أو تقليل انعكاسها إلى أدنى حد ممكن”.
وبالتوازي، شهدت الليرة السورية انخفاضاً جديداً فقد تراجع سعر صرفها أمام الدولار إلى 3900 ليرة خلال الأسبوع الأول من الغزو الروسي على أوكرانيا، لتعود بعد ذلك إلى تقليص نصف خسائرها وترتفع إلى 3780 ليرة للدولار الواحد. في الغضون، سجلت أسعار السلع قفزة موسعة نحو الارتفاع، لاسيما السمنة والزيت النباتي المفقودتين من معظم المحال التجارية.
قلق وتوجس
ويعزو الباحث الاقتصادي يونس الكريم الانخفاض الذي طاول قيمة الليرة السورية إلى تداعيات غير مباشرة للحرب في أوكرانيا تتمثل بالتوجس والقلق لدى شرائح عديدة من المواطنين نتيجة اصطفاف النظام السوري إلى الجانب الروسي.
يضيف الكريم ل”المدن”، أن النظام لا يمتلك خطاً تجارياً مباشراً ومؤثراً مع روسيا باستثناء القمح الذي يعتمد استيراده على القطاع الخاص، والحمضيات التي تقوم سوريا بتصديرها نحو شبه جزيرة القرم، لذلك “لا يمكن الحديث هنا عن تأثير فعال وكبير للحرب الدائرة شرقي أوروبا على الاقتصاد السوري كونه أيضاً في أسوأ مراحله الكارثية”.
تأثر الاقتصاد السوري، بموجة الغلاء العالمية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، ما خفف من نشاط تهريب السلع من الدول المجاورة والذي كان يعد أحد مصادر الحصول على السلعة. كما ضعف نشاط الحوالات الخارجية نحو سوريا، بسبب الغلاء الكبير الذي طاول الأسواق في أوروبا.
ويوضح الكريم أن العامل الأهم الذي يؤثر في مفاصل الاقتصاد السوري وقيمة الليرة السورية وزيادة أسعار السلع هو تأثير العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الدول الغربية على موسكو على اعتبار أن النظام ورجال الأعمال الموالين له يقفون في جهة واحدة.
نزيف جديد لليرة
ويخشى النظام السوري من حدوث شح في المواد الأساسية، خاصة وأن السلع المستوردة تشهد ارتفاعاً مضطرداً من المتوقع أن تزداد وتيرته خلال الأيام القادمة، لذلك أوقف التصدير، وفقاً للباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر.
وهذه الخطوة قد تخفف من حدة الأزمة ولكن لا تحلها، نظراً لأن الإنتاج المحلي أساساً لا يغطي الحاجة. ويوضح السيد عمر أن النظام السوري يستعين بالاستيراد بالإضافة للإنتاج المحلي. وفي ما يتعلق بقدرة هذه الصادرات على توفير القطع الأجنبي للنظام، فهي بالفعل كانت توفر جزءاً من القطع، لكنها كمية قليلة، فالمعدل السنوي للصادرات لا يتجاوز 700 مليون دولار سنوياً، وهي كمية قليلة بالنسبة للحكومة.
ويتوقع السيد عمر أن تشهد الليرة تراجعاً إضافياً نتيجة عوامل، أولها ارتفاع الطلب الكلي على الدولار نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والقمح، إضافة لزيادة الطلب على الدولار في السوق وهو ما يعرف بظاهرة الدولرة، فتحويل الليرة إلى دولار يشكل حفاظاً لقيمة المدخرات، وهذا الأمر يشكل ضغطاً إضافياً على الليرة، وهذا يعني ارتفاع احتمال أن تشهد الليرة تراجعاً جديداً إضافياً.
محاولة لضبط الأسعار
يمكن قراءة إقدام النظام السوري على إيقاف التصدير من زاوية أن “جميع الدول توقف تصدير بعض سلعها الغذائية من زراعية وحيوانية أثناء ارتفاع أسعارها في السوق المحلية. وتلجأ السلطة لإجراء وقف التصدير لضبط السعر وفق قوانين العرض والطلب فكلما زاد المعروض من السلع وقل الطلب انخفضت أسعارها وكلما زاد الطلب وانخفض العرض زادت الأسعار”، بحسب الباحث الاقتصادي عبد الرحمن أنيس.
وبما أن النظام يواجه تحديات كبرى في تمويل المستوردات بسبب نفاد كمية احتياطي العملات الأجنبية يمكن الاعتماد على الصناعة المحلية.
وفي السياق، يستبعد أنيس في حديث ل”المدن”، وجود علاقة مباشرة بين وقف التصدير وانخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار ف”تلك العملية لها عوامل مؤثرة أهمها تعامل الدول مع الليرة السورية”. ويتابع أن “روسيا منشغلة حاليا في حربها في أوكرانيا. وفي القريب ستنقطع طرق إمداد القوات الروسية المتواجدة في حميميم بسبب إغلاق تركيا مضيق البوسفور حسب اتفاقية مونترو.
محمد كساح _ المدن