أسياد “الأوليغارشيَتين” الروسية والسورية

يشكك خبراء غربيون متخصصون بالشأن الروسي، في صحة النظرية التي تقول إنَّ الضغط على الأوليغارشية الروسية قد يفضي إلى تغيير في سياسات الرئيس فلاديمير بوتين. وفيما تعدد مصادر إعلامية غربية خسائر الأثرياء الروس المقرّبين من الكرملين، التي وصلت وفق تقديرات وكالة “بلومبيرغ” إلى 83 مليار دولار خلال شهرين، يقلل المتخصصون من احتمال تأثير ذلك على قرار بوتين بالحرب في أوكرانيا. فالغرب راهَنَ منذ العام 2014 -تاريخ ضم جزيرة القرم إلى روسيا- على العقوبات التي تنال من حيتان المال من “أصدقاء بوتين”. لكن ذلك لم يغيّر شيئاً من سياسات بوتين، بل على العكس، عزز رغبته في تحدّي الغرب أكثر. واليوم، يذهب الساسة الأمريكيون والأوروبيون أبعد في الرهان على ضغطٍ أكثر شدة ومنهجية، على “الأوليغارشية” الروسية. لكن ذلك لن يغيّر الكثير في رأي شريحة من المتخصصين، الذين يفسرون الأمر بأن بوتين لا يشتري ولاء الأوليغارش، بل يبتزهم، ويسمح لهم بالازدهار، عبر صفقات مشبوهة يحصلون فيها على ميزات تفضيلية تتيح لهم نهب المال العام وموارد الدولة، شريطة الاستفادة من أموالهم حين الحاجة، والابتعاد عن السياسة، والخضوع لأوامر بوتين، وإدارة ثرواته السرّية. والبديل عن ذلك، الاستيلاء على أصولهم، وصولاً ربّما، إلى تصفيتهم، إن اضطر الأمر.  

فمنذ العام 2000، تاريخ وصول بوتين إلى السلطة، قلب بوتين المعادلة بين الكرملين والأوليغارش الروس، التي كانت سائدة في عهد سلفه بوريس يلتسن. إذ لم يعد الأوليغارش هم المتحكمون بالكرملين، بل العكس صحيح. وقاد بوتين منذ ذلك التاريخ حملة للجم وضبط الأثرياء الروس الفاسدين والمستفيدين من نهب المال العام في عقد التسعينيات. 

وتُظهر تجربتا رجُلي الأعمال؛ رومان أبراموفيتش –صاحب نادي تشيلسي لكرة القدم- والمصرفي الراحل، بوريس بيريزوفسكي، مصير من يقف في وجه بوتين، من الأوليغارش الروس.

إذ قاوم بيريزوفسكي محاولات إحكام السيطرة عليه، في بدايات حكم بوتين. فتعرض الأول لضغوط أجبرته لاحقاً إلى الفرار خارج البلاد، قبل أن يموت في ظروف غامضة، قرب لندن، عام 2013.

أمَّا شريك بيريزوفسكي السابق، أبراموفيتش، فانصاع لِحاكم الكرملين الجديد حينها. وتخلى عن أصول في قطاع صناعة الغاز، اعتبرها بوتين استراتيجية للاقتصاد الروسي. وابتعد عن عالم السياسة. فكافأه بوتين بالحصول على حصة شريكه السابق –بيريزوفسكي- في أكبر شبكة تلفزيون محلية، ومنحه حكم ولاية بعيدة في الشرق الروسي.

ينطبق الكثير ممَّا قِيل آنفاً على تجربة “الأوليغارشية” السورية. وبعد سنوات الحرب، كان يمكن التشكيك بقدرة رأس النظام السوري، بشار الأسد، على ضبط الطبقة الجديدة الصاعدة، التي خَلفت طبقة “الذئاب الشابة”، التي كانت قد نهبت الاقتصاد السوري، خلال العقد الأول من حكم بشار الأسد، بضوء أخضر منه، وبإدارة “المايسترو” حينها، رامي مخلوف.

لكن، بعد حملة الأسد ضد الأثرياء الجدد والقدامى، في آن، التي بدأت في خريف العام 2019، -وما تزال مستمرة بوتيرة أخف حتى اليوم-، أصبح ذاك التشكيك بقدرة الأسد على ضبط إيقاع “الأوليغارشيين” السوريين، في غير محله. وأصبح توصيف “الأسد يأكل رجاله” الذي أطلقته صحيفة “واشنطن بوست” نهاية العام المنصرم، دقيقاً.

فمنذ العام 2019، وحتى اليوم، صُدم السوريون بعشرات قرارات الحجز الاحتياطي على أسماء لم يكونوا يظنون يوماً أنها قد تتعرض للملاحقة القانونية. شملت القرارات، صائب النحاس، وطريف الأخرس، ومحمد حمشو، وأيمن جابر، دون أن ننسى كبيرهم –سابقاً- رامي مخلوف. حتى إنَّ النظام أصدر في شهر واحدٍ من صيف العام 2021، 800 قرار حجز احتياطي على أموال تجار وشركات بالداخل السوري. معظم الأسماء الكبيرة، رُفع الحجز الاحتياطي عن أموالها، بعد تسويات، أظهرت وجود عملية ابتزاز جليّة من جانب سلطات الحكومة الخاضعة للأسد. حملة الابتزاز تلك لم توفّر حتى أسماء من قبيل، سامر فوز ووسيم قطان وغسان القلاع وسامر الدبس.

وكما حدث إبَّان حملة بوتين على “الأوليغارش” الروس بعد العام 2000، حدث في سوريا خلال السنتين الأخيرتين. فمن قاوم مساعي الأسد لإحكام السيطرة على الأثرياء المقرّبين من النظام والمستفيدين منه، تم إقصاؤه نهائياً. وأبرز الأمثلة على ذلك، رامي مخلوف. دون أن ننسى، أيمن جابر، صهر العائلة، وصاحب النفوذ الكبير، سابقاً، في الساحل السوري. بينما حصد من رَضِي بالحجم الجديد الذي حدده له الأسد، مكاسب ومنافع، من قبيل سامر فوز وآل قاطرجي ومحمد حمشو، وآخرون.

ووفق توصيف “واشنطن بوست” في تقريرها المشار إليه أعلاه، باتت “البطولة المطلقة” في فيلم النهب الجديد، للشقيقين، يسار ونسرين إبراهيم، اللذين هندسا عمليات الابتزاز للـ “الأوليغارش” السوريين، وأدارا عملية الاستيلاء على قطاع الاتصالات تماماً، لصالح الأسد وزوجته، أسماء الأخرس. وحصد يسار إبراهيم جراء ذلك، عشرات الشركات المسجلة باسمه.

وخرجت من تلك الحملة، رموز ازداد التصاقها وقُربها من النظام، وفق مدى ولائها وانتظامها بالأدوار المنوطة بها. كـ سامر فوز، الذي تُقدّر أصول أبرز شركاته “أمان القابضة” بحوالي 840 مليون دولار. وآل قاطرجي، الذين باتوا أسياد قطاع النفط وصناعته وتهريبه بالداخل السوري، بإمضاء بشار الأسد شخصياً، الذي وافق على تأسيس مصفاة نفط تملكها العائلة. وتذهب تقديرات إلى أن ثروة هذه العائلة، المنحدرة من خلفية متواضعة، تقترب من مليار دولار. 

جميع تلك الأسماء، من “الأوليغارش” القدامى، أو حتى الجدد، خاضعون للعقوبات الأمريكية والأوروبية، بعضهم منذ العام 2011. لكن ذلك لم يؤدِّ إلى أي تزعزع في تماسك النخبة الحاكمة أو ولاء هؤلاء “الأوليغارش” للأسد، حتى بعد استهدافه لهم. بعضهم خرج بمعظم أمواله من البلاد، وانزوى بعيداً عن الأضواء، وآخرون تأقلموا مع الواقع الجديد، وخضعوا لإرادة رأس النظام – الناظم الأبرز لحكم “اللصوص” في سوريا.

إياد الجعفري _ عنب بلدي

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...
ماروتا سيتي دمشق

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...
جمعية الأمل لمكافحة السرطان

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...

الأكثر قراءة