شهدت الأراضي السورية خلال شباط الماضي ضربات عسكرية إسرائيلية متواترة، إذ نفذت منذ بداية الشهر حتى وقت كتابة هذا التقرير أربع ضربات عسكرية، بمعدل مرتفع نسبيًا مقارنة مع حجم الاستهداف الشهري منذ عام 2013.
واستهدفت غارات جوية إسرائيلية بعض النقاط في محيط مدينة دمشق، بعد يوم واحد فقط من استهدافها مواقع عسكرية في محافظة القنيطرة، بحسب ما قالته الوكالة السورية للأنباء (سانا) في 24 من شباط الماضي.
وفي 17 من الشهر نفسه، استهدفت إسرائيل بعدة صواريخ “أرض- أرض”، من الجولان، عدة نقاط في محيط بلدة زاكية بريف دمشق الجنوبي.
كما استهدف قصف إسرائيلي، في 9 من شباط الماضي، بعض النقاط في محيط مدينة دمشق، ما أدى إلى مقتل جندي في قوات النظام وإصابة خمسة آخرين، بالإضافة إلى أضرار مادية في عدد من المنازل والسيارات في مدينة قدسيا بريف دمشق.
بغرض الضغط في ظل الاتفاق النووي
بحسب دراسة أجراها مركز “جسور للدراسات“، في 24 من شباط الماضي، فإن الضربات الإسرائيلية تستهدف مستودعات أسلحة ورؤوس صواريخ ومنظومات دفاع جوي تابعة لإيران، قبل نقلها إلى لبنان، إضافة إلى نقاط رصد متقدمة لـ”حزب الله”.
ويأتي التصعيد الإسرائيلي كرد على استمرار قدرة إيران على تأمين خطوط إمداد ونقل الأسلحة ولوازم التصنيع اللوجستية إلى سوريا ولبنان، في إطار مساعيها لتحويلهما إلى “قاعدة عمليات متقدمة” ضد إسرائيل، بحسب المركز.
المحلل العسكري السوري طارق حاج بكري، اعتبر أن تصعيد تل أبيب جاء بالتزامن أولًا مع انشغال روسيا في أوكرانيا حاليًا، مع العلم بوجود اتفاق مسبق بالسماح لإسرائيل بالقيام بضربات عسكرية لمواقع إيرانية أو للنظام السوري في سوريا.
وقال حاج بكري لعنب بلدي، إن التزامن الأهم للضربات هو مع استمرار المحادثات النووية ما بين إيران وأمريكا، من أجل تجديد الاتفاق النووي السابق، ومحاولة إسرائيل الضغط والتهديد بشن حرب وقصف المواقع الإيرانية في سوريا والعراق، وحتى المفاعلات النووية في إيران.
وفي تغريدة على “تويتر”، في 22 من شباط الماضي، قال مندوب روسيا لدى المنظمات الدولية، ميخائيل أوليانوف، “يبدو أن المفاوضات بشأن استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني 2015) على وشك عبور خط النهاية”.
اتفاق بعدم الإحراج
اعتمدت إسرائيل خلال الشهر الماضي في قصف الأهداف على صواريخ “أرض– أرض” انطلاقًا من هضبة الجولان، إضافة إلى استخدام أجواء لبنان لتنفيذ الضربات الجوية داخل سوريا، إذ كانت معظم الضربات الإسرائيلية تُنفذ من داخل الأجواء السورية.
وتدل طريقة تنفيذ العمليات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة، بحسب “جسور”، على تراجع في التنسيق بين روسيا وإسرائيل في سوريا، إذ كان الطيران الإسرائيلي تعرّض لتشويش على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، عند تنفيذه غارات على دمشق، في 9 من شباط الماضي، وفق هيئة البث الإسرائيلية.
ومن المؤشرات على تراجع التنسيق بين موسكو وتل أبيب، إعلان وزارة الدفاع الروسية، في 21 من كانون الثاني الماضي، إجراء دورية جوية مشتركة مع طيران النظام السوري فوق مرتفعات الجولان.
شاركت في الدورية طائرات روسية مزوّدة بنظام الإنذار المبكّر، وطائرات تابعة للنظام السوري من طراز “MiG-23” و”MiG-29″، وفي حال انتظمت الدوريات الجوية بشكل يومي، فإن ذلك سيؤثر على قدرة إسرائيل على استخدام الأجواء السورية، وفق المركز.
بينما يرى حاج بكري وجود اتفاق بين روسيا وإسرائيل، بعدم إحراج روسيا بالضرب من داخل سوريا، وبالتالي روسيا “غير ملزمة” بالرد على الضربات القادمة من خارج الأراضي السورية.
بالإضافة إلى أن إسرائيل تستطيع تحقيق أهدافها من ضربات خارجية، ولا داعي للمخاطرة ولو بنسبة قليلة في هذا الوقت الحساس بالنسبة لروسيا، وفقًا لحاج بكري.
وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، أن الجيش الإسرائيلي رفض تنفيذ هجوم على أهداف في سوريا، في أثناء زيارة وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، لها في 15 من شباط الماضي.
وأكدت أن الجيش رفض تنفيذ هذا الهجوم خوفًا من إحراج شويغو، واتخاذ روسيا موقفًا قويًا من هجمات سلاح الجو الإسرائيلي، ومنع حرية العمل العسكري الإسرائيلي في سوريا نفسها.
الصمت الروسي مقابل القصف الإسرائيلي
يبدو أن المصالح الروسية في استمرار القصف الإسرائيلي على سوريا ملموسة، بالنظر إلى الصمت الروسي عن الغارات الإسرائيلية المستمرة على مناطق مختلفة من سوريا، حيث تحوّل الموقف الروسي من مستنكر إلى صامت في بعض الأحيان، مع تصاعد الهجمات الإسرائيلية في سوريا.
يرى حاج بكري أن روسيا لا تريد مواجهة إعلامية مع إسرائيل بالنسبة لما تقوم به في أوكرانيا، وهو ما يتيح لإسرائيل حرية القيام بالضربات العسكرية على الأراضي السورية.
ورغم الاتفاق المسبق بينهما، فإن الروس يبدون “الامتعاض” في بعض الأحيان من الضربات الإسرائيلية “كموقف سياسي” لا أكثر، لكنهم على “وفاق كامل”، بحسب المحلل العسكري.
وكان وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، دان في مؤتمر صحفي مقتضب بمقر الخارجية الإسرائيلية، في 24 من شباط الماضي، “الغزو” الروسي ضد أوكرانيا، واعتبره انتهاكًا للنظام الدولي.
وقال إن “الحرب ليست حلًا للخلافات، ولا يزال من الممكن وقف الخلاف وإجراء تسوية للأزمة”، بحسب ما نقله موقع “تايمز أوف إسرائيل”.
وأبدى لابيد استعداد ورغبة بلاده في تقديم المساعدة الإنسانية لأوكرانيا، مشيرًا إلى أن إسرائيل لديها علاقات جيدة مع روسيا وأوكرانيا.
وردت روسيا على التصريحات الإسرائيلية بالإشارة إلى عدم اعترافها بالاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان السورية، في تغريدة للبعثة الروسية في الأمم المتحدة، في 24 من شباط، دون ذكر الضربة الإسرائيلية على سوريا التي جرت في نفس اليوم.
وقالت السفارة الروسية في إسرائيل، إن روسيا ترى استمرار تنسيقها العسكري مع إسرائيل بشأن سوريا بعد أن أعربت موسكو عن استيائها من التصريحات الإسرائيلية بشأن الأزمة الأوكرانية، بحسب وكالة “رويترز” للأنباء، في 26 من شباط الماضي.
ونقلت هيئة البث الإذاعي الإسرائيلي، في 28 من الشهر ذاته، عن لابيد، أن لدى إسرائيل “واجبًا أخلاقيًا وقيمًا”، لذا فإن إسرائيل ستصوّت لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة لمصلحة قرار يدين روسيا، بسبب “غزوها” لأوكرانيا.
المصدر: عنب بلدي