كشف رجل أعمال من مدينة حمص لـ”العربي الجديد” استدعاءه من “مكتب مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال” بدمشق، للتحقيق معه حول مصدر الدولارات التي يدفعها لتمويل عمليات استيراد السلع إلى البلاد.
وبيّن رجل الأعمال الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، أنه تلقى اتصالاً هاتفياً للحضور صباحاً إلى مكتب مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال في دمشق.
ضاف أنه عند وصوله تم إدخاله إلى غرفة فيها ثلاثة أشخاص “أعتقد إثنين منهم من الأمن” و”سألني الثالث سؤالاً واحداً فقط: من أين أتيت بالدولار لتسديد ثمن بضاعتك، وأنت لم ُتموّل من البنك المركزي ولم تشتر الدولار من شركات الصيرفة؟”.
وتابع رجل الأعمال السوري المعروف في السوق منذ سنوات ويمتلك حسابات مالية خارج سورية لتمويل تجارته، أنه حصل على مهلة أسبوع لتبرير تمويل المستوردات، وتقديم كشف حساب مصرفي يظهر الأرصدة المالية وآلية سداد ثمن البضائع.
واعتبر رجل الأعمال أنه يتعرض لابتزاز واضح ضمن آلية يعتمدها النظام السوري منذ فترة، واصفاً حاله بأنه في “وضع خطر، فإن أفصحت عن حساباتي في الخارج يمكن أن يتهمني النظام بتمويل الإرهاب والثورة كما فعل مع غيري إلى أن أدفع الإتاوة”.
ورأى رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار، غزوان قرنفل أن الابتزاز والتضييق اللذين يفرضهما نظام بشار الأسد على التجار تضاعفا خلال الفترة الماضية.
ولفت إلى أن النظام يخدم ويدعم شركات الصيرفة التي تعمل معه، وهي ثلاث شركات “الفاضل ولايت والفؤاد”، التي تبيع الدولار بسعر 3575 ليرة سورية، في حين أن النظام نفسه، سعّر الدولار بـ2512 ليرة، من دون إتاحة مصدر آخر لتمويل التجار.
وأضاف قرنفل لـ”العربي الجديد” أن الابتزاز يتم عبر الضغط لمعرفة حسابات رجال الأعمال بالخارج، لاتهامهم بتمويل الإرهاب أو إلزامهم بإعادة أموالهم إلى سورية وإلا الاعتقال أو دفع الإتاوات.
وأكد القانوني السوري أن من حق جميع دول العالم معرفة مصادر أموال مواطنيها، “لكن لو تجاوزنا فكرة غياب القانون وسطوة عصابة الأسد في سورية، فيجب أن نسأل: هل نظام الأسد يتيح كما بقية الدول، إمكانية فتح اعتمادات مصرفية للمستوردين؟”.
وتابع: “الإجابة هي لا، إن كان بسبب العقوبات أو لعدم توافر عملات أجنبية بالمصارف. كما أن المصرف المركزي لا يمول ولا يبدل العملة السورية بالدولار أو اليورو لتمويل الاستيراد”.
والخطورة أيضاً، وفق قرنفل، أن نظام الأسد، وبواقع اختلاف المنظومة التجارية والقانونية عن جميع دول العالم، يسمح لشركات الصيرفة القليلة والمتعاملة معه حصراً بأن تستلم قيمة العقد بالليرة السورية، ولكن بالسعر الذي تحدده هذه الشركات وليس بالسعر الرسمي، وتأخذ الإشعار للمصرف المركزي فيختمه، وذلك قبل أن تمنحك وزارة التجارة إجازة الاستيراد، وفي ذلك مخالفة وابتزاز”.
وختم القانوني السوري، “لو أن من يسأل التجار عن مصادر أموالهم هي جهة مصرفية كما بجميع دول العالم، لكان ربما الأمر طبيعياً، ولكن من تجري التحقيقات هي جهة أمنية. وهذا ضغط وابتزاز لمعرفة حجم الحسابات الخارجية وأماكنها بهدف بناء اتهامات لاحقة وأبرزها تمويل الإرهاب”.
وكان المصرف المركزي السوري قد فرض على المستوردين الذين دخلت بضائعهم إلى سورية أو وصلت إلى الحدود ويريدون تخليصها جمركياً، تقديم بيان إفصاح عن مصادر التمويل، وفق تعميمين سابقيّن “رقم 1/93 الصادر 28 من كانون الثاني 2021، والتعميم رقم 1/6 الصادر في 5 كانون الثاني 2022”.
كما ألزم المصرف المركزي المستوردين خلال تعميمه، الحصول على كتاب من “المصرف” ليتمكنوا من إدخال بضائعهم التي وصلت للحدود البرية والبحرية “مرفأ اللاذقية والمناطق الحرة”.
ولا يقبل المصرف المركزي وفق تعميمه، بعذر أن التجار السوريين لم يسددوا للشركات الموردة بعد، إذ نص التعميم على إلزام التجار بتقديم موافقات ممنوحة من الشركات الموردة على تأجيل الدفع، وعلى الذين لم يتمكنوا من استكمال عمليات التمويل من شركات الصرافة، مراجعة مصرف سورية المركزي لتقديم تعهد جديد باستكمال إجراءات الإفصاح عن مصادر التمويل خلال مدة شهرين من تاريخ توقيع التعهد الجديد.
وكان الصناعي الهارب من سورية مؤخراً، محمد النحاس، قد أكد لـ”العربي الجديد” أن نظام الأسد، اعتمد منذ عام، طرقا عدة لابتزاز الصناعيين والتجار، منها اقتحام شركاتهم وأخذ جميع الوثائق والكمبيوترات، ومن ثم اتهامهم بالتهرب والاحتيال وفرض ضرائب بمفاعيل رجعية، أو حتى الحجز وإغلاق المنشأة. وتوفى الصناعي هشام دهمان بعد أن مورست عليه هذه الطريقة.
كما يقوم فرع الخطيب للأمن بدمشق باعتقال موظفين “غالباً ما يكونون محاسبين” من كبرى الشركات الصناعية والتجارية، ويتصل فرع الأمن برجل الأعمال المحجوز موظفوه، لدفع مبلغ 500 مليون ليرة، ليتم الإفراج عنهم .
والغرابة بنظر الصناعي النحاس، أن الدفع يتم عبر المصرف المركزي ويمنح المصرف إشعار “وصل قبض مبلغ من فلان بقيمة كذا” من دون أن يشير إشعار القبض لصالح من سيؤول المبلغ أو سبب دفعه، وبمجرد إعطاء وصل القبض، يتم الإفراج عن المحتجزين.
عدنان عبد الرزاق _ العربي الجديد