استطاعت زينة الحلو (35 عامًا) بعد رحلة بحث طويلة أن تحصل على فرصة عمل أخيرًا في أحد محال بيع الألبسة الجاهزة بمدينة إدلب، ما ساعدها على تأمين مصاريف أطفالها الثلاثة، بعد طلاقها من زوجها الذي رفض الإنفاق عليهم أو دعمهم بأي دخل شهري.
“لا قانون يحمي المطلقات في المدينة، ولا أثق بمحاكمها”، قالت زينة لعنب بلدي هذه الكلمات بعد قناعتها بعدم قدرتها على تحصيل حقها من طليقها، إذ لم تحاول اللجوء إلى المحكمة لتحصيل نفقة أطفالها بعد طلاقها من زوجها السابق الذي تزوج بأُخرى.
تواجه المطلقات في إدلب تحديات كبيرة وسط عدم قدرتهن على تحصيل حقوقهن من أزواجهن، ما يجعلهن في مواقف صعبة حين يخترن عدم التخلي عن أبنائهن في ظل غياب الدخل والمعيل.
أضافت زينة، “من خلال التجارب لنساء مطلقات أعرفهن معرفة شخصية عانين الكثير من الصعوبات من أجل تحصيل حقوقهن، ولم يحصل ذلك إلا بعد جهد جهيد، إذ ستماطل المحاكم في البتّ بالقضية، وستكابد المطلقة عناء حضور المحاكم التي عادة ما تقف في صف الزوج وتراعي ظروفه، متناسية حق المطلقة وحاجتها إلى تحصيل ذاك الحق بأقرب وقت ممكن”.
تتقاضى زينب حاليًا من عملها أجرًا قليلًا لا يكفي تغطية نفقاتها وأولادها، إلا أنها تعتبره “أفضل من لا شيء”، وأفضل من انتظار المساعدة من الآخرين الذين لا يقدمون إعانة في كثير من الأحيان، نظرًا إلى ضيق أوضاعهم المعيشية وسط النزوح وقلة فرص العمل التي صارت مشكلة عامة تواجه سكان المدينة.
قضايا عالقة في المحاكم
من جهتها، لم تقف هالة السلوم (28 عامًا) مكتوفة اليدين أمام تجاهل طليقها لحقوقها في المُعجّل (المقدم) ونفقة طفلها الرضيع البالغ من العمر سبعة أشهر، وهو ما دفعها لتقديم شكوى قضائية في مدينة إدلب، لا تزال عالقة حتى اليوم رغم أنها رفعتها منذ خمسة أشهر تقريبًا.
قالت هالة لعنب بلدي، إن القاضي يستدعيها مع طليقها في كل مرة دون الوصول إلى حكم يرضي الطرفين، ولم تكسب من الشكوى سوى زيادة العداوة بينها وبين زوجها وأهله، الذين لم تسلم من ألسنتهم ونميمتهم عليها والإساءة إلى سمعتها، على حد تعبيرها.
ولا تخفي الشابة مخاوفها من أن تخرج من القضية خالية الوفاض، فهي بحاجة إلى مبلغ تتدبر به أمورها ريثما تتمكّن من الحصول على دخل أو إيجاد وظيفة ما.
ولا يوجد قانون للأحوال الشخصية في إدلب ينظّم عمل الدعاوى القضائية ويشكّل مرجعية عمل واضحة للمتخاصمين، وعادة ما يبتّ بالقضية وفق اجتهاد القضاة وأهوائهم.
محاكم منحازة للرجل؟
المرشدة القانونية أمل الخطيب (40 عامًا) قالت إنها عاينت من خلال العديد من قضايا الطلاق في المحاكم انحياز القضاة في حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب وريفها للزوج، بدعوى أن قراراتهم من شأنها أن تحدّ من حالات الطلاق في المنطقة، متناسين معاناة الزوجة وحقها في وضع حدّ لتعنّت الزوج وتعنيفه وظلمه.
واعتبرت الخطيب أن المطلقة هي الخاسرة الوحيدة في حال اتخاذ قرار الطلاق من حيث التخلي عن حقوقها في المهر والنفقة التي قلما تحصل عليها، إضافة إلى أن عبء النفقة على الأطفال الذين تبقيهم تحت رعايتها هي من مسؤوليتها لوحدها، إلا إذا قبل الزوج منحها النفقة وفق مزاجه، وحين تلجأ إلى المحاكم فهنا تضطر إلى خوض معارك ضارية مع طليقها الذي يعمد لأخذ أبنائها والإساءة لها ولسمعتها.
وأكدت المرشدة القانونية حق الزوجة الشرعي في الحصول على مؤخر المهر المثبت في عقد الزواج وبشهادة الشهود، ونفقة العدة التي تُقدر بثلاثة أشهر.
وإضافة إلى الحقوق السابقة، تحصل المرأة المطلقة الحاضنة على حق التمكين من أجر مسكن للحضانة، وأجر للمطلقة الحاضنة مقابل حضانتها للصغار، وأجر رضاعة، ونفقة للصغار، كمصروفات علاجهم، وتعليمهم، وملابسهم “صيفًا وشتاء”، وهو حق ثابت لها شرعًا وقانونًا.
وتقدّر مديرة قسم التماسك الاجتماعي بمنظمة “بهار”، أسماء المحمود، نسبة المطلقات في إدلب بـ18% من عدد النساء المتزوجات في المنطقة.
ونصحت جميع النساء المطلقات بعدم التخلي عن حقوقهن المشروعة وعن أطفالهن وحضانتهم، ورفع أصواتهن دائمًا للمطالبة بها، وعدم الانصياع للعادات والتقاليد والتعنّت المجتمعي الذكوري الذي لا ينفكّ يضع اللوم على المرأة المطلقة في جميع الأحوال وشتى الظروف.
هاديا منصور _ عنب بلدي