كشف تحقيق أميركي إسرائيلي مشترك، أمس الخميس، أن الأمم المتحدة حاولت التستر على قتل النظام السوري لعامليْن في المجال الإنساني بسوريا في عام 2016، وطمس معالمها.
وبحسب التحقيق، الذي أعدته قناة “الحرة” الأميركية وصحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، قتلت قوات النظام السوري اثنين من عمال الإغاثة الدولية، كانا ضمن قافلة إغاثة بين مدينتي حلب وحمص في عام 2016، الأمر الذي أخفته الأمم المتحدة.
ولم يذكر التحقيق اسم الضحيتين، اللذين قتلا في 25 نيسان2016 على يد قوات النظام السوري، التي شنت حملة عسكرية، آنذاك، استهدفت المؤسسات الطبية والإنسانية والعاملين.
وبحسب رسالة داخلية تابعة للمنظمة الدولية، كشفها التحقيق، فإن قافلة إنسانية تضررت من جراء القصف على طريق حمص. وبسبب الاشتباكات والقصف، توقفت الأخرى. وأفادت تقارير بوقوع إصابات ومقتل عاملين اثنين في المجال الإنساني.
الأمم المتحدة تخفي الأدلة
اتهم التحقيق اثنين من كبار المسؤولين السابقين في الأمم المتحدة عام 2016، وهما ستيفن أوبراين، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، ويان إيغلاند، المستشار الخاص لمبعوث الأمم المتحدة لسوريا، بالإخفاق في عملهما، لأنهما لم يعلنا عن مضمون رسالة داخلية للمنظمة تقول إن ضربات الأسد العسكرية، قتلت اثنين من عمال الإغاثة.
وعلى الرغم من أن المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (الأوتشا)، فانيسا هوغينين، ردت بأن “جميع تقاريرنا بشأن الهجمات التي تتعرض لها القوافل الإنسانية والعاملون في المجال الإنساني في سوريا متاحة”.
إلا أن مراجعة التقارير العامة لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، التي تغطي الفترة الزمنية موضوع التحقيق، أظهرت أن المنظمة لم تذكر مقتل عاملي الإغاثة.
وأشار معدو التحقيق إلى أن الأمم المتحدة شرعت في حذف أدلة مرتبطة بالقضية كانت موجودة على صفحتها على الإنترنت عند مواجهتها بالوثائق التي تثبت إخفاقها في الكشف عن مقتل العاملين.
الحادثة مثبّتة في سجلات الأمم المتحدة
وكشف مسؤول أممي، طلب عدم الكشف عن هويته خوفاً من الانتقام الوظيفي، لمعدي التحقيق أن رسائل داخلية للأمم المتحدة، بعد مراجعة السجلات، كشفت مقتل اثنين من عمال الإغاثة في 25 نيسان/أبريل 2016.
وجاء في الرسالة “قافلة إنسانية تضررت من القصف على طريق حمص، بسبب الاشتباكات والقصف، وعلقت القافلة الإنسانية بين المجموعات ووقعت إصابات وعاملين في المجال الإنساني”.
وكتبت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنساني (OCHA)، فانيسا هوغينين، عند سؤالها عن الوفيات عبر المراسلة الإلكترونية، “فيما يتعلق بالحوادث الأمنية التي تشمل القوافل الإنسانية والعاملين في المجال الإنساني في سوريا خلال الفترة المطلوبة، فإن الجميع تقاريرنا متاحة في المجال العام”.
كما قدم وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة الطارئة، ستيفن أوبراين، تقريرا لمجلس الأمن مشيرا فيه إلى مقتل مدني وإصابة سائق في هجوم على قافلة إغاثة قرب حمص.
لكن تقرير أوبراين لم يشر إلى مقتل اثنين من عمال الإغاثة، بل ذكر أن “مدنيًا قتل وأصيب سائق”.
ورفضت، المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، هوغينين، الكشف عن أسماء وجنسيات المدني والسائق.
عملية مقايضة
وهنا يلقي محمد العبد الله، المدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة، ومقره واشنطن، باللوم على مجلس الأمن الذي منح مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (الأوتشا) المهمة الإغاثية في سوريا “بدون ضغط سياسي”.
ويصف العبد الله ذلك بـ”المقايضة”، قائلا إن الأمم المتحدة قبلت بعلاقة “مسمومة وغير سليمة” مع حكومة دمشق؛ فقد سمح لها النظام السوري بإمكانية الوصول للأماكن التي تعمل بها مقابل التعامل معه أو التكتم على انتهاكات يقوم بها.
وتابع بالقول: “أحيانا تكون مبررات الأمم المتحدة في محلها مثل تعاقدها مع شركة الهواتف المحمولة، التي يمتلكها رامي مخلوف قريب وصديق الأسد، فهي المزود الوحيد للخدمة في السوق السورية”.
لكنه عاد ليتساءل: “لماذا يقيم عاملون بالأمم المتحدة في فندق فور سيزون دمشق الذي يملكه مخلوف وسامر فوز، وهما على لائحة العقوبات الأميركية والأوروبية، بينما توجد مئات الفنادق في العاصمة؟”.
علاقات مشبوهة بين النظام والأمم المتحدة
هذا ليس الإخفاق الوحيد التي تواجه الأمم المتحدة في إدارة عملها داخل سوريا، التي تعيش حرباً مستمرة منذ 11 عاماً.
وأشارت العديد من التقارير الحقوقية والصحفية إلى العلاقة “المشبوهة” بين المنظمة الدولية والنظام السوري تحت ذريعة الخضوع لسلطات الأمر الواقع وإن كان على حساب القانون والعدالة وحقوق الإنسان.
وكان تحقيق لصحيفة “الغارديان” البريطانية، صادر في آب 2016، بيّن أن الأمم المتحدة منحت عقودًا بقيمة عشرات الملايين من الدولارات لأشخاص مرتبطين ارتباطاً وثيقاً برئيس النظام السوري، بشار الأسد، كجزء من برنامج مساعدات.
وكشف التحقيق عن أن رجال الأعمال الذين تخضع شركاتهم للعقوبات الأمريكية والأوروبية، تلقوا مبالغ كبيرة من قبل بعثة الأمم المتحدة، وكذلك الإدارات الحكومية والجمعيات الخيرية، بما في ذلك واحدة أنشأتها زوجة رئيس النظام، أسماء الأسد، وأخرى لابن خاله رجل الأعمال رامي مخلوف.
ونوه إلى أن الأسد يدعم بشكل فعال موارده المالية بدولارات دافعي الضرائب الأمريكية والأوروبية، نظرًا لأن التبرعات من الولايات المتحدة وحلفائها هي المصدر الرئيسي لتمويل مساعدات الأمم المتحدة.
يشار إلى أنه برز في الآونة الأخيرة دعم وكالات الأمم المتحدة للنظام السوري بعيدًا عن مجال المساعدات الإنسانية والإغاثية، كالصحة والتعليم وغيرها.