يدور جدل واسع وحاد، حول جدوى استمرار مشاركة المعارضة في مفاوضات اللجنة الدستورية، وينقسم السوريون المعارضون في هذا الشأن؛ فبعضهم يرى ضرورة الاستمرار في هذه اللجنة رغم انها لا تنتج شيئًا، ولهم حججهم، وبعضهم الآخر يدعو إلى انسحاب المعارضة منها، أو إلى تعليق مشاركتهم فيها إلى أن تكون المفاوضات مجدية، ولهم حججهم أيضًا.
1) حجج المدافعين عن استمرار مشاركة المعارضة في اللجنة الدستورية
أ- اللجنة الدستورية تعدّ مشروع الدستور، وهو جزء من العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف تنفيذًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254.
ب- تشكل المفاوضات منصّة للتواصل الرسمي مع الأطراف الدولية التي تتحكم في الملفّ السوري، ومنبرًا للتوجّه إلى الأطراف الدولية لنقل صورة الأوضاع وإبراز جوانب تغيب عن أعينهم وأذهانهم، أو يتجاهلونها عمدًا؛ فتكون المفاوضات مناسَبةً لإعادة طرح هذه الجوانب وطرح قضايا المعتقلين والمغيبين وغيرها، ولتقديم بعض الأفكار والمقترحات. ومن غير المفيد فقدان هذا المنبر، فقد يأتي يوم يصل فيه اللاعبون الدوليون إلى توافق على حلّ سياسي في سورية، وحينئذ ستظهر أهمية استمرار هذا المنبر. والانسحاب من المفاوضات أسوأ من الاستمرار فيها، لعدم وجود بديل، ولكونه يُكسب المعارضة سمعة سلبية. ومن الأجدى الاستمرار في ملفّ المفاوضات، وهذا لا يمنع العمل من أجل بديل آخر.
ت- في 2015 و 2016، أعلنت المعارضة تجميد مشاركتها في المفاوضات، بسبب عدم إحراز أي تقدّم، ولكن هذا لم يأتِ بأي نفع على المعارضة، وخلال هذه الفترة سقطت حلب.
ث- لم تدعم الولايات المتحدة المعارضةَ بقوةٍ كي تنتصر سوى في الشهور الأولى، ثم بدأ موقفها يتراجع ويغدو رخوًا، بعد تجربة ليبيا، حيث أدى إسقاط القذافي إلى تحوّل ليبيا إلى ساحة للفوضى تتصارع فيها فصائل مسلحة سلفية، قامت بقتل السفير الأميركي في بنغازي، في تشرين الأول/ أكتوبر 2011، بالرغم من أن السلاح الأميركي هو من أسقط القذافي. ومع تزايد نفوذ التوجهات السلفية والجهادية في صفوف المعارضة السورية، تسارع تراجع الدعم السياسي الدولي للانتفاضة السوريةـ
ج- اليوم، باتت الولايات المتحدة ومعها أوروبا تنظر إلى الملف السوري من زاوية مكافحة الإرهاب والجانب الإنساني، ودعم حزب PYD في شمال شرق سورية، وتريد أن تحافظ على وقف إطلاق النار، وإنْ كان يُخرق بشكل محدود من قبل النظام وروسيا. وقد وافقت إدارة بايدن على طلبات روسيا بالتعافي المبكر، وتُبدي تراخيًا واضحًا في تطبيق قانون قيصر، وتطرح شعار تغيير سلوك النظام، وهذا يعني بقاء النظام، بالرغم من أن الإدارة الأميركية تعلم أنه يستحيل تغيير سلوك النظام، وهو الذي لم يغيّر سلوكه أيام شارف على السقوط، بين صيف 2011 و 2015.
ح- مسار اللجنة الدستورية تم بتوافق روسي أميركي، ويتطلب تغييره تغيير موقف الإدارة الأميركية أولًا تجاه الاستمرار، بعد أن ثبت أنه مغلق ولا يؤدي إلى أي نتيجة، فالولايات المتحدة وأوروبا لا تؤيدان انسحاب المعارضة من مفاوضات الدستورية اليوم، إذ ليس لديها بديل، بينما تعني المفاوضات بالنسبة إليها “أن ثمة شيئًا يتم على جبهة الحرب السورية”.
خ- إيران وروسيا تدعمان النظام بكل قوة، على حين أن الولايات المتحدة وأوروبا لا تدعمان المعارضة بتلك القوة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن تنفيذًا مخلصًا. حتى الداعمون العرب والداعمون الإقليميون قد دعموا المعارضة، لكن كلٌّ وفق حساباته الخاصة.
د- تتمنى روسيا أن تقوم المعارضة بتجميد مشاركتها أو بالانسحاب كليًا من المفاوضات، وتنتظر ذلك، فهذا سيعفي روسيا من حرج اتهامها بأن النظام يُعطّل المفاوضات، ويحوّل الاتهام نحو المعارضة، مما يرفع الحرج عنها واتهامها بأنها تشجع النظام سرًا على عدم التقدّم في ملفّ المفاوضات.
ذ- اللجنة الدستورية صدرت بقرار من الأمين العام، مما يمنح أعضاءها استقلالية ذاتية، حيث لم ينص القرار على أن تسمية ممثلي كلّ طرف في اللجنة الدستورية واستبداله كأمر ملزم. وسيحتاج إلى قرار من الأمين العام للأمم المتحدة.
ر- في حال الانسحاب، فلن ينسحب جميع أعضاء وفد المعارضة في هيئة التفاوض، ولن يعلن بعض أعضائه ذلك، إضافة إلى منصتي موسكو والقاهرة، وربما لا تُعلن أطرافٌ في المجلس الوطني الكردي ومستقلون انسحابهم، وسيخلق هذا شرخًا وانقسامًا في وفد المعارضة، وستستغل موسكو ذلك، وستترك ملف المفاوضات مغلقًا، وستسارع لاستغلاله لتبييض صفحة النظام.
2) حجج المعارضين لاستمرار مشاركة المعارضة في اللجنة الدستورية:
أ- ثبت عدم جدوى مسار اللجنة الدستورية، وأنها لن تفضي إلى شيء، وأن النظام وروسيا مصممون على أن لا تنتج أي حل للكارثة السورية.
ب- روسيا والنظام وإيران يستغلون المفاوضات، لشراء الوقت وإلهاء المجتمع الدولي، بأن ثمة جهودًا تبذل، بما يغلق طريق العودة لمسار جنيف أو البحث عن مسار آخر.
ت- اللجنة الدستورية هي جزء من سلسة تنازلات متدرجة، فمن بيان جنيف 2012 الذي يضمن حدوث انتقال سياسي شراكة مع النظام، وقد كان الائتلاف هو الطرف المعارض الوحيد مقابل النظام، ثم إلى القرار 2254 الذي جاءت صيغته أضعف من بيان جنيف، وخاصة استبدال صيغة “هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية”، بصيغة مائعة تتحدث عن إقامة “حكم ذي مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية”. ثم فرض تشكيل هيئة مفاوضات في كانون الأول/ ديسمبر 2015، كطرف مفاوض، بدلًا من الائتلاف، وقد ضمّت الهيئة أطرافًا أخرى أقلّ راديكالية في موقفها من التغيير السياسي في سورية، كما جعلت الوفد المعارض يفقد وحدته ويجعله بعدة أجسام وعدة رؤوس وبسقوف سياسية متباينة، حيث ضمَّت الهيئة العليا للمفاوضات هيئة التنسيق ومنصتي القاهرة وموسكو وأطرافًا مدنية مستقلة، بعضها رمادي.
ث- قبول المعارضة للمقترح الروسي بالدخول في مفاوضات اللجنة الدستورية، والتي ينظر إليها الروس كبديل تام للقرار 2254، يُشكل تراجعًا كبيرًا آخر، وبالرغم من ذلك، فإن هذه اللجنة لم ولن تحقق أي تقدم، نتيجة تعنّت النظام بدعم روسي على عدم التحرك للأمام.
ج- إن استمرار المعارضة في المفاوضات هو خطأ سياسي، وفيه تفريط بتضحيات الشعب السوري، وهي مكسب صاف للنظام.
ح- انسحاب المعارضة من مفاوضات اللجنة الدستورية التي لم ولن تُحرز أي تقدم، سيدفع الأطراف الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلى العودة لمسار جنيف بشموله، وربما البحث عن مسار آخر كبديل عن طريق اللجنة الدستورية المغلق.
خ- إن الاستمرار في مفاوضات اللجنة الدستورية، بحجة “عدم وجود بديل، وأن الانسحاب منها أسوأ من الاستمرار فيها”، إنما هو حجة عاجزة، لأن مسارها الهابط لن يتوقف، ويجعل مشاركة المعارضة تضفي طابعًا شرعيًا سوريًا على نتائج هذا المسار الهابط، ويجعل من المعارضة شاهد زور على موتها هي كمعارضة، وموت مطالب الشعب السوري بالتغيير، وروسيا حريصة على استمرار مشاركة المعارضة، كي تقول “إن ممثلي أصحاب القضية راضون”، وهي حجة تحتاج إليها روسيا أمام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والولايات المتحدة، على حين أن انسحاب المعارضة يفقد روسيا هذا السلاح الفتاك الذي يفتك بالمعارضة وبقضية الشعب السوري. وشتان بين نتائج الاستمرار ونتائج الانسحاب.
د- ليس المطلوب الانسحاب من عملية المفاوضات ككل، بل المطلوب رفض الاستمرار في اللجنة الدستورية، والإصرار على العودة إلى مفاوضات شاملة، حول كل ما جاء في بيان 2254 وبيان جنيف 2012، ويمكن أن تكون اللجنة الدستورية أحد الملفات التي يتم التفاوض حولها، ولكن الأهم أن يتم التفاوض حول هيئة الحكم الانتقالي والمعتقلين والمغيبين واللاجئين والمنشقين والميليشيات الأجنبية والحكومة الانتقالية، وغير ذلك من موضوعات كثيرة باتجاه صياغة سورية الجديدة.
ذ- اللجنة الدستورية هي درجة من درجات السلّم الهابط بمطالب انتفاضة الشعب السوري، وهي مقترح روسي، غايته حذف أي شيء له علاقة بانتقال سياسي، ويعدّها الروس تنفيذًا للقرار 2254 والقرار 2218 وبيان جنيف وكلّ ما له علاقة من قرارات أممية بسورية. وما لم يتم مواجهة توجهات الروس بجهد أميركي مواز، فإن إرادة الروس ستكون هي من يقرر مستقبل سورية، وستلقي بتضحيات الشعب السوري وبمطالب التغيير في القمامة، وعندما يقبل مَن “يمثل السوريين” باللجنة الدستورية، فإن الدول الأخرى المتحكمة في الملف السوري لن تكون مَلكية أكثر من الملك، في حال رأت في ذلك مصلحتها. لذا فموقف قوى المعارضة والتغيير في سورية والانسحاب من اللجنة الدستورية هو نقطة التحول نحو العودة إلى المطالب المشروعة للشعب السوري بالتغيير بعد ستة عقود من استبداد نظام البعث-الأسد.
3) الواقعية والمسؤولية تحدد المواقف السياسية وتوجهها:
أ- تتسم السياسة بواقعية شديدة، وفي الحرب يفرض المنتصر شروطه، وإن المعارضة -لأسباب كثيرة بعضها يعود لها، وبعضها يعود لإرادات عربية وإقليمية ودولية- قد خسرت الكثير، مع أنها صاحبة حق، ولا يمكن تجاهل ذلك، ولا ينفع التصرّف وكأنها فائزة.
ب- من جهة أخرى، عندما تكون صاحب حق ومشروعية، وتخسر، فعليك ألا تستسلم، وإن كان لا بد من خسارتك، فاعرف كيف تخسر، واعرف كيف تحافظ على جذوة نار قضيتك من أجل المستقبل، فلا تقر لعدوك بانتصاره مقابل الفتات، (هذا كان الخطأ القاتل لياسر عرفات في اتفاق أوسلو 1993)، ولا يجوز الإغراق بالواقعية، لأنها تتحول إلى استسلام وخيانة للقضية.
ت- لكن عندما يطالب البعض المعارضة باتخاذ موقف يستجيب لتطلعات الشعب السوري الذي انتفض في 2011 وقدّم تضحيات غير مسبوقة في القرن العشرين، ثم لم ينل حتى الآن سوى العسف والجور والعذاب، فإن اتخاذ المواقف له متطلبات، ولا تكفي الرغبات، وهنا سنلجأ إلى بعض التحليل عودة لماضي السنوات العشر لاستخلاص دروس المستقبل.
) عودة إلى الماضي لاستخلاص دروس المستقبل:
في الواقع، تهيأت ظروف كانت ستحقق للمعارضة كامل عناصر القوة الصلبة والناعمة التي كانت ستمكنها من حسم الصراع قبل نهاية 2012. وكان بالإمكان أن يتحقق التالي:
أ- بناء تنظيم سياسي واسع له امتداد عميق في الشعب السوري وحاضنة شعبية تلتف حول القيادة السياسية لهذا التنظيم، ما يشبه منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها، قبل أوسلو.
ب- بناء قوة عسكرية واحدة قوية منظمة تخضع لمركز قيادي واحد، يخضع للقيادة السياسية، بدًلا من فصائل مشرذمة زاد عدد فصائلها على المئات، في بعض الأوقات، ولم تكن تخضع لمركز قيادي واحد ولا للقيادة السياسية، مما شتت جهودها وسهّل السيطرة عليها وتوجيهها بما لم يخدم أخيرًا قضية الشعب السوري.
ت- السيطرة على مصادر تمويل محلية أولًأ من حقوق النفط والمعابر والضرائب المحلية، والسيطرة على مصادر الإمداد بالسلاح، وجعلها بيد القيادة السياسية العسكرية الموحدةوتأسيس صندوق مركزي واحد بيد القيادة المركزية السياسية والعسكرية
ث- امتلاك ذراع إعلامي نشيط وفعال يقوم بدوره على وجه جيّد، وقد بقي هذا الجانب ضعيفًا وما زال كذلك حتى اليوم.
ج- امتلاك ذراع دبلوماسي يتواصل مع الخارجيات والأحزاب ومراكز القوى في البلدان المؤثرة في الملف السوري
ح- بناء تنظيمات سياسية ومدنية محلية، في أماكن وجود السوريين، تقوم بأعمال ونشاطات وعلاقات محلية وحملات وغيرها، بحسب توجيه قياداتها المركزية.
خ- تأسيس مركز دراسات يحوي اختصاصات منوعة، ويتابع ما يجري على جبهات الصراع العسكري والسياسي والإعلامي والمجتمعي، ويطور سيناريوهات متعددة
د- القيام بدراسات وتحليلات تنتج معرفة جيدة بالخصم وبنقاط قوته وضعفه وبأساليب عمله واستراتيجيته وتكتيكاته.
ذ- رسم رؤية استراتيجية معارضة واضحة،
ر- امتلاك كوادر في جميع هذه الميادين، وقد توفر كوادر كثيرة راغبة في تقديم مساهماتها.
) ما جرى هو عكس كل هذا:
أ- في الواقع، لم يتوفر للمعارضة سوى القليل من كل هذا، فلم يكن لديها قيادة قادرة تمتلك أدوات كافية، وإن كان الائتلاف قد حصل على اعتراف بتمثيله للمعارضة، وهذا ما يجب التمسك به وعدم التفريط فيه، ولكنه لم يكن يشكّل بذاته تنظيمًا سياسيًا واسعًا، ولا سيطرة له على الفصائل التي ما زالت مشرذمة ولا تندمج في جيش وطني واحد له قيادة واحدة وبنية هرمية ونظام أوامري مركزي واحد، وقد ساءت سمعة الفصائل إلى حد بعيد، ولا يسيطر الائتلاف على مصادر التسليح ولا على مصادر التمويل، ولم يكن له ميزانية كافية للقيام بما يكفي من نشاطات، ولا ما يكفي لتأسيس فرق عمل تخصصية أو مكانية، ولا مصادر لبناء إدارات محلية يسيطر عليها ويديرها، وثمة مؤشر صغير على وضع الائتلاف بأنه لا يملك حسابًا مصرفيًا، لأنه ما زال جسمًا غير قانوني، وفق الأنظمة السائدة في تركيا أو في غيرها.
ب- حتى الحكومة المؤقتة لم تكن تملك ما يكفي من موارد، ولم ولا يسمح لها بالسيطرة حتى على موارد كافة المعابر، وبذلك شكّل نقص التمويل، مع ضعف العمل المؤسسي وضعف التمويل، مقتلًا للعمل المعارض
ت- من خلال استعراض مسار الصراع خلال السنوات العشر الماضية، يبدو أن ثمة فيتو على تحقيق هذه الشروط العملية، التي كانت ستضمن سقوط النظام وتحقيق انتقال سياسي إلى نظام سياسي قبل نهاية 2012، وحينذاك لن يكون ثمة بيان جنيف في 30 حزيران 2012، أو سيكون بشكل مختلف لا يتضمن أي مشاركة للنظام القائم في البناء الجديد للدولة السورية، لأن تحقيق هذه الشروط سيؤدي إلى خلق قطب معارض قوي وموحّد سياسيًا، ذا ولاء شعبي واسع، ويكون قويًّا ومنظمًا وموحدًا عسكريًا، ويعمل على نحو مؤسسي، وقادرًا على إدارة انتقال
سياسي في سورية إلى نظام ديمقراطي تعددي، يقوم على تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع، في مناخ من سيادة الحريات العامة في التعبير والتنظيم وقيم المواطنة المتساوية، تحقيقًا لشعار الانتفاضة “الله سورية حرية”، و “الشعب السوري واحد”. نعم. فقد استنتج العديد من المراقبين والدارسين ومن المشاركين في النشاط السياسي والعسكري أن ثمة فيتو دولي على تشكيل جيش وطني واحد، وفيتو على تشكيل جسم سياسي واسع التمثيل وواسع الشعبية، ويقوم هذا الاستنتاج على وقائع كثيرة، وعلى منطق أن هناك دولًا بإمكانيات مالية وعسكرية وسياسية كبيرة قد تولت رعاية المعارضة منذ صيف 2011 وتعاظمت في سنة 2012، وهي تدرك تمامًا أهمية ما نقول. ومن الصعب تصوّر أن تعقد مؤتمرات دولية عدة شارك فيها أكثر من 120 دولة في العالم، بينها أقوى دول العالم، داعمة للمعارضة ولمطامح الشعب السوري في الانتقال السياسي، ثم تعجز هذه المعارضة التي ضمت إليها منذ صيف 2012 أكثر من 150 ألف مقاتل، وكان النظام يخسر كل يوم بعض مواقعه، وقد تقلصت سيطرته إلى أقل من ربع مساحة البلاد وسكان البلاد. ويبقى السؤال حتى اليوم: أما زال الفيتو موجودًا ويمنع تشكيل جيش وطني واحد موحد وقيام تنظيم سياسي واحد واسع بانتشار شعبي واسع وينتظم فيه خيرة كوادر سورية من المعتدلين من مختلف التوجهات، وهم غالبية الكوادر من السوريين ويكسب غالبية الشعب السوري، والذين يؤمنون جميعًا بالديمقراطية والنظام الديمقراطي، أي المعتدلين العلمانيين والمعتدلين الليبراليين والمعتدلين القوميين والمعتدلين الإسلاميين؟ سؤال ما زال ينتظر جوابًا.
ث- اليوم، تضع الظروف السائدة ومواقف اللاعبين الائتلافَ وهيئة المفاوضات في وضع يصعب عليها أن تعرف ما تريد، فإراداتها ليست حرة، وهي في وضع الآن لا تستطيع معه تحديد ما تريد، وليس لديها أي استراتيجية سوى الاستسلام للواقع والقبول والمشاركة في المفاوضات، بدافع أنه لا يوجد بديل، وعلى أمل أن يدعمها المجتمع الدولي بالضغط كي تجبر روسيا النظام على تنفيذ القرار 2254 والانتقال إلى نظام سياسي جديد، غير أن هذا ما زال أملًا، بعد كل هذه السنين. وبالتأكيد هذه وصفة للخسارة المؤكدة، خسارة كل شيء.
6) بالمقابل على جبهة النظام وداعميه:
أ- بالمقابل، كان لدى النظام مركز قيادي واحد وكلمة واحدة تسيطر على كل شيء، حتى مع دخول روسيا وإيران بقي التنسيق قائمًا، وكان النظام يعرف ما يريد، وحدد شعاره أن لا شيء للمعارضة، ولو كان أبسط تنازل ضمن شعار “كل شيء او لا شيء”، وقد بقي متمسكًا بهذا الهدف البسيط والواضح حتى في ساعات كان فيها قريبًا من السقوط، وسيبقى متمسكًا بهذا الشعار.
ب- رسم النظام وحلفاؤه استراتيجية تقول بالاستمرار في المفاوضات شكليًا، مع عرقلة تحقيق أي تقدم عمليًا.
ت- قرارات مجلس الأمن يفسّرها الروس بطريقة تفرغها من محتواها، وتضغط لفرض هذا التفسير، بينما تتراخى الولايات المتحدة مقابل الضغط الروسي، ويستعمل الروس حجة أن المعارضة السياسية مشتتة مشرذمة وغير قادرة على إدارة سورية في حال رحيل النظام.
ث- الأمم المتحدة لاعب مستقل شكليًا، ولكنها تخضع لضغوط الأعضاء الأقوياء فيها، وخاصة الأعضاء الدائمين الخمسة، وإن الوسط الأممي لتيسير المفاوضات بين النظام والمعارضة يحدد موقفه بحسب الضغوط التي تمارس عليه من اللاعبين الكبار، كما تلعب ميوله الشخصية دورًا بقدر ما تسمح به الظروف، ويلاحظ أن المندوبَين الأولين: كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، قد كانا أكثر موضوعية في النظر للحرب السورية، وفضّلا الاستقالة عندما اقتنعا بأن النظام وروسيا مصممين على عدم إحراز أي تقدم، مما يجعل عملية المفاوضات نوعًا من خداع الشعب السوري، أما المندوبان الأخيران: ديمستورا وبيدرسون، فقد كانا ميالين إلى النظام بحكم الضغوط الروسية القوية التي لا تقابلها ضغوط أميركية موازنة، وبحكم ميولهما الشخصية، نتيجة لتحليل واقع كل من المعارضة والنظام.
7) ما العمل وما الذي يمكن فعله؟
أ- الماضي لا يعود ولكن تبقى دروسه: فما الذي توفر أو يتوفر لدى المعارضة الآن من هذه الأدوات والمستلزمات؟ وما الذي يمكن توفيره منها وكيف؟ ومن يمكنه أن يلعب دورًا في تأمينها أو تأمين أي منها ، بما يساعد المعارضة على اتخاذ موقف مبدئي واقعي ومسؤول
ب- بغض النظر عن خطأ المعارضة في القبول بالدخول في مسار اللجنة الدستورية، فقد أصبح الواقع على هذه الحال، فما الذي يمكن فعله؟!
ت- في السياسة، كلّ شيء يخضع لمنطق الربح والخسارة وحساباتها. ولكن لا يتوقف على حسابات الربح والخسارة الآني، بل ينظر إلى البعيد ومدى خدمة الموقف الآني للهدف البعيد الأخير، وهو نيل الشعب السوري حريته وقيام نظام ديمقراطي تعود فيه السلطة للشعب، وفق آليات النظم الديمقراطية الحديثة، كما هو في عالم اليوم المتمدن، وهذا يتوافق مع التنفيذ العادل لقرارات مجلس الأمن، وجوهرها الانتقال السياسي إلى نظام ما بعد نظام البعث الأسد، نظام يقوم على أسس الديمقراطية وتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع في مناخ من الحريات العامة في التعبير والتنظيم.
ث- لا يمكن تبرير الاستسلام للواقع الحالي، بحجة عدم حدوث بديل، ونحن نرى الواقع ينزلق لصالح النظام وإعادة تأهيله. وبالتالي ستكون مشاركة المعارضة في حالة العجز الحالية مشاركةً لمنح شرعية لإعادة تأهيل النظام، وستكون المعارضة شاهد زور على التفريط بتضحيات الشعب السوري.
ج- إن أي موقف يُتخذ يجب أن يحسب بدقه وتحسب آثاره، ويجب أن تكون هناك خطة لتقليص الآثار السلبية، والأهم أن يكون ثمة بديل، والبدائل تتوفر عندما تمتلك المعارضة عدة مسارات على عدة جبهات.
ح- يظن البعض أنلا المشكلة في الائتلاف أو في الهيئة، ولذلك يوجّه كثيرًا من النقد ويطالب بإصلاح الائتلاف. وبالرغم من أهمية الإصلاح وضرورته المفاوضات، فإني أرى أن المشكلة ليست في إصلاح الائتلاف بحدح- يظن البعض أن المشكلة في الائتلاف أو في الهيئة، ولذلك يوجّه كثيرًا من النقد ويطالب بإصلاح الائتلاف. وبالرغم من أهمية الإصلاح وضرورته المفاوضات، فإني أرى أن المشكلة ليست في إصلاح الائتلاف بحد
ذاته، مهما كانت إجراءات الإصلاح جذرية وتسير بالاتجاه الصحيح، ما لم يترافق إصلاح الائتلاف باستراتيجية متكاملة تتضمن إجراءات تكميلية لا بدّ منها وضمن الممكن، أما عملية الإصلاح، مع بقاء بقية المسارات كما هي دون تغيير، فلن تُحدث فرقًا يذكر، فأهمية الائتلاف قد تراجعت بعد تشكيل هيئة المفاوضات، كما أن أهمية هيئة المفاوضات قد تراجعت بعد تشكيل اللجنة الدستورية التي صدر باعتمادها قرارٌ من الأمين العام للأمم المتحدة، مما منح أعضاءها استقلالية عن المؤسسات التي يمثلونها، وهذا ما يرغب في ترداده الرئيس المشارك لوفد المعارضة للجنة الدستورية، مما يطلق يديه في اتخاذ المواقف، وهو الحريص على استمرار المفاوضات بما تقدمه له من دور ومكانة دولية.
خ- إصلاح الائتلاف يصنع الفرق، إن ترافق مع توحيد فصائل المعارضة المسلحة ضمن جيش وطني واحد بهرمية قيادية متسلسلة واحدة، وأن يخضع لقيادة أركان تتبع الائتلاف، وأن تأتي الأسلحة والرواتب والتمويل عن طريق صندوق يسيطر عليه الائتلاف، وأن تتبع الحكومة المؤقتة للائتلاف، بينما استقلت بذاتها الآن، وهي الأخرى بحاجة إلى الإصلاح، وسيكون لإعادة تنظيم المجالس المحلية دور كبير، وأن يكون للائتلاف ذراع عسكري وذراع إعلامي وذراع دبلوماسي وبرنامج نشاطات بين السوريين وتواجد جغرافي، حيث يوجد السوريين. وكل هذا ضمن رؤية استراتيجية واضحة، وكوادر بشرية قادرة على القيام بهذه المهام، وقبل كل شيء السعي لامتلاك إرادة سياسية مستقلة تتحالف مع حلفاء، بناءً على المصالح المشتركة، ويتوفر في صفوف المعارضة كثير مما يمكّنها من تلبية كل هذه الاحتياجات. ونقصد المعارضة بمفهومها الواسع، وهو أوسع من مجرد الائتلاف وهيئة المفاوضات، ويشمل كل التنظيمات المعارضة السياسية والمدنية والثقافية والحقوقية والنقابية والعسكرية، ويمتد ليشمل جميع الأفراد المعارضين للنظام والمؤيدين للتغيير على اختلاف مشاريهم، أينما كانوا.
د- بالتأكيد، يلعب الدورَ الرئيس في كلّ هذا ثلاثة عوامل، هي التمويل وتوحيد الفصائل والإرادة؛ أما التمويل فيتوفر جزء كبير منه، لو تمت السيطرة الكاملة -ضمن الرؤية الجديدة- على موارد جميع المعابر في الشمال السوري دون استثناء، وأن تخضع للقيادة المركزية الجديدة، وأن تكلف الحكومة المؤقتة بإدارة المعابر، ويضاف لها دعم مالي ما زال يأتي ليوضع في صندوق مركزي موحد؛ وأما الفصائل فلا بدّ من توحيدها في جيش وطني واحد، يخضع لهيئة أركان من ضباط محترفين ونظام أوامري هرمي؛ وأما الإرادة فهي تتكون من جزئين: الأول سوري، وهو متوفر بقوة اليوم، والجزء الآخر يرتبط بلاعبين دوليين، أهمهم تركيا وإدارة بايدن، وهذا ما يجب على السوريين التحرك باتجاهه سعيًا للإقناع من خلال مخاطبة المصالح.
سمير سعيفان _ مركز حرمون للدراسات