ماتزال ريم محمد (25 عاماً)، وهو اسم مستعار لشابة تسكن ضاحية قدسيا شمال دمشق، تتعالج من آثار الكدمات على وجهها وجسدها، بعد تعرضها للضرب على يد زوجها منذ أسبوعين حين طالبته بالطلاق.
تقول إنها تعاني منذ ثمانية أعوام من العنف و”الإذلال” على يد زوجها الذي يكبرها بـ 15 عاماً بعد تزويجها وهي قاصر عندما كانت في السادسة عشر من عمرها.
ورغم من إبلاغها أقاربها بتعرضها “لمعاملة سيئة” وعلمهم بأن زوجها عاطل عن العمل، إلا أنهم يطالبونها بالصبر.
وتعلل المرأة الأم لطفلين موقف عائلتها، “بحجة حفظ الروابط الاجتماعية ومنع التفكك الأسري”.
وتتعرض نساء في العاصمة دمشق وغيرها من المحافظات للعنف بكافة أشكاله ويرى ناشطون اجتماعيون أن تفاقم الأوضاع المعيشية وتداعيات الحرب زادت من حالات العنف الأسري.
وتتعرض امرأة من كل أربع نساء في سوريا للعنف، بحسب منظمة اللوبي النسوي السوري.
تقول “محمد” التي أخفت أثار كدمات الضرب ملامحها: “يقوم بضربي وإهانتي في كل فرصة في المنزل حتى أنه لا يراعي وجودنا في الأماكن العامة، فقد اعتدت على صراخه وتوجيه الألفاظ السيئة لي أمام الناس”.
وتضيف: ” يهددني بالقتل، ويكرر كلمات (بقتلك، بكسر رقبتك، بشوهك) وأعلم أن بإمكانه فعل ذلك”.
وتتأسف المرأة لموقف المجتمع المحيط بها، “أكابد كل هذا لوحدي، فعائلتي والمجتمع يريان أن ما يحدث في منزلي هو شأن داخلي، ولا يتجرأ أحد على التدخل لإنقاذي”.
“دور شبه غائب”
وليلة رأس السنة، هزت واقعة وفاة الشابة السورية آيات الرفاعي البالغة من العمر 19 عاماً على يد زوجها ووالده ووالدته الراي العام في سوريا، بعدما نشرت وزارة الداخلية السورية اعترافات الجُناة، إذ أقروا جميعاً بقتل الشابة وإساءة معاملتهم لها بشكلٍ دائم.
وأعادت قضية “الرفاعي” الحديث عن أزمة النساء المعنفات في المجتمع السوري، وسط مطالب بسن قوانين من شأنها حماية النساء من التعنيف، خاصة من ذويها والدائرة المقربة منها.
وتتمنى زينة كامل (44 عاماً)، وهو اسم مستعار لناشطة نسوية، لو أن شوارع دمشق ضجت بالنساء المتضامنات مع آيات وغيرها من النساء اللواتي كن ضحايا العنف الأسري والمجتمعي، قُتلن ويقتلن “بشكل وحشي” بدلاً من الاكتفاء بالحملات الإلكترونية.
وعلى الرغم من أن قضايا العنف ضد النساء في دمشق في تنام ملحوظ، إلا أنه لا تتوفر أرقام أو إحصاءات دقيقة ويقتصر الأمر على بعض الدراسات “الخجولة” بسبب عدم الاهتمام الحكومي وتكتم النساء والمجتمع، بحسب سكان.
كما أن دور الحركات النسوية ونشاطاتها في سوريا يقتصر اليوم على تسليط الضوء على حالات العنف الأسري والمجتمعي ضد المرأة من خلال ما تنشره في وسائل التواصل الاجتماعي ، وفقاً لما ذكرته “كامل”.
ورغم مرور قرن من الزمن على عمر الحركة النسوية في سوريا، لم تتجاوز مطالبها ما كان يناشده الجيل الأول من الحركة النسوية في الغرب، وهو الدعوة للمساواة بين الجنسين وفى ميدان التعليم والعمل.
“ضحية الموروث الذكوري”
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر العام الماضي ، قالت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” في تقرير لها، إن “النزاع السوري المستمّر منذ أكثر من عشرة أعوام ترك معاناة ستظل آثارها ملازمة للعديد من النساء وخاصةً الفتيات اليافعات منهن”.
وأشار التقرير إلى أن النساء يواجهنَ تحديات معقدة على نحو متواصل من شأنها أن تغير مجرى نموهن وحياتهن إلى الأبد.
ولعل من أبرز تلك التحديات، الزواج المبكر والذي يعتبر ظاهرة قديمة في المجتمعات السورية لكنها أخذت بالازدياد مع تصاعد حدة ذلك النزاع، بحسب ما ورد في التقرير.
وفي وقت سابق، قال مهند مرتضى وهو محام يقيم في دمشق، إن قانون العقوبات السوري “لا يجرّم العنف الأسري بشكل واضح، ولم يحدد له أركاناً مادية ومعنوية.”
وترى الناشطة زينة كامل أن المرأة السورية ستبقى “ضحية الموروث الذكوري والاستبداد الحكومي ما لم تنتفض وتقف في وجه كل معنف ومتواطئ، فالصمت أجبن وأسوأ حل”.
وتضيف: “أعلم جيداً أنه ليس من السهل قول ذلك مع التحديات التي تجابه المدافعين عن حقوق المرأة وخاصة في ظل الأزمة التي نشهدها، حيث أصبح الأمر أعقد مما كان عليه الحال في السابق، ولكنه ليس بمستحيل أيضاً”.
وما تزال ظواهر العنف الأسري وعدم التوريث والطلاق التعسفي وحتى الزّواج القسري منتشرة في المجتمع السوري.
وتصف “كامل” موجات الاهتمام بالعنف الأسري ضد المرأة بالموسمي، “فهو يذكر فقط عندما يكون هناك حدث أو مناسبة عامة تستدعيه، ويسقط من النقاش العام عندما تنقضي هذه المناسبة”.