لم يعد العنف ضد المرأة السورية مقتصرا على الحدود الجغرافية للبلاد، إذ حمله طيف من المهاجرين إلى دول اللجوء، فكشفت الحالات المسجلة والانتهاكات المرتكبة هشاشة القوانين السائدة في سوريا، وسط غياب سلطة القضاء العادل والمنصف، وتعمد النظام خلال العقود الماضية عدم اتخاذ إجراءات فعالة لحماية المرأة وتغييب منظمات المجتمع المدني التي تعد أبرز الأسلحة لمواجهة الانتهاكات من خلال حملات التوعية والإرشاد لكبح كافة أشكال العنف التي تتعرض لها المرأة.
الجمعية العامة للأمم المتحدة، حددت 25 تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام، اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، ولكن قبل حلول هذا اليوم، توالت الإحصائيات التي تحاول ترجمة الظاهرة إلى أرقام، كانت بعضها صادمة حتى في بعض الديمقراطيات العريقة.
البيانات الصادرة عن المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة في ألمانيا، أشارت حسب «دويتشه فيله» إلى أن قرابة 34 في المئة من مرتكبي هذه الجرائم هم من الأجانب، وأن ما نسبته 91.5 من أصل 34 في المئة هي من الجرائم المنسوبة لسوريين، أي ما يعادل نسبة 8 في المئة من إجمالي الإحصائيات، كما أظهرت النتائج ارتفاعا كبيرا في نسبة الجرائم التي ارتكبها الرجال في الأسر.
وأوضحت البيانات أن النساء مثلن 80.5 في المئة من ضحايا جرائم العنف الزوجي في العام الماضي، بمعدل أربع من كل خمس ضحايا لهذه الجرائم، وأغلب الضحايا (واحد من كل ثلاثة) في العقد الرابع أعمارهن (بين 30 و39 عاما). ووقعت 38 في المئة من الجرائم في إطار علاقة زوجية سابقة و32.3 في المئة في إطار علاقة زوجية قائمة و29.4 في المئة في إطار علاقة شراكة حياتية بين شخصين غير متزوجين.
ما هو العنف ضد المرأة؟
يُعد العنف ضد المرأة والفتاة واحدا من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارا واستمرارا وتدميرا في عالمنا اليوم، ولم يزل مجهولا إلى حد كبير بسبب ما يحيط به من ظواهر الإفلات من العقاب والصمت والوصم بالعار.
بشكل عام، يظهر العنف في أشكال جسدية وجنسية ونفسية ويشمل حسب تقرير للأمم المتحدة كلا من:
– عنف العشير (الضرب، الإساءة النفسية، الاغتصاب الزوجي، قتل النساء)
– العنف والمضايقات الجنسية (الاغتصاب، الأفعال الجنسية القسرية، التحرش الجنسي غير المرغوب فيه، الاعتداء الجنسي على الأطفال، الزواج القسري، التحرش في الشوارع، الملاحقة، المضايقة الإلكترونية)
– الاتجار بالبشر (العبودية والاستغلال الجنسي)
– تشويه الأعضاء التناسلية للإناث
– زواج الأطفال
قبضة القهر
مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، قال في تصريحات لـ«القدس العربي»: «من الملاحظ أن نسب العنف ضد المرأة أو حتى الأطفال ترتفع بين اللاجئين السوريين في دول اللجوء عن الحوادث التي تشهدها أوطانهم» مرجعًا السبب إلى ارتفاع المعايير – القوانين المنصوص عليها في دول اللجوء، والتي تحاسب الزوج على انتهاكاته بحق زوجته أو بقية أفراد أسرته، وبالتالي فإن المنظومة مختلفة تماما والهوة واسعة بين الغرب وسوريا بما يخص التعامل مع حالات العنف ضد المرأة.
ففي سوريا، فإن التصرفات السيئة والعنف بحق الزوجة أو الأم أو حتى الزميلات مرده الأساسي، أن البلد محكوم بقبضة القهر والاستبداد والقمع، ولا توجد منظومة لحقوق الإنسان التي تعتبر من العوامل الهامة في نهضة تلك الحقوق.
مشيرًا، إلى أهمية أن ترأس الدولة تلك المنظومة وتدعمها، وتتعزز حقوق الإنسان بوجود منظمات المجتمع المدني، إلا أن سوريا لا يوجد فيها نظام ولا دولة تكترث بحقوق الإنسان، ولا توجد منظمات مجتمع مدني حقيقية تلعب دورا حيويا في التوعية.
لذلك نجد نسبة من اللاجئين السوريين تستمر في ارتكاب الانتهاكات بحق المرأة سواء اللفظية أو الضرب أو حتى الوصاية عليها والتحكم بحركة تنقلاتها، وفي حالات عدة يدخل العامل الديني في ذلك، كذلك نشهد نفوذا للعادات والتقاليد بما يخص فرض اللباس أو حتى اختيار الشريك، وتفاصيل أخرى، وبالتالي هذه تصنف كانتهاكات لحقوق المرأة، إذ أن قسما هاما من حرياتها مغيب، وبالتالي في بعض حالات اللجوء تستمر ذات الممارسات وتتكرر حالات العنف.
المرأة تُقتل وتُعذب
وأشار عبد الغني، إلى أن الزلزال الذي ضرب سوريا، كان سببا في عدم وجود تركيز كبير على مثل هذه الحالات من العنف، والسبب وجود انتهاكات كبرى ومروعة في سوريا، حيث تتواجد أطراف كالنظام السوري ما زالت تقتل المرأة وتقوم بتعذيبها وترتكب انتهاكات جسيمة بحقها كالتغييب القسري وكذلك هو الحال بالنسبة لأطراف أخرى.
وقال إن ما نسبته التقريبية 35 في المئة من النساء المهجرات، هن مشردات، وبعد التشريد هناك سلسلة طويلة من الانتهاكات بحق المرأة تُرتكب، خاصة في حال تغييب زوجها قسريا أو تعرضه للقتل، مما يؤدي إلى ابتزازها.
اختلافات قانونية شاسعة
المصدر الحقوقي، نوه إلى وجود هوة كبيرة بين القانون السوري والأوروبي بما يخص حقوق المرأة، فالنظام السوري، هو أكثر جهة محلية انتهكت حقوق المرأة في البلاد رغم مصادقته على اتفاقية «سيداو» الدولية وهي اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979.
ففي سوريا، هناك خلل كبير في أنظمة القوانين وكذلك في أنظمة التطبيق، إذ أن القوانين الموجود حول حقوق المرأة لا يتم تطبيقها، وتجري عمليات الالتفاف عليها بمختلف الجوانب.
والنظام لا يكترث فيما لو نالت السورية حقوقها أو لا، وهو لم يدخل من قبل في معارك مع العادات والتقاليد لصالح المرأة، علاوة على أن القانون في سوريا لا ينصف المرأة أصلاً.
وفي غالبية حالات العنف ضد المرأة، تلجأ الأخيرة إلى الصمت على ما تعانيه بسبب عدم وجود قضاء ينصفها أو دولة تقدم لها الحماية، وهذا واقع مختلف جدا بين سوريا والدول الغربية، التي تتمتع بقضاء عادل وتستطيع مقاضاة أي شخص يسيء لها أو ينتهك حقوقها.
ما هي الحلول؟
محدثنا رأى من الضرورة تغيير العقليات المنتشرة، والتي تناقض حقوق المرأة، ومن الحلول أيضا هي المصارحة والتوعية.
فالمرأة السورية عندما تنتقل إلى الدول الغربية، تشاهد بكل وضوح قضاء يحميها وينصفها، وهذا نراه سببا هاما في زيادة حالات الانفصال بين الأزواج، وبالتالي نحن بحاجة تغييرات ومواكبة أسرع حتى يتم تحجيم تلك الظاهرة، والثورة السورية هي حراك ليس ضد النظام فقط وهو الذي انتهك كل الحقوق في وليس فقط حق المرأة، معتبرا أن الثورة هي حراك حقوقي للدفاع عن حقوق كل أفراد المجتمع من نساء ورجال وأطفال.
كما نوه المصدر، إلى ضرورة حملات التوعية، مشيرا إلى وجود قسم من الرجال قد لا يعلم بخطورة ما يفعل، وبالتالي هو بحاجة لتوعية وإرشاد من شأنه تصحيح العديد من المفاهيم الخاطئة.
كما يحتاج اللاجئ السوري اليوم في دول الاغتراب إلى وجود مؤسسات مجتمع مدني بين اللاجئين لتعديل المفاهيم الخاطئة، وهذه الخطوة من شأنها دفع عملية الاندماج مع المجتمع، وكذلك وسائل الإعلام تلعب دورا هاما في الجهود التوعوية.
نتيجة تراكمية
ورأت الإعلامية السورية سما مسعود، أن حالات العنف بين السوريين اليوم في بلاد اللجوء هي نتيجة تراكمات وترتبط بالمجتمع وبالثقافة التي أتت منها الأسرة.
فحالات العنف بين السوريين قديمة، لكنها وجدت متنفساً اليوم بعيداً عن القوانين الاجتماعية الضابطة، فالطلاق يأتي في الحالة العربية بعد سلسلة من المعاناة والضغط والانفعالات والتصرفات الكيدية، مع ان الطرفين وذويهما يعرفان أن الحياة المشتركة شبه مستحيلة، لكن بسبب الضغط الاجتماعي يتم الصلح الذي يكون في النهاية انفجارا فطلاقا كيديا أكثر منه طلاق، والذين يجمع بينهما أطفال، فكلا الزوجين يقدم مصلحته على الآخر بينما ينسى الطرفان الأولاد وهم الحلقة الأضعف هنا.
وقالت مسعود لـ «القدس العربي»: الانغلاق المجتمعي يسبب ضحالة بالثقافة وليس العكس، والانغلاق المجتمعي يساهم في استمرار وتكريس وزيادة السيطرة الذكورية، وليس العكس، لذلك على المجتمعات المنغلقة حال اقتنعت الأسر بضرورة وأهمية التعليم لنواح عدة لا تمانع في إكمال ابنها أو ابنتها التعليم الجامعي وما بعد الجامعي وهذا ما نراه في مجتمعاتنا.
واستطردت قائلة: المرأة تتأثر طبعاً مثلها مثل أي إنسان بالمجتمع الجديد والاندماج هو التأثر، ولا يمكن فصل مفهوم الاندماج عن مفهوم التأثر، لكن الضغط واللاوعي يدفع المرأة أو الرجل للاندماج اللا واعي والذي يأتي دفعة واحدة مثل الإعصار يدمر ولا يثمر.
انتهاكات مرعبة
تعرضت الإناث في سوريا لأنماط عديدة من الانتهاكات، تتفاوت في شدتها وانتشارها وتداعياتها الحالية والمستقبلية على الأنثى حسب كل نمط، ويُعتبر قتل الإناث في مقدمة هذه الانتهاكات وأشدها وطأة في سوريا لارتفاع نسبة الضحايا من الإناث، ويأتي ثانياً بعدَ القتل الاعتقال/ الاحتجاز الذي يتحول في الغالبية العظمى من الحالات لاختفاء قسري، ثم التعذيب والعنف الجنسي، وكذلك عمليات تجنيد الإناث القاصرات، والاعتداءات والتضييق عليهن من قبل أطراف النزاع.
حيث وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 28618 أنثى على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا منذ آذار/مارس2011 حتى 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2021 يتوزعنَ على النحو التالي:
أولا: قوات النظام السوري (الجيش، الأمن، الميليشيات المحلية، الميليشيات الأجنبية): 21996 أنثى يتوزعنَ إلى 11949 بالغة و10047 طفلة.
ثانيا: القوات الروسية: 1593 يتوزعنَ إلى 974 بالغة، و619 طفلة.
ثالثا: تنظيم داعش: 981 أنثى توزعنَ إلى 587 بالغة، و394 طفلة.
رابعا: هيئة تحرير الشام: 83 أنثى يتزعنَ إلى 77 بالغة، و6 طفلة.
خامسا: جميع فصائل المعارضة المسلحة/الجيش الوطني: 1318 يتوزعنَ إلى 880 بالغة، و438 طفلة.
سادسا: قوات سوريا الديمقراطية الكردية (حزب الاتحاد الديمقراطي): 260 يتوزعنَ إلى 163 بالغة، و97 طفلة.
سابعا: قوات التحالف الدولي: 961 يتوزعنَ إلى 658 بالغة، و303 طفلة، جهات أخرى قتلت 1426 يتوزعنَ إلى 920 بالغة، و506 طفلة.
أسباب العنف؟
تقف وراء العنف ضد المرأة السورية وفق قراءة الباحث رشيد الحوراني عدة أسباب أهمها:
التربية الذكورية التي ينشأ عليها الذكر: تمنحه امتيازات الوصاية على المرأة وليس الشراكة.
الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية للرجل: فالرجل وفد كلاجئ، بمعنى انه ليس في حالة طبيعية، وهذه الحالة تولد عليه ضغوطا متنوعة، والضغوط النفسية لا تبقى حبيسة الذات الإنسانية، انما يتم التعبير عنها بالسلوك الجرمي.
تغيير العادات والتقاليد: في البيئة المضيفة، تقف التغييرات وراء بعض حالات العنف ضد المرأة.
وهناك الكثير من حالات لسوريات وصلن الدول الغربية، وبدأن العيش وفق عاداتها وتقاليدها التي تحرر المرأة من تقاليدها المحافظة، وهذا ما يدفع اللاجئين لتعنيف نساءهم.
وأضاف حوراني، أن العنف ضد المرأة موجود وكانت تتعلق معظم أسبابه بالخلافات الزوجية، ويتم حلها أما عن طريق المحاكم المذهبية أو الشرعية.
ومن أبرز أخطار العنف ضد النساء ميل العديد منهن بالتزامن مع نشاط المنظمات التي تدعو لتمكين المرأة، إلى الاستقلال المادي والعزوف عن التفكير بالزواج، ولهذا الأمر مخاطره على المستوى القريب والبعيد.
وأصدرت شبكة المرأة السورية «شمس» بيانا بمناسبة حملة الـ 16 يوماً لمناهضة العنف ضد النساء، طالبت من خلاله بالإفراج عن جميع المعتقلات والمعتقلين والكشف الفوري عن مصير المفقودات والمفقودين، واعتبار العنف الجنسي المرتكب من أطراف الصراع جريمة ضد الإنسانية. وكذلك، إعمال المساواة بين الجنسين في الدستور والقوانين، وسحب التحفظات على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وإصدار قانون يجرم العنف الرقمي والقائم على النوع الاجتماعي، وكذلك إصدار قانون يُجّرمُ العنف الأسري.
كما طالبت الشبكة بضرورة إلغاء المادة 192 و 242 و508 من قانون العقوبات السوري التي تمنح الأعذار المخففة لمرتكبي جرائم الاغتصاب والجرائم الجنسية وتسمح بحكم الأمر الواقع بقتل النساء بحجة الدافع الشريف، والغضب العارم، وزواج المغتصب من الضحية.
وشمل البيان أيضا، المطالبة بإلغاء المادة رقم 18 من قانون الأحوال الشخصية للقضاء على كافة أشكال زواج الأطفال، وتعديل قانون الجنسية (مرسوم جمهوري رقم 276/1969) لضمان تمتع النساء والرجال بنفس حقوق اكتساب الجنسية ونقلها والاحتفاظ بها وتغييرها. وإلغاء التمييز ضد المرأة في قانون العقوبات، وتوفير الملاجئ الآمنة للناجيات من العنف، ودعم المنظمات النسوية التي تقوم بتوفير الملاجئ للنساء، وإنشاء صندوق للنفقة للمرأة وأطفالها، وتوفير الخدمات القانونية والاجتماعية والنفسية للمعنفات.
اعتقالات وتغييب قسري
كذلك وثَّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ما لا يقل عن 10628 أنثى لا زلن قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد الأطراف الرئيسية الفاعلة في سوريا منذ آذار/مارس 2011 حتى 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2021 يتوزعنَ على النحو التالي:
قوات النظام السوري: 8497 يتوزعنَ إلى 8041 بالغة، و456 طفلة.
تنظيم داعش: 276 يتوزعنَ إلى 255 بالغة، و21 طفلة.
هيئة تحرير الشام: 44 يتوزعن إلى 41 بالغة، و3 طفلة.
فصائل في المعارضة المسلحة: 942 يتوزعنَ إلى 851 بالغة، و91 طفلة.
قوات سوريا الديمقراطية: 869 يتوزعنَ إلى 522 بالغة، و347 طفلة.
حسام محمد _ القدس العربي