لا تزال الإدارة الأمريكية الحالية تتعامل مع الحالة السورية وفق سياسة “العصا والجزرة”، بالرغم من عدم وضوح استراتيجيتها في هذا الملف، إذ إنّها في غضون شهر واحد اتخذت قرارين متناقضين في إطارهما العام؛ فمن جهة عدلت وزارة الخزانة الأمريكية لوائح عقوباتها السورية، ومن جهة أخرى أقرَّ مجلس النواب قانوناً يطالب بتقرير مفصل عن ثروة رأس النظام السوري بشار الأسد وعائلته، بما في ذلك زوجته والمقربين منه، خلال مدة لا تتجاوز 120 يوماً.
وهو ما يمكن تفسيره بحقيقة أنَّ تقرير “ثروة الأسد” سيصدر بعد فترة وجيزة من التصويت على تمديد العمل بالقرار 2585 في مجلس الأمن، المتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود لستة أشهر جديدة إلى الشمال السوري؛ وذلك بعد اتفاق الرئيسين الأمريكي والروسي في جنيف صيف هذا العام، على استراتيجية «خطوة بخطوة» كان القرار الدولي المشار إليه أحد نتائجها، وهذا يُعيدنا إلى الجزرة التي تسبق العصا.
وعلى العكس من ذلك، فإنّ الهدف الأساسي من تقرير ثروة الأسد، يأتي من خلال التأكيد على استحالة تعويم النظام، وخصوصاً رئيسه، بعد جرائمه الفظيعة بحق شعبه. وفي الوقت نفسه؛ تعرب واشنطن عن رفضها المطلق للتطبيع مع النظام السوري والكشف عن سلوكه المزعزع لاستقرار المنطقة، بعد أن نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” في تحقيقها الأخير، أنَّ «صناعة المخدرات، وخاصة أقراص الكبتاغون، يديرها أقارب رئيس النظام السوري بشار الأسد مع شركاء أقوياء، حيث بلغت قيمتها مليارات الدولارات، متجاوزة الصادرات القانونية لسوريا».
من الواضح أنَّ جهود واشنطن حالياً في الشأن السوري، تتركز في الإبقاء على المساعدات الإنسانية عبر الحدود، والحفاظ على أكبر وقف ممكن لإطلاق النار، وتجميد العلميات العسكرية، بعد تصريحات إعلامية من قبل النظام وحلفائه الإيرانيين تشير إلى عملية وشيكة على مناطق في محافظة إدلب.
تدرك إدارة بايدن أنَّ بقاء سوريا كدولة فاشلة سيكون له تداعيات خطيرة، وفي مقدمتها استمرار معاناة الشعب السوري، وتدفق موجات جديدة من اللاجئين إلى دول الجوار، وتوفير أرضية خصبة للتنظيمات المتشددة، واحتمال استئناف الاشتباكات المسلحة بين أطراف النزاع، الأمر الذي قد ينعكس سلباً على استقرار دول الجوار.
ومن هذا المبدأ، يجب تنسيق استراتيجية خاصة وفعالة للوضع السوري، بدلاً من تبنِّي نهجٍ يقوم على “مقاس واحد يناسب الجميع” والذي استخدمته الإدارات الديمقراطية بعد الحرب على العراق عام 2003، بانتهاج القوة ما دون العسكرية في سياساتها الخارجية.
ومع ذلك، يمكن لإدارة الرئيس جو بايدن من البناء على القوة الناعمة، في تطوير أدوات أخرى لممارسة المزيد من القوة الذكية لتحقيق مصالحها، بالعودة الآمنة إلى الشرق الأوسط، بعد الابتعاد عن قضاياه لعقدٍ من الزمن، كان كفيلاً بتقويض دورها الساعي لنشر قيم الحرية والديمقراطية على أسس الواقعية الليبرالية.
وبالنظر إلى ما سبق، لا يمكن تأسيس علاقات دولية وفق فلسفة التغاضي عن السياسات الإجرامية التي تُصدّر الإرهاب والقتل والمخدرات إلى العالم، مثل نظام الأسد وخامنئي وملحقاتهم المليشياوية؛ حزب الله اللبناني، والحشد الشعبي العراقي، وأنصار الله (جماعة الحوثيين) في اليمن، إضافة إلى داعش وكل من يؤجج الصراعات المذهبية ويساهم في السياسات التوسعية الإيرانية التي أرهقت المنطقة واقتصادها.
وأمام ذلك، لا يزال السوريون واليمنيون واللبنانيون، ينتظرون موقفاً أمريكياً حازماً، يعيد لواشنطن دورها في المنطقة.
وحتى لا ننتقص من فعالية – سلاح العقوبات – التي فرضتها الإدارات المتعاقبة في واشنطن على النظام السوري خلال السنوات العشر الماضية، وإثبات إضعافها للنظام وحلفائه، إلا أنَّ العقوبات الراهنة ما تزال عاجزة عن تحقيق تغيير في الوضع السياسي، من خلال إرغام النظام على تطبيق بنود القرار الدولي 2254 وفق تسلسل فقراته.
فضلاً عن أنَّ العقوبات الأمريكية، على المستوى العملي والإجرائي لم تسهم بإخضاع إيران في ملفها النووي، بل توصلت إلى اتفاق معها عام 2015، لتعود من جديد إلى رفع مستوى تخصيب اليورانيوم!
وينطبق الشيء نفسه على العقوبات التي فرضتها واشنطن في أغسطس/آب الماضي، على الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، والتي لم تؤدي إلى تغيير موقف الأخير من الانتخابات الرئاسية في بلاده.
وكذلك الأمر بالنسبة لقادة كوريا الشمالية والهند وباكستان فيما يتعلق ببرامجهم النووية، أو حتى على روسيا الاتحادية فيما يتعلق بسياستها في شبه جزيرة القرم وأوكرانيا.
لكن، يبقى السؤال المطروح: ما الذي يملكه السوريون غير انتظار المزيد من التلويح والترهيب بالعصا الأمريكية؟.. علّها تصيب رأس طاغية النظام السوري، و”تجعله في خبر كان”، العبارة التي يرددها السوريون في جلساتهم اليومية.
درويش خليفة _ الطربق