دمشق: النظام يراوغ.. تحرير الأسعار آتٍ

يشكك اقتصاديون في طريقة تعاطي النظام السوري مع ملف الدعم الحكومي، في ظل التصريحات الحكومية الأخيرة، وإجراءات رفع الدعم عن المواد الأساسية والسلع ذات الاستهلاك الواسع، ما ينذر بتضخم جديد يهدد ما تبقى من القدرة الشرائية للسوريين.

وتلمّح حكومة النظام السوري منذ أسابيع، إلى إمكانية توفير السلع مثل المحروقات والخبز وغيرها بأسعار حرة، أو كما تصفها بسعر التكلفة، الأمر الذي يعتبره البعض تملص الحكومة من واجباتها في توفير المواد بأسعار مدعومة، بينما يرى آخرون أنها مقدمة لرفع الدعم بشكل كامل.

وكانت الموازنة المقررة لعام 2022، التي تضمنت رصد النظام أكثر من 900 مليون دولار أميركي لخطة مشروع الدعم الاجتماعي الخاصة بالخدمات الحكومية والمواد الاستهلاكية، قد أثارت الشكوك في مصداقية تطبيقها دون المساس بالقدرة الشرائية للمواطن.

رفع الدعم

رغم تأكيدات النظام على أنه ليس بصدد رفع الدعم، تشير المعطيات وتسريبات المقربين من الحكومة الحالية إلى وجود خطة لتحرير أسعار قسم كبير من المواد المدعومة، وهو ما يؤكده إلغاء معظم المواد التموينية من برنامج البطاقة الذكية آخرها زيت الطعام والسكر، فضلاً عن عقبات تسليم مستحقات المحروقات والغاز المنزلي المدعوم.

ويؤكد محمد.ب، وهو من سكان مدينة حلب، عدم تسلمه مخصصاته من خلال البطاقة الذكية منذ خمسة أشهر، إضافة إلى مرور أكثر من ثلاثة أشهر على دوره في الحصول على الغاز المنزلي، قبل أن تتوقف بطاقات الدعم نهائياً في تشرين الثاني/نوفمبر.

ويقول: “على البطاقة الذكية لا شيء متوفراً في صالات المؤسسة الاستهلاكية (الحكومية) إن كان الخبز أو التموين، أما بالسعر الحر فكل شيء موجود من رز وسكر وزيت وغيره، وهذه المواد تقدم بناء على مخصصات الفرد، لكن بسعر أقل من السوق، إضافة إلى مراكز توزيع الغاز التي تبيع فقط بسعر السوق”.

ويضيف أنه “لم يعد هناك شيء إسمه مواداً مدعومة، الموجود حالياً هو سعر التكلفة، وهذا يعني زيادة المصاريف”، موضحا أنه “خلال الشهر الماضي وصل مصروف عائلتي (طفلان وأمهم) على الطعام والشراب إلى 600 ألف ليرة، أما بالنسبة إلى المرض فقد صارت الأعشاب هي الطريقة الوحيدة للعلاج، (يانسون ونعنع وزهورات)، حتى لا نضطر للذهاب إلى المستشفى أو الطبيب ودفع المزيد من التكاليف”.

وكان وزير التجارة الداخلية في حكومة دمشق عمرو سالم قد أكد الدراسات المسربة التي توضح استبعاد شرائح تصنف من الطبقة الفقيرة من خطة الدعم المستقبلية، مشيراً إلى أنه سيتم استبعاد أكثر من 500 ألف شخص عن الدعم قبل نهاية العام 2021.

جيب المواطن الخطة الأسهل

خطة تحرير الأسعار وإزالة الدعم، ليست بالجديدة، فقد بدأها النظام بشكل فعلي قبل أشهر، من خلال رفع أسعار المواد المدعومة، تبعها سياسة رفع الدعم التدريجي عن المحروقات الزراعية والصناعية، ثم ألحقها برفع تسعيرة حوامل الطاقة، فضلاً عن تحرير أسعار الكثير من البضائع التجارية والمواد الأساسية للمواطن.

وفي الآونة الأخيرة، تزايد الحديث عن إمكانية رفع النظام المعدل الوسطي لكتلة الرواتب الشهرية بنسبة 100 في المئة، حيث يبلغ حالياً 72 ألف ليرة سورية، في حين قاربت تكلفة المعيشة للعائلة متوسطة العدد سقف المليوني ليرة، نتيجة الارتفاع المستمر في الأسعار.

ويوضح الخبير الاقتصادي عبد الرحمن أنيس في حديث ل”المدن”، أن التحول من اقتصاد السوق الاجتماعي إلى اقتصاد حر يأخذ اليوم شكلاً من أشكال اقتصاد الأزمات أو اقتصاد الحرب، فهو يتطلب فك الارتباط بين مصالح الدولة وأصحاب الأموال وبين باقي فئات الشعب خاصة الفقيرة منها.

ويقول أنيس: “يتبع النظام الطريق الأسهل في رفد خزانته بالمال، وذلك من خلال إلغاء برنامج الدعم المعمول به منذ عقود في سوريا، بدلاً من تطبيق إجراءات حقيقية أكثر فاعلية، تتمثل بإيقاف هدر الأموال على ترسانة الحرب ضد الشعب، واستحواذ بعض النافذين على الاقتصاد، بالنظر إلى عدم قدرة النظام على محاربة الفساد الإداري داخل مؤسساته الاقتصادية”.

ويضيف أن “هذه الإجراءات تزيل عن النظام الأعباء في الموازنة ومقدرات الدولة، خاصة وأنه منح امتيازات استثمارية لمرافق عامة كالموانئ والصناعات الاستخراجية لسنوات طويلة مما سيحرم أبناء الشعب من مردودها، وبالتالي لن يستفيد الشعب من موارده الوطنية وتنخفض الواردات العامة في الموازنة”.

في حين يعتبر آخرون أن النظام يمتلك الموارد ، لكن، ليس بالكميات القادرة على تأمين حاجة السكان، إضافة إلى أن وضعه الاقتصادي حالياً لا يجعله قادراً على تحمل المزيد من الخسائر والدفع مقابل الخدمات.

بينما تدأب الكثير من دول العالم على تقديم الدعم لمواطنيها بعد جائحة كورونا وتأثيرها على وضعهم الاقتصادي والمعيشي، يستمر النظام في سياسة نزع الدعم وإغراق قاطني مناطقه بالمزيد من المشاكل والأزمات، في دولة يعيش أكثر من 90 في المئة من سكانها تحت خط الفقر، ويعاني أكثر من 80 في المئة منهم من انعدام الأمن الغذائي.

منصور حسين _ المدن

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...
ماروتا سيتي دمشق

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...
جمعية الأمل لمكافحة السرطان

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...

الأكثر قراءة