عنف جسدي، أو نفسي، أو اجتماعي ومعيشي، هي بعض أشكال من العنف الذي تعانيه المرأة السورية خلال سنوات طويلة قضتها في ظل مجتمع تحكمه السلطة الذكورية قبل أن تنهش الحرب فيه منذ أكثر من 10 سنوات.
بين العادات والتقاليد والنظرة المجتمعية المجحفة بأحيان كثيرة في حق المرأة ودورها الحقيقي والمؤثر في ميادين مختلفة، يؤدي بأي حال من الأحوال إلى أن يتم التعايش مع العنف تجاهها بأنه حق مشروع للرجل سواء كان زوجها، شقيقها، والدها، تبرز الأسباب الرئيسية للعنف الذي يطال المرأة السورية.
غياب القوانين والتمكين الاقتصادي
تُعرف الجمعية العامة للأمم المتحدة “العنف ضد النساء” على أنه “أي اعتداء ضد المرأة مبني على أساس الجنس، والذي يتسبّب بإحداث إيذاء أو ألم جسدي، جنسي أو نفسي للمرأة، ويشمل أيضا التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان التعسفي للحريات، سواء حدث في إطار الحياة العامة أو الخاصة”، وينص “إعلان الأمم المتحدة بشأن القضاء على العنف ضد المرأة” على أن “العنف ضد المرأة هو مظهر من مظاهر علاقات القوة غير المتكافئة تاريخيا بين الرجال والنساء” و “العنف ضد المرأة هو إحدى الآليات الاجتماعية الحاسمة التي تضطر المرأة بموجبها إلى الخضوع بالمقارنة مع الرجل”.
آراء مختصات اجتماعيات وناشطات نسويات سوريات، تذهب إلى الاعتبار بأن الأسباب آنفة الذكر يتجاوزها تأثير بعض النصوص الدينية التي تحلل العنف ضد المرأة وتكرس ضعفها وقصورها، إلى جانب عدم تحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة، والذي يتوازى في أحيان بالدور السلبي الذي تلعبه بعض وسائل الإعلام في تكريس العنف ضد المرأة كمنهج حياة للعنف لا سيما في الأعمال الدرامية، فضلا عن غياب القوانين الرادعة وتفعيل السبل القانونية والآليات الناظمة لمنع استمرار العنف الممارس على المرأة.
لذا ترى الناشطة النسوية، سمر شحادة، خلال حديثها لـ”الحل نت” بأن التصدي للممارسات العنفية بكل أشكالها ضد المرأة السورية سواء داخل البلاد بشكل رئيسي أو في دول اللجوء، يتمثل بشكل رئيسي بمعاقبة كل من يمارس العنف وفق القوانين والتشريعات والتشديد على تنفيذ القوانين وتعويض المرأة عن الأضرار التي لحقت بها.
وذلك بالتوازي مع تطوير نهج وقائي يشمل تدابير قانونية وسياسية وإدارية وثقافية شاملة لتعزيز حماية المرأة من جميع أشكال العنف. والاهتمام بقطاع التعليم لتعديل السلوكيات الاجتماعية والثقافية والتخلص من الممارسات العنفية ضد المرأة. بالإضافة إلى تفعيل دور منظمات المجتمع المدني للقيام بدورها الحقيقي والفاعل.
هذا وتعتبر اتفاقية “سيداو” ببنودها الثلاثين، إحدى أهم المواثيق التي سنت للقضاء على التمييز ضد النساء، كما “أن الحاضنة الاجتماعية والسياسية التي تولد هذه القوانين، والبيئة السياسية (الفساد) وغياب الديموقراطية، انتهاك حقوق الإنسان”، أثرت بشكل رئيسي على المجتمعات العربية (منها سوريا)، وأدت في كثير من الأحيان إلى مصادرة حقوق كانت تتمتع فيها النساء سابقا.
إرث مجتمعي
يبقى مجتمعنا السوري أو من خرج من البلاد خلال السنوات الماضية، جزء من مجتمعنا الشرقي والذي ينتهج كل عاداته وتقاليده القائمة على أن المرأة هي “مواطنة من الدرجة الثانية”، وفق حديث الباحثة الاجتماعية، وضحة العثمان.
وتضيف العثمان خلال حديثها لـ”الحل نت” بأن “الرجل في مجتمعاتنا مهما تطور من الثقافة والحضارة يبقى ينظر لنفسه على أنه السيد والحاكم للمنزل، ونادرا ما نشاهد علاقة فيها عدالة مطلقة للمرأة وبحال لم تنفذ الأوامر فإنها تتعرض للعنف”.
كما أنها تشير إلى أن العنف الممنهج ضد المرأة سيبقى مستمرا بسبب أنه “إرث مجتمعي متناقل يعتمد على أن المرأة يجب أن تُحكم من الرجل الموجود بحياتها، حتى النساء أنفسهن عند تربية أولادهن يعملون ضمن نفس هذه النظرية”.
وتختم بالقول بأن “الأعراف المجتمعية وطريقة التربية في المجتمـع والوضع الراهن حاليا في ظل غياب القانون وأي رادع ومحاسبة، لا سيما في ظل تفكك مجتمع السوريين، هي من أبرز استمرار العنف ضد المرأة”.
في عام 2011 حلت سوريا في المركز الثالث في جرائم الشرف بعد اليمن وفلسطين ولم يعدل قانون الشرف حتى 2020، واقتضى بالغاء العذر المخفف لمرتكب ما يسمى “جريمة الشرف”، فقد تم تعديل بعض القوانين برفع سن حضانة الأطفال الذكور والإناث إلى سن 15، حيث يُخير الطفل بعدها مع من يريد أن يعيش، ولم يعد من حق الأب سحب حق الحضانة من الأم أو السفر دون موافقة الأم، حتى أثناء الزواج. ويمكن للمرأة التراجع عن حق الحضانة والتراجع عن تنازلها عن النفقة عند الطلاق.
تتم شرعنة العنف ضد المرأة في مجتمعاتنا بقوانين جائرة، تتعاضد مع أعراف اجتماعية وتفسيرات دينية تجعل من المرأة الضحية موضوعا لعنف أكبر يقع عليها في حال تجرأت وأعلنت عما تعرضت له من عنف، وفق رأي الكاتبة والنسوية ميا الرحبي، في إحدى مقالاتها المتخصصة حول العنف الممارس ضد المرأة.
ومن أشكال العنف الموقع على المرأة، الطلاق التعسفي بإرادة منفردة من الرجل، ومبدأ القوامة، وإجبار الزوجة، قانونياً واجتماعياً، على تبعية زوجها في مكان الإقامة الذي يختاره هو، ما يلغي من حرية تصرفها بأموالها، وحريتها في اختيار عملها ونوعه ومكانه.
يضاف إلى ذلك، الضغوط المجتمعية التي تعيب على المرأة، في حال تجرأت وباحت بما تعرضت له من عنف، فالزوجة التي تتعرض لعنف من الزوج يجبرها أهلها على البقاء مع زوجها والصبر على العنف، وطالما سمعنا عن حوادث انتحار لنساء أجبرهن الأهل على العودة إلى الحياة الزوجية رغم معرفتهم بوحشية الزواج في التعامل مع ابنتهم.
إلى جانب ذلك أيضاً هناك شرعنة العنف المعنوي من قبل الأهل والأزواج الذي يتضمن الشتم والاستهزاء والتحقير وكل صنوف العنف المعنوي، حيث لا يعتبر المجتمع إجبار الرجل زوجته على ممارسة الجنس عنفاً، ويشرعن رجال الدين والمواد القانونية ذلك.
يُشار إلى أن الأمم المتحدة، اعتمدت يوم 25 نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام، يوماً دولياً للقضاء على العنف ضد المرأة، بحيث تمتد الحملة على مدى 16 يوماً، وهدفها “لفت الانتباه إلى العنف والتمييز اللذين تعاني منهما المرأة في جميع مناحي الحياة”.
وبحسب الأرقام الأممية تتعرض واحدة من ثلاث ﻧﺴﺎء وﻓﺘﻴﺎت ﻟﻠﻌﻨﻒ اﻟﺠﺴﺪي أو اﻟﺠﻨﺴﻲ خلال ﺣﻴﺎﺗﻬﻦ، ويكون ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ اﻷﺣﻴﺎن من طرف عشير (زوج)، كما أن 71 بالمئة من جميع ضحايا الاتجار بالبشر في العالم هم من النساء والفتيات، و3 من أصل 4 من هؤلاء النساء والفتيات يتعرضن للاستغلال الجنسي.
سيرين شاهين _ الحل نت