اللجوء إلى بلدان مختلفة الأفكار واللغة ونمط المعيشة عن عوائل سورية باتت الأم فيها أو الشقيقة الكبرى هي المعيل الوحيد و الرئيسي؛ غالباً ما يسبب ذلك ضغوط متعددة لهن، كما هو الحال ذاته أيضاً لسوريات عايشن سنوات الحرب وقساوتها وبتنا أيضاً المعيلات لأسرهن سواء بسبب وفاة أو اختفاء أزواجهن، أقاربهن، أشقهائن، في ظل ظروف معيشية سيئة وأحوال اقتصادية متدهورة على الدوام في عموم مناطق سيطرة حكومة دمشق.
رغم تمكن بعض النساء السوريات من التغلب على الصورة النمطية لعمل المرأة داخل سوريا وخارجها، من خلال عملهن في مهن كانت حكراً على الرجال، واضطررن للعمل فيها خلال السنوات الماضية، كامتهان حرفة السباكة والبناء وقيادة الحافلات والتكاسي وغيرها من المهن التي تحتاج بنية جسدية قوية. إلا أن عمل المرأة السورية في بلدان اللجوء أو حتى الداخل السوري في بعض المهن غير النمطية، ما زال يواجه انتقادات أو تعليقات تنم عن الاستنكار أو التعجب.
تأثير الحرب داخليا وخارجيا على المرأة السورية فرض عليها واقعا جديدا منذ عدة سنوات، فمن جهة هناك حاجة لمساهمتها وأخذ دورها الصحيح في أي من المجتمعات التي تعيش فيها، ومن جهة أخرى تمنع من المشاركة في بلدها خلال الفترة الحالية أو يضيق عليها وتتعرض للانتقادات هناك إما لقوانين اجتماعية وعادات وتقاليد ويجبرن على الجلوس في البيت، أو أن سوق العمل لا تناسبها أو تتقبلها لأسباب مختلفة منها انتشار البطالة وقلة فرص العمل للرجال.
ظروف ودوافع
الباحثة الاجتماعية، كبرياء الساعور، أشارت في حديث لـ”الحل نت” إلى أن ظروف الحرب وسياق اللجوء الذي ينضوي على ظروف صعبة تعاني منها النساء، هو ما أدى إلى أن تكون هناك الكثير من النساء معيلات ولأول مرة في حياتهن، وذلك بموازاة الأوضاع الاقتصادية السيئة ونقص سبل العيش.
وتابعت في سياق مقابل «هناك وجه إيجابي لدخول النساء، فالعمل وبغض النظر عن نوع المهنة فإن ذلك يُكسب المرأة قوة أكبر ويجعلها تكتشف ذاتها، إضافة إلى أنه يزيد لديها الوعي والإدراك بقيمة وأهمية العمل في حياتها كحق وقيمة، لما يكسبها دور فاعل في أسرتها».
الباحثة الاجتماعية السورية تقول في حديثها الخاص لـ”الحل نت” إنه ومن أجل أن تكون المرأة موجودة في مختلف ميادين العمل دون حدوث أي انتقاد، فيجب من أجل التركيز على مفهوم تنمية المجتمعات “بخاصة مجتمعنا الخارج من الحرب وهو مجتمع ضعيف لديه مشكلات.
وتضيف “كذلك يجب دمج النساء بسوق العمل من خلال توفير التدريب والمؤهلات ورفع الكفاءات والمهارات، ووضع خطط لذلك من خلال دور المجتمع المدني، فضلا عن توفير التعليم والتركيز عليه للنساء والفتيات فهو أمر بالغ الأهمية”.
ومما لا شك فيه أن العمل خارج المنزل يمنح النساء فرصاً أكثر ويفتح لهنّ باب الاستفادة من التجارب والخبرات الحياتية المتنوعة، كما أن الاستقلال الاقتصادي له الدور الأهم في التمتع باستقلالية وخصوصية شخصيتها.
أسباب قانونية؟
تتجاهل قوانين العمل وأنظمتها؛ الأسباب الرئيسية التي تجعل من وظيفة ما خطيرة على النساء، فتقوم بمنعهنّ من ممارستها عوضا من تطوير بيئة العمل وتأمين الحماية والوقاية من أية صعوبات أو إصابات محتملة، في الوقت الذي يتم فيه غض النظر عن ضرورة العمل من أجل إنهاء العنف المبني على النوع الاجتماعي. في حين تبرر تلك الأنظمة سن قوانين العمل التمييزية ومنع النساء من ممارسة مهن معينة بأن ذلك لصالح النساء وحفاظاً على صحتهنّ وقدرتهنّ الإنجابية، دون أخذ خيارات النساء المختلفة بما يخص الإنجاب من عدمه بعين الاعتبار.
الصحفية السورية عائدة حمدي، تتحدث لـ “الحل نت” فتقول إن هناك عوائق كبيرة أمام إعادة تأهيل وتمكين النساء لشق طريقهن المهني بمختلف ميادين العمل، سواء من خلال وضع استراتيجية متكاملة تدرس الواقع، و إجراء دراسات ميدانية ولوجستية على أرض الواقع، بموازاة وتوعية وتثقيف السكان من كل الفئات.
ومهما تفاوتت مستويات انخراط المرأة السورية في سوق العمل سواء في الداخل السوري ودول الجوار أو بعض بلدان اللجوء، فإن الأسئلة كثيراً ما تدار حول المرأة العاملة من ناحية عدم استطاعتها المضي في طريق المهنة غير التقليدية أو عن الأسباب التي دفعتها للجوء إلى هذه المهنة، وكأن هذه المهن حكر على الرجال، بسبب عقلية المجتمع الذكوري السوري أو حتى العقل الجمعي الذكوري سواء بين نسبة ليست بالقليلة من الرجال ومثلها أيضاً من النساء؛ بحسب حمدي.
قانون العمل السوري نصّ على واجبات مترتبة على صاحب العمل تجاه العاملات الحوامل أو المرضعات، كإعفائهنّ من أعمال تعرضهنّ لمواد كيميائية أو إشعاعية، وتوفير إجازات الأمومة وتخصيص فترات للرضاعة أثناء العمل، وتوفير حضانات للأطفال وفق قواعد محددة وغيرها، لكنّ الكاتبة ميّة الرحبي تقول في كتابها النسوية مفاهيم وقضايا: «يعتبر البعض أن هذه القوانين المتعلقة بالأمومة هي تمييز إيجابي لصالح المرأة، بينما هي في الحقيقة تمييز إيجابي لصالح المجتمع، كون الإنجاب مسألة تتعلق بالمجتمع ككل وليس بالمرأة وحدها.
ويشير تقرير لـ”شبكة الصحفيات السوريات” إلى عدم وجود سياسات وقوانين ضد التحرش أو الاعتداء الجنسي، ما يقلل من فرص تكريس بيئة آمنة لجميع النساء العاملات، أو للمساواة في الأجور والفرص.
البيانات الاقتصادية للعقود الثلاثة الأخيرة في الدول الأكثر تطوراً تشير إلى أن النساء شكلن العنصر الغالب في إيجاد الوظائف الجديدة وبالتالي في تشكيل النمو الاقتصادي. وأحدث هذا التحول تغييراً أهم بكثير من التغييرات السابقة التي دخلت على حياة المرأة والأسرة والمجتمع والاقتصاد.
يحدّ وجود قوانين وسياسات غير حسّاسة للنوع الاجتماعي وغير ناظمة لبيئة العمل في المؤسسات بما ينعكس بشكلٍ إيجابيٍّ وعادلٍ على حياة المنزل من فرص قبول النساء في العمل، بحجة أن المرأة مرتبطة ولديها واجبات منزلية وعائلية، أو من الخوض في نقاشات أو مفاوضات حول ساعات عمل أكثر مرونة. وتُستخدم هذه الحجج وغيرها حتى لتعطيل قدرة النساء على التدرج في مناصب العمل والحصول على ترقيات أو فرص لتطوير مهاراتهنّ.
تشير دراسة لسيدات سوريات لجأن إلى الأردن على فتراتٍ مختلفةٍ منذ عام ، إلى أنّ «28 بالمئة من العائلات السورية اللاجئة تقودها امرأة، منها 35 بالمئة تعمل فيها ربة الأسرة غالباً في أعمال منزلية عند عائلات أردنية»، وقد استندت الدراسة إلى 150 امرأة عاملة 23، بينما تُظهر تقارير للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين «أنّ أكثر من 145 ألف سوريّة في بلدان اللجوء يُدرن أمور بيوتهن». غير أن هذه الأرقام لا تعكس واقع المرأة العاملة في سوريا بشكل وافٍ، فقد ساهمت ديناميكيات الحرب في تغيير مهم في الأدوار الجندرية.
تفيد الدراسات التي صدرت حول فرص العمل للاجئين السوريين، ومنها الدراسة التي قامت بها وكالة “يونايتد برس إنترناشونال” الأميركية، إلى أن نسبة النساء السوريات اللواتي دخلن سوق العمل في بلاد اللجوء أعلى بكثير من نسبة النساء العاملات في سوريا قبل الحرب، حيث تُقدر النسبة بـ 13 بالمئة قبل عام 2011، وهي تُعدّ من أقل المعدلات في العالم، بينما وصلت الدراسة إلى أن أكثر من ربع النساء في تركيا يعملن أو يرغبن في العمل، وأكثر من النصف في دول الجوار الأخرى.
سيرين شاهين _ الحل نت