تلقّت اللجنة الروسية بدمشق مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الجاري رداً رسمياً من النظام السوري بعدم موافقته على المبادرة الروسية المتعلقة بمستقبل قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في منطقة شرق وشمال شرق سورية، وذلك بعد مشاورات خلال تشرين الأول/أكتوبر 2021 بين اللجنة الروسية ومسؤولين من قسد ومن الإدارة الذاتية انتهت بموافقة أولية من قسد وإدارتها على المبادرة الروسية دون شروط أو تحفظات.
المبادرة الروسية تقوم على احتواء القوات العسكرية لقسد ضمن قيادة الفيلق الخامس، واستمرار الإدارات المدنية بصلاحيات متفق عليها بشرط التزامها بقانون المجالس المحلية المعمول به في دمشق، والسماح لأحزاب مجلس سوريا الديمقراطي بالعمل السياسي في سورية بعد حصولها على التراخيص الإدارية والأمنية بحسب قانون الأحزاب المعمول به في حكومة النظام، مع ضمان تسهيلات هذه التراخيص من الجانب الروسي.
النظام السوري أكَّد في رده على اللجنة الروسية رفضه لمبدأ التسويات الجماعية، مرحباً بفتح باب التسوية الفردية وتسليم السلاح بشكل كامل، وإعادة تشكيل مجالس الإدارة المحلية بناء على ما هو معمول به في حكومة النظام، مع إمكانية مناقشة عمل الأحزاب السياسية بعد استيفاء تراخيصها اللازمة.
تأتي المبادرة الروسية في مرحلة الحصاد الروسي للضغوطات الكبيرة التي تعانيها قسد إثر التراجع الأمريكي سياسياً وعسكرياً في سورية، ومع تزايد التهديدات التركية وحصول انقسامات وخلافات كبيرة داخل بنية قسد وخاصة بعد تكرار الاستهدافات التركية لقيادات من حزب العمال الكردستاني في سورية والعراق ضمن تفاهمات تركية أمريكية.
ونستطيع اعتبار موقف قسد من المبادرة الروسية هو موافقة مبدئية وليست نهائية، مع ملاحظة المرونة في المشاورات، لكن هناك أطراف داخل قسد وداخل الإدارة الذاتية محسوبة على حزب العمال غير موافقة على المبدأ. كما أن رفض النظام هو الجواب الأول على هذه المبادرة، وهو رفض متأثر بأطراف داخل القصر الجمهوري وفي رئاسة أفرع الأمن المحسوبة على النفوذ الإيراني الذي لا يناسبه الحذر الروسي من تكرار تجربة التسوية في جنوب سورية. وأمام المعطيات الحالية فمن الممكن استشراف العديد من السيناريوهات لمصير المبادرة الروسية وطبيعة العلاقة بين قسد والنظام:
1. سيناريو نجاح المبادرة: وذلك بضغط جاد من الجانب الروسي على القرار في دمشق، وإيجاد روسيا لآليات تنفيذ المبادرة بالاعتماد على مكتب الأمن الوطني والفيلق الخامس ونفوذها ضمن حكومة النظام، لكن قبل ذلك وجود مناخ إقليمي ودولي مساعد، وبالتحديد قبول الأطراف الدولية والإقليمية وفي مقدمتهم تركيا التي تملك الكثير من الأوراق في الملف السوري. وصحيح أنَّ هذا السيناريو يفترض استمرار القبول المبدئي من قسد إلا أنَّه يوجد تحديات وتخوفات كبيرة ضمن قسد لا بد من اعتبارها.
2. سيناريو تعديلات المبادرة: حيث تضطر روسيا للاستجابة الجزئية لشروط النظام بما يناسب مصالح روسيا في شمال وشمال شرق سورية، وهذه الشروط ليس من السهل فرضها على قسد، وهنا تكبر خسارة قسد لصالح النظام، بينما تستفيد روسيا من تفاعل كافة الأطراف ضمن النظام مع تنفيذ المبادرة وبذلك تتحقق نسبة السيطرة التي أشار لها بوتين في لقائه الأخير من الأسد.
3. سيناريو عدم استجابة الأطراف: بحيث تكون التحديات داخل قسد كفيلة بانقسامات لا تمكِّنُها من تقديم تنازلات للنظام، خاصة في موضوع اللامركزية وحل التشكيلات وتسليم السلاح، وبذلك فالنظام يستمر في رفضه للتسوية الجماعية التي لا تتناسب مع بنية النظام القائمة على المركزية الشديدة وعدم التنازل في السيطرة الأمنية التامة، وتكون هناك فرصة مناسبة لروسيا في إيجاد مكاسب تفاوضية من تركيا في العديد من الملفات مقابل الموافقة الروسية على ما تلوح به تركيا من العمليات العسكرية ضد قسد، وهذا سيشكل ضغطاً جديداً وإضعافاً داخلياً لقسد يضطرها للرضوخ أكثر لروسيا وبالتالي للنظام، وقريباً من هذا السيناريو هو ما حصل سابقاً في عفرين.
والخلاصة فإنَّ الخاسر الأكبر في المستقبل هو مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي، وهو يدرك ذلك وبالتالي يبقى في تخبط مستمر وانقسامات تمنعه من تقديم تنازلات مجدية في وقتها، ثم تضطره التغيرات بعد ذلك لتنازلات كبيرة دون ثمن، والسبب وراء ذلك هو عقلية المشروع الانفصالي الذي تتمسك به كوادر الحزب، وهو أمر مرفوض على المستوى الدولي والإقليمي وكذلك مختلف عليه على المستوى الداخلي في صفوف قسد.
بينما النظام فهو غير قابل لأي تغييرات في طريقة فهمه للحكم وإدارته للموارد، وهذا ما يناسب المشروع الإيراني في المنطقة، بينما يُضطَر إلى الاستجابة للتغييرات الروسية بشكل محدود ومؤقت، وهي تغييرات مبنية على مصالح روسيا في المنطقة، ومع باقي الأطراف المحلية والإقليمية.
المصدر: مركز جسور للدراسات