بينما كان المعارضون السوريون ينتظرون إنجاز الجالية المعارضة في الولايات المتحدة مبادرتها السياسية للحل في سوريا، باعتبار أن الشخصيات الرئيسية والناشطين فيها أكثر قدرة على الوصول إلى مراكز صنع القرار الأميركي، إلى جانب تماسك المنظمات والمؤسسات المعارضة لنظام بشار الأسد هناك، رغم اختلاف توجهاتها السياسية والفكرية، شكل الموقف من الانتخابات الرئاسية الأميركية أول انقسام ظاهر داخل هذه الجالية.
وانقسم السوريون المعارضون بين داعم لمرشح الحزب الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، وبين الرئيس الفائز بالانتخابات عن الحزب الديمقراطي جو بايدن.
وبينما يرى مؤيدو الرئيس الحالي أنه يمثل التوجه الليبرالي ويخدم مصالح المهاجرين والأقليات، اعتبر مؤيدو ترشيح ترامب أن الأخير كان حازماً تجاه خصوم المعارضة سواء عسكرياً أو سياسياً، على الأقل بالمقارنة مع سلفه الديمقراطي باراك أوباما.
ويرى هؤلاء أن الأيام أثبتت أن دعم بايدن كان موقفاً خاطئاً، بدليل التراخي الكبير من قبل الإدارة الحالية تجاه النظام وإيران، وهو أمر كان متوقعاً بالنظر إلى أن بايدن كان أحد صناع سياسات الرئيس الأسبق باراك أوباما.
طمع بوظائف!
ويذهب البعض أبعد من ذلك في الاتهام، ويرون أن بعض السوريين الناشطين في صفوف المعارضة في الولايات المتحدة سوقوا لدعم بايدن في أوساط الجالية والمؤسسات السورية “من أجل تحقيق مصالح شخصية تتعلق بطموحاتهم في الحصول على وظيفة بالإدارة الديمقراطية”.
ويضيف هؤلاء أنه ورغم كل التساهل الذي أبدته إدارة بايدن في ما يتعلق بتخفيف الضغط على النظام وإيران، إلى حد بات الأمر محل نقد واستهجان حتى من الأوساط السياسية والإعلامية “إلا أن بعض من توجه لهم الانتقادات ما زالوا يروجون لسياسات البيت الأبيض وتبرير هذه السياسيات، بل وحتى الترويج لتقديم المزيد من التنازلات من قبل المعارضة تحت شعار الواقعية”.
ويشيرون إلى عدد من المقالات والأبحاث التي نشرها ناشطون سوريون دعموا بقوة ترشح بايدن للانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2020، وفيها يسوقون لرؤية الإدارة الحالية للحل تحت شعار تغيير سلوك النظام لا تغيير النظام.
لكن المعارض والناشط السوري المقيم في أميركا شادي مارتيني ينبّه إلى أن هذه الفئة لا تشكّل غالبية أو ظاهرة حتى الآن، ومع ذلك يجب عدم التساهل مع توجهاتها، خاصة وأنها تعمل على تكريس القبول بالتنازلات وبإظهار الجالية السورية أنها تقبل بالنظام وبتقاسم السلطة معه دون محاسبة المجرمين فيه.
ويضيف في تصريح ل”المدن”، “نحن لا ندخل في النوايا عندما نقول هذا الكلام، بل نعتمد على إصرار هؤلاء على موقفهم الذي أقنعوا غالبية سوريي أميركا به، واليوم بدل أن يعتذروا عنه ويحاولوا معالجة ما ترتب عليه، ينشرون المقالات والدراسات والابحاث التي تقول إن المعارضة اقتنعت بأن النظام أمر واقع وأنها مستعدة للتنازل حتى عن مبادئ جنيف والقرار الدولي 2254”.
ويتابع: “للأسف بدل أن يؤثر هؤلاء في سياسات إدارة بايدن بما يخدم تطلعات الثورة والمعارضة، فإنهم يريدون الترويج لسياساتها وجعلها مقبولة ومبررة في أوساط الجالية السورية”.
ويطالب مارتيني بأن تجتمع المعارضة السورية في واشنطن مجدداً “من أجل توحيد رؤيتها، خاصة وأن العام القادم سيشهد انتخابات التجديد النصفي التي ترشح استطلاعات الرأي حولها فوز الجمهوريين بالغالبية في الكونغرس، وبالتالي التحضر لمثل هذا التحول، لأن سياسة الكونغرس سوف تتغير طبعاً، وحتى سياسة البيت الأبيض الخارجية سوف تتغير لأنه سوف يفقد التحكم بالسياسية الداخلية إن صدقت التوقعات”.
لوبي ضاغط
ويرى الكثيرون أن المطالبة بوضع استراتيجية واضحة للمعارضة السورية في الولايات المتحدة، باعتبارها باتت تشكل اليوم أحد اللوبيات الضاغطة، يجب أن يكون أولوية المنظمات والجمعيات السياسية السورية المؤيدة للثورة، التي يُعتقد أن السيطرة على توجهاتها أحد أهداف هذه الفئة.
لكن السياسي والإعلامي السوري الناشط في الولايات المتحدة أيمن عبد النور يؤكد أن “السوريين هناك واعون تماماً لضرورة تجنيب القضية السورية أي اصطفافات حزبية أو جعلها محسوبة على أي طرف أو مؤسسة”.
ويقول ل”المدن” حول هذه المخاوف: “نحن على قناعة أن أهم مكاسب الثورة السورية في أميركا أنها كانت وما تزال قضية غير حزبية، بمعنى أنها ليست محسوبة على أي حزب، بدليل أن قانون العقوبات الأميركي (قيصر) اتخذ باجماع النواب من الجمهوريين والديمقراطيين، والمنظمات والجمعيات السورية المعارضة مدركة تماماً لأهمية عدم ربط القضية بأي مؤسسة يمكن أن تتغير الغالبية فيها، أو بأي مسؤول يمكن أن يُستبدل”.
ويكشف عبد النور، المسؤول عن منظمة “سوريون مسيحيون من أجل السلام”، عن أن لكل من السوريين المعارضين لنظام الأسد في الولايات المتحدة “قناعاته وهم منقسمون بين تأييد الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري”.
ويقول: “هذه حالة إيجابية تفيد الثورة ولا تضرها، حيث مكننا ذلك بأن يلتقي ممثلون عنا مع كل من الرئيس بايدن في حزيران/يونيو 2020، ومع ترامب في تموز/يوليو، بالإضافة إلى اجتماعاتنا المتكررة مع نواب عن الحزبين بمن فيهم رئيسا لجنتي العلاقات الخارجية في مجلسي الشيوخ والنواب، وهو أمر لم يكن ليحصل لولا التوازن الذي تتميز بها الجالية السياسية السورية”.
لا يخفي الكثيرون من الثوار السوريين الغاضبين من سياسات الإدارة الأميركية امتعاضهم من وقوف قسم من المعارضة السورية في الولايات المتحدة مع بايدن على حساب ترامب، كما يخشى هؤلاء من تغوّل من يعتقدون أنها فئة تنشط بهدف الهيمنة على قرار اللوبي السوري في الولايات المتحدة، وهي مخاوف يرى البعض الآخر أنه مبالغ فيها، ويقولون إنه رغم الخلاف في الموقف السياسي أميركياً، إلا أن القوى السورية المعارضة لنظام الأسد منسجمة في موقفها المتمسك بالاستقلالية وعدم التبعية أو الاصطفاف.
المصدر: المدن