يعتبر الأطفال من أكثر فئات المجتمع هشاشة خلال النزاعات، وغالباً ما يدفعون أثماناً باهظة تتعلق بحرمانهم من التعليم والانخراط في العمليات العسكرية، والزواج المبكر بالنسبة للفتيات، واللجوء إلى العمل لمساعدة عائلاتهم بسبب الأحوال الاقتصادية الناجمة عن الحرب وما يتمخض عنها من لجوء ونزوح وفقدان الأشخاص والأموال والممتلكات. كما يعتبر قطاع التعليم أيضاً من أكثر القطاعات الحيوية تأثراً بظروف النزاع حيث تتطلب العملية التعليمية وجود بيئة آمنة خالية من الاعتداءات والهجمات العسكرية على الكوادر والمرافق التعليمية.
خلال السنوات الماضية انتهك النظام السوري جميع القواعد والأعراف الدولية الناظمة للحرب بما فيها قواعد القانون الإنساني الدولي الخاصة بحماية المدارس والأعيان المدنية ولم تسلم حتى رياض الأطفال من الهجمات العسكرية، في حين تم تحويل أغلب المدارس التي لم تدمرها الآلة الحربية إلى حواجز وثكنات عسكرية لقوات النظام والميليشيات الحليفة لها لاستخدامها لأغراض عسكرية ومراكز للاعتقال، وتسببت هذه الهجمات الممنهجة بحرمان مئات الآلاف من الأطفال من حق الحصول على بيئة آمنة للتعلم.
وقد أشار تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” لعام 2019 إلى تعرّض نحو 40 في المئة من البنية التحتية للمدارس في سوريا للضرر أو للدمار أثناء الحرب، وأن أكثر من ثلث الأطفال السوريين باتوا خارج المدرسة، وأن طفلاً واحداً من بين ثمانية في كل صف دراسي يحتاج إلى دعم نفسي واجتماعي مختصّ لتحقيق التعلّم الفعال. في حين أكد بيان لمنظمة “أنقذوا الأطفال” صدر في 6 أيار 2021 “أن واحدة من كل ثلاث مدارس خرجت عن الخدمة داخل سوريا لأنها دمرت أو تضررت أو تستخدم لأغراض عسكرية”. وحذرت المنظمة من أن التعليم لا يزال تحت التهديد بسبب العنف المستمر على الرغم من انخفاض عدد الهجمات مقارنة بالسنوات السابقة.
من جانبها ذكرت منظمة الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء” أن “سوريا كانت الأسوأ على مستوى العالم بعمليات القتل والاعتداء على المدارس خلال عام 2019”.فمنذ بداية الاحتجاجات السلمية التي أطلق شرارتها أطفال إحدى المدارس في محافظة درعا عمدت قوات النظام إلى ممارسات وأعمال وحشية ضد الأطفال ما تزال صورها راسخة في مخيلة السوريين كالاعتقال والتعذيب والقتل والتغييب القسري ما شكل صدمة وانتهاكا صارخا لقواعد القانون الدولي واتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 التي تكفل للأطفال الحق في الحياة والتعليم والحفاظ على هويتهم وحرية التعبير والرعاية الصحية وعدم التعرض للتعذيب أو العقوبات القاسية أو المهينة لكرامتهم الإنسانية. وبالرغم من الصعوبات الهائلة التي تواجه المنظمات الحقوقية أو المعنية بالتعليم أو حماية الأطفال خلال عملها داخل سوريا إلا أنها استطاعت توثيق آلاف الحالات حول تعرض أطفال سوريين لعمليات اعتقال وتعذيب، وبحسب إحصائيات الشبكة السورية لحقوق الإنسان لعام 2021 فقد قتل نحو 30 ألف طفل منذ عام 2011 يتحمل النظام السوري المسؤولية عن 78 في المئة من مجمل الحالات.
أما بالنسبة لتعليم الأطفال السوريين في دول الجوار، فالوضع ليس أفضل بكثير، ووفقاً لأرقام الأمم المتحدة فقد تجاوز عدد الأطفال السوريين المتسربين من المدارس في تركيا 300 ألف طفل، كما وصلت نسبة الأطفال السوريين الموجودين في الأردن والذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 سنة وغير ملتحقين بالمدارس إلى 38 في المئة، والوضع في لبنان ربما أسوأ من ذلك بكثير، وتضيف الأمم المتحدة أن نصف الأطفال في سن المدرسة في سوريا محرومون من الدراسة ويقدر عددهم بنحو 2.1 مليون طفل داخل سوريا و700 ألف طفل سوري لاجئ في الدول المجاورة.
على المستوى الدولي أخذ التسليم بأهمية توفير تعليم مستمر في أوضاع النزاع المسلح يكتسب تأييداً مطرداً خلال السنوات الأخيرة خاصة بعد إقرار اتفاقية حقوق الطفل عام 1989 بسبب ارتفاع عدد النزاعات المسلحة في العالم، وهناك مجموعة واسعة من القواعد القانونية يشار إليها عادة في معرض ضرورة توفير مزيد من الحماية لحقّ الأطفال والشباب في التعليم وحماية البنى الأساسية المدنية بما فيها المدارس والجامعات أثناء النزاعات المسلحة، وأصبح التعليم بما في ذلك التعليم أثناء النزاعات واحداً من أهم الأهداف العالمية أو ما يُعرف بأهداف التنمية المستدامة لعام 2030.
كما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 275/74 في 28 أيار/مايو 2020 الذي أعلنت بموجبه يوم 9 أيلول/سبتمبر من كل عام يوماً دولياً لحماية التعليم من الهجمات لتذكير الدول الأطراف بالتزاماتها واجبة التطبيق بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك احترام المدنيين، بمن فيهم الطلاب والعاملون في مجال التعليم، واحترام الأعيان المدنية مثل المؤسسات التعليمية.
ويشكل مبدأ التمييز بين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية الأساس الجوهري للحماية المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني خاصة اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 والبروتوكولين الإضافيين الملحقين بها، فأطراف النزاع مطلوب منهم التمييز بين الأفراد المدنيين والعسكريين والأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ولا يجوز لهم الهجوم بشكل مباشر إلا على الأهداف العسكرية فقط، والمرافق التعليمية محمية بمبدأ التمييز طالما كانت أعياناً مدنية.
ووفقاً لقواعد القانون الدولي إذا فشلت الحكومة بشكل واضح في حماية المدنيين من شعبها، أو كانت هي من تستهدفهم، فإن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية حمايتهم من خلال اللجوء إلى تدابير تتراوح من استخدام الوسائل السلمية إلى العسكرية كملاذ أخير، وبناء على هذا الأساس يتوجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته تجاه الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال السوريون في سن التعليم من خلال التدخل الإنساني تحت مبدأ “مسؤولية الحماية”.
وأمام هذا الواقع المأساوي للتعليم في سوريا، لا بد أن يقتنع السوريون بأن الحرب سوف تنتهي يوماً ما، لذلك لا بد من تسخير جهودهم لمرحلة ما بعد الحرب وإعادة البناء المادي والفكري والأخلاقي من خلال إعداد جيل مؤهل بالاعتماد على إمكانياتهم الذاتية دون الاعتماد على الداعم الدولي، وتشجيع أطفالهم على الالتحاق بالمدارس كي يكتسبوا المعارف والمهارات التي يحتاجونها في المستقبل لإعادة بناء ما دمرته الآلة العسكرية والنهوض ببلدهم من جديد.
وسام الدين العكلة _ تلفزيون سوريا