ما إن انتهى بث حوارها على قناة الإخبارية أو (الاستخباراتية)السورية – إن توخينا الدقة- حتى اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي موجة استنكار كبيرة ضد “لونا الشبل” المستشارة الإعلامية لبشار الأسد.
موجة من التذمر والسخط والإحباط والشتائم المباشرة تركزت هذه المرة في أوساط المؤيدين الذين أحسوا بإهانة بالغة بسبب نظرة الشبل الدونية لهم واستهزائها بصمودهم و”تضحياتهم” و”شهدائهم”.
أكثر ما استوقف المؤيدين أن حديث الشبل تركز بشكل رئيسي حول تحليل خطاب القسم الذي ألقاه الأسد منذ أيام، فهي بشكل أو بآخر تتحدث باسم الأسد ولكنها تعبر عن رأيها الشخصي، تحتمي بالأسد وخطابه لتبث سمومها في أوساط المؤيدين وتفسد عليهم فرحة الاحتفال بالنصر وفرحة ترقب توزيع الغنائم.
الحصاد المرّ..
لا حصاد لما زرع المؤيدون، ولا مكافأة لعطاءاتهم وتضحياتهم إذاً، فيكفي أن جيشهم “الباسل” أعاد الأراضي التي استولى عليها الإرهابيون، فما بال الموالاة لا يدركون أهمية ذلك، ولا يحسون أن استرجاع الأراضي بحد ذاته أكبر الغنائم وأعظم الحصاد وأهم مكافأة لمن وقفوا مع الأسد.
ماذا لو أن الإرهابيين ما يزالون يهددون مواقع الموالاة؟ ماذا لو أن الجيش السوري وقائده الأسد لم يسحقوا الإرهاب؟وربما كان السؤال المبطن والأهم الذي تريد الشبل توجيهه إلى الموالاة هو: ماذا لو أن الثورة انتصرت ففقدتم مكاسبكم ومنافعكم التي كنتم تحصلون عليها من خلال منظومة الفساد التي استمات الجيش الباسل للحفاظ عليها، منظومة الفساد الكبرى التي قسمت الكعكة وفق قوة اللصوص وقربهم من زعيم العصابة، لقد تعرضت تلك العصابة للاهتزاز مع أول صوت طالب برحيلها ومحاسبتها، ولكن ها نحن موجودون من جديد، فقدتم بعض مكاسبكم فاحمدوا السيد الرئيس لأنكم لم تفقدوا رؤوسكم، واحمدوه أيضاً على حرصه على منظومة الفساد التي يتعهد بإبقائها قوية وراسخة، وكل ما تسمعونه عن الضرب بيد من حديد ضد الفاسدين ما هو إلا كلام في كلام، بدليل أن الفساد لم يتراجع قيد أنملة، فاطمئنوا.
لقد دافع جيشنا الباسل عنكم وعن كراسيكم وعن غنائمكم التي تتقاسمونها منذ عشرات السنين، فأنتم إذاً لم تخسروا إلاّ بعض ما كنتم تكسبون مما لا تستحقون، فبماذا تطالبوننا؟
سادة وعبيد..
أما صغار المؤيدين ممن هتفوا وخرجوا في المسيرات المؤيدة وكتبوا التقارير، وساهموا في الترويج لرواية العصابة، فعليهم أيضاً أن يحمدوا السيد الرئيس على نعمة البقاء.
انظروا كم من المؤيدين قتل أو أصيب، فعلى كل من بقي على قيد الحياة وعلى كل من بقي سالماً أن يعلم أن هذه هي مكافأته، وأن عليه أن يخوض حرباً جديدة لاستعادة موقعه في خريطة الفساد الجديدة، وليبحث عن غنائمه بنفسه في قادمات الأيام، أما الآن فلا يستطيع السيد الرئيس اقتطاع جزء من حصته وحصة الدائرة الضيقة ليوزعها على كل الأتباع.
ولربما قالتها الشبل بشكل صريح: لقد ضحى الجيش بكل ما لديه، والآن جاء دور الشعب بالتضحية، إنها رسائل مبطنة ولكنها واضحة: ثمة سادة وعبيد، ولا يمكن لكل المؤيدين أن يكونوا سادة، فمن أين سنأتي إذن بالعبيد؟لقد اعتقد المؤيدون، أنهم خاضوا الحرب جنباً إلى جنب مع الجيش والرئيس، ولكنهم فوجئوا بأن لونا الشبل لا تعترف بكل ما قدموه بل وترى أن معركتهم بدأت الآن، وأن عليهم أن يستعدوا للتضحية.
محافظ حمص مجددا..
لقد كان خطاب الأسد بحد ذاته استفزازياً بالنسبة للمؤيدين، ولكن هؤلاء يتقبلونه من الرئيس وحده باعتباره ينضوي -ولا شك- على حكمة ما وعلى بعد نظر، وأيضاً لأن أحداً لا يستطيع إبداء تذمره أو اعتراضه على الخطاب أو جزء منه، ولهذا يضطر المؤيدون لأن يفسروا ما يقوله الرئيس على نحو إيجابي، لأن يروا فيه ما يشتهون بصرف النظر عن تطابقه مع مضمون الخطاب وواقعه.
أما أن تظهر لونا الشبل وبصفتها الرسمية لتؤكد أن كل ما ورد في خطاب القسم من استفزاز واستهتار واستعلاء هو أمر مدروس ومقصود، فهنا لا بد للمؤيدين أن يصبوا جام غضبهم على الشبل لكونهم لا يستطيعون التجرؤ على الأسد، بل وربما يخطّئون لونا في تحليلها وتفسيرها للخطاب مكتفين بالصورة الإيجابية التي تشكلت لديهم من خطاب القسم، الصورة الإيجابية التي لا يستطيع المؤيد رؤية غيرها، أما أن تأتي لونا الشبل وتفرض فهماً واقعياً لا يتقاطع مع أمنيات المؤيدين فلا بد حينذاك من ثورة على الوسيط، ثورة تحمل ذات منطق الثورة على محافظ حمص لا أكثر.
مكانة وظيفية أم شخصية؟
لا تبدو الشبل من خلال لقائها التلفزيوني مجرد مستشارة إعلامية في قصر بشار الأسد، ولا مجرد موظفة من ذوات الوزن الثقيل وحسب، وإنما من عظام رقبة القصر ومن أساساته القوية.كل تصرفات لونا توحي بذلك أيضاً: ثقتها المفرطة، رغم ضعف حججها وضعف حضورها وأدائها، ضحكاتها الصبيانية، لغتها الكيدية، وكذلك طريقة تعاملها مع مضيفيها، والتحكم بنوعية الأسئلة وزمنها، فضلاً عن الحفاوة الاستثنائية التي أحيطت بها سواء من قبل المذيعين، أو من قبل الإدارة، حيث كان عماد سارة وزير الإعلام حاضراً خلف الكاميرا، وسُربت أخبار عن تقديمه العصائر بنفسه لها، وامتداحه لحديثها وإظهار كل أشكال النفاق والتذلل لها، الأمر الذي يؤكد المكانة التي تحتلها الشبل في هيكلية النظام، ولكنها تبدو مكانة شخصية أكثر منها وظيفية.
بدت لونا وكأنها تعرف الأسرار العميقة لبشار الأسد والتي لا يحق للمستشار الإعلامي أن يعرفها لكي توحي بتلك العلاقة الخاصة مع الرئيس، ففي أثناء حديثها عن نتائج الدراسة الخاصة بأولاد الأسد، أوحت لونا بأنها أم أولاد الرئيس وأن العلاقة الشخصية التي تربطها به أهم بكثير من علاقة العمل، أما حديثها عن علاقة الأسد بحسن نصر الله، فهي الوحيدة التي تعرف مدى عمقها كما ادعت، رغم أن الطفل السوري يعرف تماماً عمق تلك العلاقة، ولكن يبدو أن الشبل تتحدث عن العلاقة الخاصة، الشخصية، وتريد أن توحي بأنها تحضر اللقاءات غير الرسمية للاثنين أيضاً (الأسد ونصر الله).
لماذا حسين مرتضى؟
ولربما جاء اختيارها للصحفي اللبناني حسين مرتضى ليتصدر الحوار تأكيداً على إهانة النخبة السورية التي ساندت الأسد لسنوات، ولربما رأى المؤيدون في ذلك الاختيار إجابة على تساؤلاتهم حول الغنائم وإلى من تذهب، فمن بين كل الصحفيين السوريين الذين وقفوا مع الأسد على مدار عشر سنوات، يتم الاعتماد على صحفي لبناني وتصديره في اللقاءات الهامة على حساب الصحفيين السوريين، هنا نعود لمنطق العبيد والسادة، صحيح أن المذيعة ربى الحجلي سورية، ولكنها لم تكن أساسية في إدارة الحوار.
ذلك أمر مستفز جداً، ولكن تسلط لونا الشبل وبلطجتها وتشبيحها على الشبيحة ذاتهم فاق كل احتمال، فكم من الصحفيين الذين تأذوا من لونا بفقدان مواقعهم ومناصبهم أو بتحجيمهم أو حتى بالتسبب بجلطات دماغية وإعاقات دائمة لهم كما حدث مع مدير تحرير جريدة الثورة سابقاً علي القاسم على سبيل المثال والذي يرقد منذ سنتين صريع الشلل من جراء جلطة دماغية تسببت بها الشبل بعد اضطهادها للقاسم وقمعها له وهو الذي سخّر نفسه لسنوات طويلة للدفاع عن الأسد وروايته وكاد أن يفقد حياته في سبيل ذلك.
لونا الأسد..
فوق لغة الاستعلاء والاستهزاء بالمؤيدين أنفسهم، سادت أيضاً لغة تهديد خفية، فلونا تريد أن تصدر نفسها على أنها صاحبة قرار ليس فقط ضمن موقعها وإنما أيضاً في كل شيء، بدليل خطاب القسم الذي تفهمه أكثر من الأسد نفسه، فهي لا تحلل الخطاب في الواقع وإنما تفسره وتلمح من بعيد إلى أنها هي من كتب ذلك الخطاب، ولربما كانت السذاجة والمباشرة في أسئلة المضيفين تكشف أيضاً عن معرفتهما بأن الشبل هي من كتب الخطاب، وهي المرجع الأول والأهم الذي يفسر المقصود بكل كلمة قالها الرئيس فيه، فحسين مرتضى يسأل الشبل سؤال العارف والواثق بأن الإجابة الشافية ستكون لديها، أما الشبل فهي تجيب بلغة من يثق تماماً بأنها الوحيدة التي تعرف خفايا الخطاب، وبالطبع فإن كاتب خطاب الرئيس هو الوحيد الذي يقف أمامه الرئيس ضعيفاً، متسائلاً عن معاني وأهداف بعض الكلمات والجمل.
ربما ستكون مواقف المؤيدين ما بعد لقاء لونا الشبل مختلفة تماماً عما قبله، ولربما تشكل لغتها المتعالية على أتباع الأسد أنفسهم من بسطاء ونخب مفترق طرق يدفع بالمؤيدين إلى توخي الحذر وإعادة التفكير ولو لمرة واحدة بمواقفهم الخشبية التي استمرت سنين طويلة.
عبد القادر المنلا _ تلفزيون سوريا