عمل النظام الأبوي منذ ظهوره على ترسيخ الإعتداء الجنسي ليس كسلاح اخضاع وترهيب فقط، بل كثقافة ومنظومة قيم زاوجت بين تبرير الجريمة وتبرئة المُعتدي، ولوم الضحية وإدانتها، في محاولة لإدامة الاعتداء الجنسي وتقديمه في تَشكيلات يصعب تفكيكها مادمت تُنتج ضمن سياق سياسي واجتماعي مؤسس على الأبوية وقيم العنف.
أخذت هذه الثقافة لبوس الطبيعة حتى أصبح من المسلمات أن تُسأل ضحية الاغتصاب والتحرش عن ماذا كانت ترتدي، أين كانت تتواجد، أو تتم إدانتها مباشرة بالكذب ووصمها بالعار. وكان لهذه الثقافة عبر التاريخ أثر كبير في الحد من مقدرة الناجيات على الوصول للعدالة أو طلب المساعدة أو حتى مشاركة تجاربهن مع العنف في سياق الصمت والخوف واللوم الذي يحاصرهن.
اليوم وبعد سنوات من المقاومة النسوية ضد الإعتداء الجنسي التي وصلت أوجها مع حملة “أنا أيضاً” و “افضحي متحرش” و الحملة الحالية “أصدق الناجيات” لاتزال ثقافة الاغتصاب تسيطر على ردات الفعل خارج الدوائر النسوية وهذه المرة باستخدام الأداة القديمة الجديدة للأبوية “تنميط المعتدي والضحية” من خلال خلق كاتلوج يبعد الشبهة عن من يمتلكون سلطة الإعتداء ويحاصر خطاب الناجيات بالتكذيب.
الكاتلوج الطبقي
من بين الأدوات الأبوية لتمويه الإعتداء الجنسي هي ربطه بالطبقات المهمشة وجعله تصرف نابع من التخلف والجهل، يُمنح للمتحرش أو المُغتصب أو المُعنف في هذا الكاتلوج شكلاً رَثاً وملامح خشنة وملابس غير متناسقة، فلا يكون المُعتدي فقيراً فحسب بل يحمل صفات الإجرام والجهل المتفق عليها طبقياً.يسمح هذا التنميط بإبعاد شبهة الإعتداء عن صفوف أبناء الطبقات الغنية، والمتعلمين والرجال من مواقع مرموقة كموظفي الدولة والشركات، من يرتدون ربطة العنق أو ملابس أنيقة وعصرية، ومن يملكون رصيداً علمياً كبيراً مدعوماً بصفة أكاديمية، ومن يمتلكون شكلاً جميلاً ومهذباً كما هو متفق عليه.
يسهل ضمن هذا التنميط أن يفلت المعتدي من مشانق الإدانة وتُكذب الناجيات بإعتبار أن الموقع الطبقي والتعليمي والوظيفي للمعتدي يغينه عن التحرش أو الاغتصاب، ويصبح هنا التمويه مضاعفاً ليس لفاعلية كاتلوج المعتدي فقط بل لتصوير الإعتداء كفعل مرتبط بالنقص والحاجة للجنس، والتخلف والسلوك “الفلاحي”، فالمُعتدي الذي يملك رصيداً طبقياً واجتماعياً يُمكنه الحصول على أي فتاة يريدها، وسلوكه الراقي يضعه في مسافة من أي فعل لايناسب مَكانته، فلايكون هنا الإعتداء فعل سيطرة واخضاع واحساسٍ بالسلطة كما هي حقيقته بل مجرد فعل رَثّ لايليق سوى بمن هم تحت.
من خلال هذا التنميط يُفصل الإعتداء عن سياقه كفعل عنف وإكراه، ويُقدم في حالات عدة كفعل مشروع تُكذب فيه رواية الناجية لصالح موقع وشكل المُعتدي، كما حصل في قضية منة جبران التي وثقت تعرضها للملاحقة والتحرش، ورغم تعبيرها عن الرفض المستمر إلا أن ردود الفعل جات كما هو متوقع أُعتبر فعل التحرش مجرد دعوة مهذبة للقهوة.
وكما حدث أيضاًوكما حدث أيضاًبإعتبار أن تواجدهن معه سبب كافي لانتهاكهن، فإبستاين هنا كرجل وغني يَحوز رأسمال رمزي يدين ضحاياه لا هو.
ساعدت ثقافة الاغتصاب على انكار الإعتداء الجنسي بشكل عام لكن تنميط المُعتدي ساعد أيضاً في ابعاد دائرة الإدانة وتوجهيها نحو الضحايا/الناجيات في كل مرة.
لايعني الكاتلوج الطبقي أن الإعتداء الجنسي غير موجود في الطبقات الفقيرة والمهمشة فكونه فعل سلطة ذكورية يعني مقدرة أي رجل مهما كان موقعه الطبقي والاجتماعي على فعله تماما كإنتشاره في جميع الطبقات، فالامتياز الذكوري هو الضوء الأخضر وليس الموقع الطبقي.
المكانة الدينية وتطويق الصمت
يحوز رجال الدين بالإضافة إلى الحصانة الاجتماعية التي تضعهم في منأى من أي نقد أو محاسبة، هالة قُدسية تمنع الاقتراب منهم وتحرق كل من يحاول توجيه الإتهامات لهم خصوصا إذا ما كُن ناجيات أو ناجيين من الإعتداء الجنسي.
ورغم أن أكثر البؤر التي تسجل فيها اعتداءات جنسية في حق الأطفال والقصر، هي مراكز التحفيظ والمساجد، إلا أن الاقتراب من الحديث عنها يعتبر انتحاراً اجتماعياً وسياسياً فتلجأ من قررت الحديث لحسابات مجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي التي تفجر في كل مرة جرائم وحشية في حق الأطفال خصوصا. لكن ذلك لايكفي لتحقيق العدالة مادامت الأنظمة السياسية مثل رجال الدين تستخدم سلطتها لإدامة هذه الإنتهاكات بل وتأبيدها.
فقد استفاد رجال الدين من امتياز مزدوج كونهم رجالاً أولاً ويحوزون سلطة فوق سماوية ثانياً، مكنهم ذلك لقرون من ممارسة جرائم الإعتداء الجنسي بأريحية مستغلين سيادة ثقافة الاغتصاب التي تحول الجريمة لعيب وعار ووصمة في حق الضحية/الناجية، فتختار الأخيرة الصمت مقابل المصير المجهول إذا ما اتهمت رجلا متدثراً بعقاب الله والمجتمع والدولة، طارق رمضان، الذي جاهد الكثيرون في تبرئته والبحث في صور وماضي ضحاياه ليثبتوا أن ماحدث هو مؤامرة ضد الإسلام والنيل من رجالاته، مقدمين رمضان كالرمز المعتدل المحارب من الغرب ومن اللوبيات العالمية لأنه ينشر الإسلام الصحيح.
لم يكلف هؤلاء أنفسهم النظر لطارق رمضان خارج موقعه كرجل دين لكن استمروا في تبريرهم الذي أوصلهم في النهاية لجعل جرائمه مجرد خطايا “كالزنا” “فالمؤمن مصاب” و “مبلتى في دينه”.
لاتعتبر قضية رمضان حالة فريدة أو معزولة بل شمولية وتتسم بالتكرار، فهناك العديد من القضايا المشابهة التي لن تصل يوما للإعلام أو للفضاء العمومي بسبب جو التقديس المُحاط بأصحابها وجو الترهيب الذي يحاصر الضحايا.فالمكانة الدينية ليست سلطة تخول الإعتداء فحسب بل سلطة تُطبق الصمت على ضحاياه أيضاً.
كاتلوج المرض النفسي
رغم التخويف واللوم والعقاب تجد العديد من الناجيات بشكل أو بآخر القوة والشجاعة للمواصلة وفضح المجرمين وايصال قضاياهن للفضاء العام، وهنا نكون أمام احتمالات عدة تبدأ بالتكذيب والتهديد ولا تنتهي بالتبرير والتبرئة، وربما لا نستطيع جرد جميع أنواع التبرير التي تعطى للمجرم نظراً لحربائية المنظومة التي تدافع عنه، لكن أكثر مايثير انتباهي غالبا هي تبرئته من خلال وصفه “بالمريض النفسي” و “المختل” أحياناً يصدر هذا الخطاب من متعاطفين ومتعاطفات وذلك نجد له تفسيراً بسيادة هذا الخطاب وترسيخه لفترات طويلة.
لكن هذا التبرير يصدر من المؤسسات الرسمية كالقضاء والمحامين والإعلام وعائلة المعتدي ومن يدافعون عنه فرميه بالمرض النفسي سيسهل خروجه من الإدانة بل وتبرئته غالباً.لذلك لايكون كاتلوج المرض النفسي عاملاً مساعداً في انتهاك حق الضحايا/الناجيات في العدالة فقط، بل يربط المرض النفسي بالإجرام وهذه وصمة قديمة وجديدة تجعل من يعاني من اضطرابات نفسية فعليا يعجز عن الوصول للمساعدة بل ويخاف وتخاف نظرا لحمولة العار ولائحة الإتهامات التي تُدرج تحت بند المرض النفسي.
جرائم العنف الأبوية ومن بينها الاعتداءات الجنسية سببها السلطة والامتيازات واستخدامها كأسلحة ترغيب وترهيب واخضاع. لذلك يكون المرض النفسي نتيجة عوامل مرتبطة أساساً بمنظومات القهر والعنف كالأبوية والرأسمالية والاضطهاد وليس سبباً في جرائمها.
الشهرة كحصانة
فجرت حملة “أنا أيضاً” مقاومة نسوية من داخل إحدى أكثر الدوائر التي تغطي أضواؤها على جرائم الرجال فيها “هوليوود” أو صناعة المشاهير والقوة والسلطة، لم تكن الفئات العريضة من جماهير الشاشة العملاقة على استعداد لمساءلة رموزهم الفنية، ولم يكن معظهم أيضاً على استعداد لتصديق الناجيات اللواتي اتحدن وفرضن أصواتهن وأثبتن أن القوة والسلطة محفزات أساسية للإعتداء الجنسي وليس العكس.
رغم ذلك لاتزال الساحات الفنية في معظم دول العالم غير مبالية بأن من بين نجومها المفضلين مغتصبين ومتحرشين ومعنفين.
فهاهو سعد المجرد خرج منتصراً بهتاف الجماهير له وبدعم الوسط الفني وبمساعدة قانونية من قَصر بلاده، رغم إدانته ورغم اعتقاله للمرة الثالثة لكن السلطة الرمزية الممنوحة له حولت جريمته لمؤامرة تارة عليه كشاب وسيم وصاعد ومشتهى من النساء، وتارة على بلاده ومشروعها الاستعماري.
وهاهو رومان بولانسكي يكرم بجائزة سيزار بعد 43 سنة من ادانته بجريمة اغتصاب وبعد أن صرحت عدة ناجيات بتعرضهن للإعتداء على يده وكان بعضهن من الحاضرات أثناء توزيع الجوائز.
وعند وفاة أشهر لاعبي كرة السلة كوبي براينت هوجمت كل من تحدثت أو وقفت أمام ترميزه وتقديسه وأعيد فتح قضية اغتصابه لفتاة سنة 2003، فكان التبرير أن براينت لايحتاج لأن يغتصب أي كانت فهو محبوبُ ومرغوب، وعند تقديم الأدلة التي أثبتت جريمته، ذهب معجبوا براينت للقول أن الفتاة بقبولها للتسوية فهي بالتأكيد ليست مغتصبة، آخرون فضلوا أن تُذكر محاسن “الموتى” بإعتبار أن الحفاظ على رمزية الرجل أهم من تحقيق العدالة لمن اغتصبها.ولايزال العديد من المشاهير يفلتون من الإدانة ومن المحاسبة بشكل أو بآخر نظراً للسلطة التي يشهرونها كسيف في وجه الناجيات. ولاتزال جماهير المعجبين والمعجبات تنتصر لهم رغم الإدانة الرمزية.
بين الغريب والقريب لا أحد يصدق الناجيات
يحدث الإعتداء الجنسي في البيت، والشارع، والمدرسة، والجامعة، ودور العبادة، ومؤسسات الدولة، والسجون، والشركات، والحقول، والمكاتب. ورغم ذلك لاتزال الضحايا/الناجيات تواجهن باللوم والتكذيب.فجرائم الإعتداء من أفراد الأسرة يتم طَمسُها بشكل عنيف، بل يصل الأمر بأفراد العائلة إلى التآمر لإسكات الضحية وتهديدها بإعتبار أن الأخ أو الأب أو الخال أو العم مصدرُّ للحماية وللسلطة وللتفوق، ولايمكن المساس بمكانتهم أو التشكيك بما يمثلونه أو تغيير صورة الحماية نحو الإنتهاك فلن يصدق أحد ذلك بشكل أولي، ولن يقف أحد أيضاً في وجههم، فالهندسة الأبوية حولت النساء والأطفال لملكيات خاصة وحدهم الرجال وكبار السن مخولون لتحديد استحقاق العدالة أو انتزاعها.
تُحذر الفتيات من الغرباء ومن الذئاب الهائمة بحثاً عن فريسة للاصطياد، لكن لا أحد يُحذرهن من المجرمين بين ظهارين بيوتهن من الحماة أو الطغاة المقنعين بأقنعة الحماية والروابط الأسرية. لا أحد ينصت لهن بل تتهمن بالتآمر ومحاولة تفكيك الأسرة الآمنة وتخريب نواة المجتمع، تؤمر الناجيات بالتستر وعدم إرتداء ملابس مثيرة للفتنة وأن ينكتمن مخافة الإغواء فالمرأة محل للريبة، للشك، للفتنة والغواية.
ورغم التحذير من الغرباء الذي يحمل طابع الوصاية لا الحماية، فإن الضحايا/الناجيات يُفرض عليهن الصمت وثقافة اللوم والعار وتحميلهن وزر الإعتداء. وحتى إن صدر فعل غاضب تجاه المعتدي فذلك انتصاراً لحماية “الشرف” أمام المجتمع وتفرض على الناجية بعد ذلك قيود الوصم والاحتقار.وبين انتهاك القريب والغريب يضيع حق الضحايا/الناجيات في الإنصات كأبسط أشكال العدالة.
الثوريون لا يغتصبون
لا تكون الدوائر السياسية والثورية بمنأى عن خلق كاتلوجات تبعد شبهة الإعتداء عنها، وغالبا مايحاط منتسبوها من الرجال خصوصا إذا كانوا يحوزون رصيدا يضعهم في مصافِ الرموز (كالقيادة الثورية، والاعتقال، والشهادة)، بطوقٍ من التقديس يمنع الناجيات/الضحايا من الحديث، وتحديداً إذا ماكان الرجل الرمز يتحدى سلطة الاحتلال أو الإستبداد عندئذٍ تصبح كل ناجية متآمرة بالضرورة أو تحمل أجندات الأعداء لضرب الوحدة وتشتيت الجهود.
يحصر أي تعامل مع رموز الحراكات الثورية في جدلية الولاء والتخوين ومن ضمن الأدوات التي تستخدم لخنق الأصوات الرافضة هي فزاعة الأولويات والتحرر الوطني، واستيراد القضايا، والخطابات الكولونيالية، تشكل هذه الفزاعات طبقات سميكة تطوق أصوات النساء داخل هذه التنظيمات فيصبح السكوت الخيار الوحيد فمن ستواجه رجلا متسلحاً بقُدسية فوق سماوية وفوق بشرية؟ من ستواجه كاريزما الثوري المبجل فيحين أنها مجرد امرأة؟ يصبح كل شيء مباح تحت بند التحرير الوطني يُنكر الإعتداء ويوضع الثوري في مواقع الأنبياء وتصبح الناجية في دائرة رَجم مستمرة.
الضحية المثالية
دفي الحقيقة لاتوجد “ضحية” مثالية في المنظومة الأبوية وضمن ثقافة الاغتصاب لكن يوجد اتهام مستمر مهما كانت وضعية الناجية، ففي البدء يكون التكذيب سيد الموقف فلا مكان لتصديق النساء في المنظومة الأبوية، إن تاريخ الاضطهاد هو تاريخُّ من نزع الشرعية عن خطابات النساء، وأصواتهن، ليس في الإعتداء فحسب فقد رُسخ عبر القرون أن المرأة كائنة كاذبة، مريبة، شيطانية ومتآمرة، بحصرها في وضعية كيد دائمة جُردت من الصوت وحق الرفض وحق الاعتراض.حين ينتهي فصل التكذيب بالفشل يبدأ سلاح اللوم، من خلال البحث في شكل الملابس وقت الإعتداء، طولها، ولونها يصبح محفزاً له وسببا في حدوثه، يتحول كل شيء وقتها لمشهد تراجيدي يخطف فيه عقل الرجل أصل الكمال والتفوق بألوان ومقاسات، وعند تقديم الأدلة بأن حتى الملابس القاتمة لوناً ومقاساً يتم الإعتداء على من ترتديها، يُبحث عن مكان التواجد وساعته والعلاقة بين الضحية والمعتدي. ثم تبدأ الإدانة المباشرة بخطاب “هي صحيح ضحية لكن لو بقيت في البيت لكان أفضل لها” لكن ماذا إن أُغتصبت في البيت؟ سيبرر ذلك بأنها لم تكن “ساترة” وماذا إن كانت “ساترة” ستدان أيضاً.
وبالمحاذاة مع اللوم يُشهر عن سلاح الوصم، نبذ الناجية ومهاجمتها والبحث عن ثغرة لا تلائم القواعد الأبوية في سلوكها، لتبيين أن المعتدي لم يكن مخطئاً وإنما يقوم بما يفترض بأي رجل غيور على صالح الرجال العام أن يفعله، أن يخضع من شذت عن القواعد ويرجعها للصراط العنيف، مثل ردات الفعل على قضية منة عبدالعزيز فلم يكن يكفي بالنسبة لجماهير الأبوية عدد ولون الكدمات على وجهها ولا عيونها الباكية ولا نبرة الإستجداء منها ولا حتى سنها الصغير، بل انهالوا ينهشونها ويفتخرون بالإعتداء عليها وأنها تستحق هذا المصير فقد حاولت الحياة خارج سطوتهم، لتأتي الدولة وتكمل حفلة الشر بإعتقالها والتأكيد ألا سلطة تعلو على سلطة الأبوية.يبحث جموع المبررين للاغتصاب والتحرش عن ما إذا كانت الناجية قد أُخذت قسراً أم ذهبت بمحض إرادتها في حالة تعرضها للاغتصاب خارجاً فإذا كانت كذلك فنفس تستحق الهلاك وإن اختطفت فهي تستحقه أيضاً.
مثلا في إحدى المرات الكثيرة التي تلام فيها الضحية/الناجية على جرائم هي ضحيتها في المجتمع الصحراوي، قالت احدى السياسيات مجيبةً عن سؤالنا حول منشورٍ لها في الفيسبوك قامت فيه بتكذيب إحدى الناجيات، قالت أنها كانت برفقة المعتدي برضاها وأن الصور التي سربها المعتدي تُبين أن الفتاة لم تتعرض لإنتهاك الاغتصاب والتهشير بل هي مشاكل عادية سببها الأساسي سلوكها الغير “أخلاقي”. لاعجب أن تصدر مثل هذه التصريحات من إحدى وجوه النظام السياسي المؤسس على ثقافة الاغتصاب وتكذيب الناجيات.
في النظم والمعايير والأخلاق الأبوية لا وجود لأصوات الضحايا ولا إدانة للمعتدين، لا توجد ضحية أو ناجية مثالية فكل النساء مجرمات ومذنبات حتى لو أثبتن العكس، سيطاردن لبقية أعمارهن وينبذن ويكرهن ويدفعن دفعاً للموت الرمزي قبل أن يأتي الموت الأخير ويذهب بما تبقى.
لذلك يبقى التضامن النسوي وخلق مساحات آمنة للضحايا/للناجيات، وخلق عدالة بديلة عن الأبوية وقيمها والدولة ومؤسساتها التي تحتكر العنف وتفوضه حسب الامتياز الجندري والعرقي والطبقي، هي السبيل الوحيد لإجتثاث الإعتداء الجنسي كفعل مُرسخ بقيم ومنظماتمات لاتسقط بالحلول الترقيعية كنظام السجون والمعاقبة الفردية، بل بإسقاط المنظومة الأبوية والمنظومات الداعمة لها واقتلاع ثقافة الاغتصاب كونها الجذر المخلد لهذه الجرائم.
المصدر _ نحو وعي نسوي